إذا كان الخليل بن أحمد الفراهيدي، اكتشف بحور الشعر العربي، قبل نحو 13 قرناً، فإن باحثان سعوديان استخرجا الإيقاعات الموجودة في هذه البحور، وبنيا عليها إيقاعات مختلفة، تم رصدها والترميز لها، بتحويل الصوت إلى إشارة إلكترونية محددة، ليعرف بها كل بحر وكل وزن. ونالا إثر ذلك براءة اختراع من مكتب براءات الاختراعات الحديثة في الولاياتالمتحدة الأميركية. واختار الأستاذان في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور عبد الكريم صالح الزهراني، من قسم الدراسات الإسلامية والعربية، والدكتور مصطفى الشافعي، من قسم علوم وهندسة الحاسب، مسمى «التعرف الآلي على أوزان الشعر العربي صوتياً»، لمشروعهما العلمي، الذي يضع قياساً صوتياً لتحديد بحور وأوزان الشعر النمطي وتفعيلاتها، ومعرفة البيت الصحيح الموزون من المكسور، بمجرد نطق البيت وتسجيله وفق نظام آلي على الحاسب الآلي. وتتمحور فكرة المشروع على أن «أي إيقاع استحسنه الناس، يمكن تكوين قاعدة له، ليصبح نصاً حقيقياً يُقاس عليه المُشابه له». وكان الفراهيدي، قام بعمل خمس دوائر عروضية لجمع الإيقاعات الموزونة وضبط القوافي، وجمع الشعر وخرج بعد تحليله بالقياس الذي يحكم كل ما ورد من شعر، وصنفه من خلال الدوائر العروضية، فأصبحت قياساً يُعرف به البحر. فيما قامت فكرة اختراع الزهراني والشافعي، على «استخراج الإيقاعات الموجودة في البحور، والتي أتضح أنها تُبنى على إيقاعات مختلفة، تم رصدها والترميز لها، بتحويل الصوت إلى إشارة رقمية محددة، يُعرف بها كل بحر وكل وزن». ومن خلال هذه الفكرة؛ يمكن رصد أي إيقاع له خصائص تميزه عن غيره، وهو أمر يمكن حصره من خلال الأوتاد والأسباب التي تبنى عليها التفعيلات التي جاء بها الخليل. ولن يخرج أي إيقاع عنها. وبعد رصدها والتأكد منها لتصبح قاعدة ثابتة، ليستطيع بعد ذلك الحاسب الآلي أن يجد المُشابه لأي بيت صحيح يتفق مع هذه القاعدة الصوتية الثابتة. وتعدّ هذه الفكرة الأولى التي طبقت عنصراً من عناصرها، قبل منحها في جامعة الملك فهد، إذ سجل فريق لدى عمادة البحث العلمي، القيام بمشروع الفراهيدي، من أجل عمل نظام آلي للتعرف على أوزان الشعر العربي من الإلقاء الصوتي للشاعر مباشرة، تطبيقاً لعنصر من عناصر البراءة. فيما قام الفريق البحثي بتجميع معلومات عن بحور وأوزان الشعر النمطي وتفعيلاتها. وأجرى دراسة عن أنواع الأخطاء التي يمكن أن يقوم بها الشاعر لناحية الإخلال في قواعد الوزن، أو التفعيلات، أو تتابع الحروف المتحركة والساكنة. وتطلب تنفيذ هذا النظام بناء قاعدة بيانات مكتوبة وصوتية للشعر العربي. وما زال الفريق يعمل لتوسيع القاعدة الصوتية لتحقيق نتائج أفضل. كما قام الفريق بعمل نظام آلي لتحليل أبيات الشعر العربي الموزون، وتكوين الكتابة العروضية، وإيجاد الترميز الثنائي المناظر لهذه الأبيات، الذي ابتكره الفراهيدي، وهو ما يُسمى «الحركات والسكنات». ويقوم النظام بعد ذلك بالتعرّف التلقائي على الأوزان الشعرية المناظرة لهذه الأبيات، وتحديد البحر الذي ينتمي إليه كل بيت شعري. ويتكون النظام الآلي من قسمين رئيسين، الأول من خلال مرحلة التدريب أو التعلُّم، ويتم تنفيذها لمرة واحدة فقط عند تثبيت النظام، والآخر من خلال مرحلة التعرُّف أو الاختبار، وهذه المرحلة يتم من خلالها كتابة البيت الشعري المُراد تحديد البحر المناظر له كتابة عروضية، ثم يتمّ إيجاد الوزن والبحر المناظرين. كما يمكن النظام التعرّف على بعض الأخطاء العروضية، والتفريق بين الشعر الصحيح عروضياً، والمنكسر غير الصحيح. ويعمل النظام بطريقة تقسيم البيت الشعري بعد كتابته عروضياً، إلى مقاطع صوتية، وتحديداً ثلاثة أنواع من المقاطع الصوتية، ثم يتم مقارنة أنواع المقاطع الصوتية في الأوزان المختلفة المناظرة للبحور الشعرية، ومن ثمَّ يتمّ اختيار الوزن الذي تكون مقاطعه الصوتية أكثر شبهاً في تلك الموجودة في البيت الشعري.