حضر نوري المالكي قمة الدوحة وغاب العراق. قبل مغادرته بغداد إلى الدوحة ثار خلاف في مجلس الرئاسة. أصدر الرئيس جلال طالباني بياناً جاء فيه أنه أناب رئيس الوزراء عنه بناء على رغبته "لأن لديه التزامات مع بعض الدول العربية". وأصدر المالكي بياناً مضاداً يكذب بيان الرئيس، ويعتبر حضوره القمة "حقاً دستورياً" فهو "المسؤول الأول عن السياسات الداخلية والخارجية". تنازع الصلاحيات بين المسؤولين العراقيين يشبه نزاعاً بين مديري شركة مساهمة قانونها يتيح لكل منهم إدعاء تمثيلها. ألا يمثل المالكي مصالح الشيعة في النظام العراقي؟ وطالباني ألا يمثل مصالح الأكراد؟ وطارق الهاشمي مصالح السنة؟ والصراع على تقاسم الدولة والسلطة والثروة والنظام لم يحسم لمصلحة أي من هذه الأطراف حتى الآن؟ أبعد من ذلك. ما زالت الخلافات على نصوص الدستور قائمة. المالكي يطالب بتعديله لمصلحة حكومة مركزية قوية. حزب عبدالعزيز الحكيم يطالب بتطبيق نصوصه وإنشاء إقليم فيديرالي واسع الصلاحيات في الوسط والجنوب. الأكراد يهددون بالانفصال إذا جرى تعديله. يعتبرون أي تعزيز لسلطة المركز في بغداد اعتداء على حقوقهم ومكاسبهم. وينص الدستور على أن "العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو جزء من العالم الإسلامي، والشعب العربي فيه جزء من الأمة العربية". أي أن الأكراد جزء من الأمة الكردية والتركمان جزء من الأمة التركمانية. والأشوريون جزء من الأمة الأشورية. وكذلك السريان واليزيديون والصابئة. لا هوية جامعة. الكل يسعى إلى ترسيخ تاريخه العائد إلى آلاف السنين هوية. والقوانين الناظمة لوجود هذا التعدد في دولة واحدة تفرضها الأكثرية لمصلحتها. وما على الأقليات سوى الرضوخ أو الرحيل. لنتجاوز النص الدستوري العراقي والخلاف بين طالباني والمالكي ونرَ كيف ينظر العرب إلى العراق الجديد: بعضهم نادم على الوقوف ضد صدام حسين في التسعينات وخلال الغزو الأميركي. بعضهم يراه خطراً على أمنه الوطني. آخر يراه خطراً لأنه خاضع للنفوذ الإيراني الفارسي. ثالث يأخذ على حكامه النافذين شيعيتهم ولا يعتبرهم عرباً. لكن على رغم كل ذلك، مثّل المالكي العراق في قمة الدوحة. طالب القادة بإعادة العلاقات الديبلوماسية مع بغداد. وبإلغاء الديون المترتبة عليه من أيام النظام السابق. وسواء استجيب طلبه أو أرجئ فالموضوع، على أهميته، لا يفترض أن يكون العراق عربياً او عضواً في الجامعة العربية ليطالب بذلك. هذا من حق أي دولة، عربية كانت أو غير عربية. إسرائيل تطالب العرب بعلاقات ديبلوماسية وتجارية. كان عليه (المالكي) وعلى الآخرين، إذا أرادوا أن يخرجوا العراق من دائرة نفوذ طهران فعلاً، ويستعيدوه إلى "الرابطة العربية"، أن يكون لديهم مشروعهم لإصلاح جامعتهم ومؤسساتها التي تنظم العلاقات بين دولها، وتحسم الخلافات قبل القمم. هوية العراق العربية مهمة، مثَّله المالكي أو طالباني او الهاشمي، شرط اعتراف الجميع في الداخل بهذه الهوية. وتعاطي الخارج معه بهذه الصفة.