بعد أن اعتنقت سونيا ميللر (بريطانية الجنسية) الإسلام، غادرت وطنها إلى كندا وتزوجت مصرياً، ثم غيرت اسمها إلى سعيدة ميللر خليفة، كان أول همها أداء فريضة الحج. كان لها انطباع غير تقليدي عن شعائر الحج: «عندما يتجمع الحجاج حول الكعبة يرمز تجمعهم إلى وحدتهم وقوة الروابط بينهم، والسعي بين الصفا والمروة يرمز إلى سعي المسلم إلى هدفه بإنفاذ أمر الله مالك السموات والأرض، وعندما يرمي الجمرات يرمز إلى اتحاد المسلمين في نبذهم للشر، وعندما يزور الحاج المسجد النبوي يدرك احترامهم لنبيهم وتبجيلهم للأماكن التي نزل بها جبريل يبلغ الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم». وحينما حطت بهما الطائرة المقبلة من القاهرة في مطار جدة قالت: «لم ندفع أي رسوم، إذ كان ابن سعود ألغى عام 1950 ما كان يُتقاضى من الحجاج من زمن العثمانيين»، قائلاً: «دعوا الحُجاج يؤدون فريضتهم، وأنا أتحمل الرسوم». وأضافت: «خلب لبي ما رأيته من جموع الحجاج، تنوع لباسهم بكل الألوان: مصريون بلباس الإحرام الأبيض، وسودانيون بجلابياتهم وعمائمهم البيضاء، وتونسيون بلباسهم التقليدي، وأفارقة بلباسهم الفضفاض والملون، وأظهر موظفو مطار جدة سعة صدر وصبر في حل ما يعترض الحجاج من مشكلات». وعندما قرأت سعيدة أن شيخ الأزهر عبدالحليم محمود ذكر أن الحج سلام لكل حي، من إنسان وحيوان وحتى النبات، كتبت: «هذا السلام الشامل الذي جاء به الإسلام هو حلم البشرية اليوم، سلام الإنسان مع نفسه ومع غيره، والذي يتمتع به الحجاج لا يوجد له مثيل في العالم». استقلت وزوجها مركبة أجرة شقت طريقها إلى مكةالمكرمة في أرض صحراوية شاسعة، وعندما دخلت إلى الحرم: «شعرت بخفة مثيرة يشعر بها المرء عندما يتجه بكليته لأعمال العبادة، ويشعر كما لو كان جسده غير موجود». وتوقفت قليلاً قبل بدئها الطواف قائلة: «شعرت باستغراق بالمشهد كله، الوجوه مشرقة، والعيون فيها بريق الفرح والأصوات المتحمسة تردد الأدعية، هنا شعرت أنني فقدت شخصيتي، وغرقت روحي في المشاعر الروحية المحيطة بالمكان، وامتلأ قلبي بالشكر لله على ما يسر من أداء الحج مع زوجي، كان الزحام شديداً وخصوصاً قرب الحجر الأسود». وبعد أن فرغت من الطواف وسعيت بين الصفا والمروة قالت: «أعترف أني عندما اقتربت من نهاية أشواط السعي كنت مشدوهة، والحجاج في ذروة انفعالاتهم، ومنهم زوجي كانت دموعه جارية على خديه». بعد أن لبست الإحرام توجهت سعيدة وزوجها يوم التروية إلى منى ومن ثم إلى عرفات، دونت: «وصلنا إلى صعيد عرفات المغطى بالخيام، كان المخيم العظيم المنظم تنظيماً جيداً لاستيعاب نصف مليون حاج، وتتوافر المياه النقية للشرب، وكانت منظمة الصحة العالمية هنأت المملكة العربية السعودية على خلو هذا الموسم من أي وباء، وهو إنجاز ليس بسيطاً إذا أخذنا في الاعتبار بقاء الحجاج يوماً في عرفات وثلاثة أيام في منى، في ظروف الازدحام الشديد، والفضل يعود لاهتمام الحكومة السعودية بالوقاية من الأمراض في موسم الحج وعلاج أي مرض يظهر على الحجاج من فوره». وصلت الرحالة مع الحجيج إلى مزدلفة ومن ثم إلى منى لرمي الجمرات وتوجهوا إلى مكة لأداء طواف الإفاضة، كتبت: «حتى مجرد الجلوس وتأمل الكعبة متعة، إذ تنعش الروح وهي تتجه إلى خالقها». بعد أداء مناسك الحج اتجهت إلى زيارة المدنية المنورة وذكرت أنها تمكنت وزوجها من الوقوف أمام المواجهة لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالت: «عندما حان موعد عودتنا، انهمرت دموعنا ونحن نستعد لمغادرة المدينة النبوية». وفي ختام رحلتها كتبت الرحالة: «كانت أيام الحج بالنسبة إلي ذكريات لا تنسى، ومن أجملها تلك الأوقات التي نصطف فيها للصلاة على سقف الحرم تحت السماء العربية الصافية، وكانت صفوف المصليين كحقول القمح عندما تهب عليها الرياح، والمصلون راكعون، ساجدون في وقت واحد، وجهتهم واحدة، هي الكعبة، فيا له من مشهد عظيم، تتجلى فيه وحدة المسلمين في عبادتهم لربهم، طابعاً ذلك في ذاكرتهم مشهداً لا ينسى». وسجلت تلك الذكريات في كتاب بعنوان: «الركن الخامس: قصة رحلة حج إلى مكةوالمدينة»، وأهدته إلى زوجها الذي كان رفيقها في الحج، وكتبت: «كان هدفي من كتابة رحلة الحج أن أنقل شيئاً من الغرابة والعجائب، شيئاً من الاضطراب والأمن، وفوق ذلك متعة إكمال الفريضة».