بعد سلسلة من البحوث، والدراسة، والمتابعة، والتقصي، توصلت إلى نتيجة مفادها أن أكثر المتأثرين بالربيع العربي في السعودية هم أشخاص معظمهم متزوجون، واتضح أن هؤلاء الأشخاص يعانون من القمع المنزلي من زوجاتهم، كما توصلت إلى أن أكثر الأشخاص حباً لتوقيع البيانات، هم أولئك المكممة أفواههم أمام الأكبر منهم شأناً، لذلك تجد الكتابة هي متنفس لهم، كما وجدت أن أكثر الأشخاص دفاعاً عن المرأة وافتعال قضايا لطرحها هم أولئك المضطربة جيناتهم، لذلك يشعرون بالقمع الذكوري ويسعون لإنهاء تلك الهيمنة «المشروعة لنا نحن معشر الذكور». ما سبق يعد الجزء النظري فقط، أما الجزء العملي فهو يوضح أن السذاجة لا زالت تسيطر على البعض ما يدفعه للتعامل مع الآخرين انطلاقاً منها، لذلك سرعان ما يتبخر أي جهد يدعو لإثارة الفوضى تحديداً مع ذرات الغبار التي أنعم الله بها علينا. وللحديث بصورة أكثر وضوحاً علينا التركيز في التحذيرات التي يتم إطلاقها من وقت لآخر وتتحدث عن انتقال الربيع العربي إلى السعودية، هذا الربيع الذي اشغل العالم، أو هكذا كنا نتوقع إلى أن اتضح أن ما يشغلهم هو موعد وصوله إلى المملكة، لذلك نتفاجأ على الدوام بالتهافت على كل ما يروج لهذه النظرية، ومن اللافت هنا أن تقرير بروفيسور العلوم السياسية في جامعة فرمونت والمحرر الاستشاري في «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي، غريغوري غوز لاقى صدى كبيراً عند هذه الفئة تحديداً وأطرب الكثيرين سواء في الداخل أو الخارج، فهو يتحدث عن وضع المملكة الحالي والمستقبلي. ويرى مستقبل مضطرب، وفشل إقليمي، وتحدّيات كثيرة. شخصياً بعد الاطلاع على التقرير الذي تم تداوله من باب «شفتوا»، تعززت لدي قناعة أن الأميركيين يتفوقون علينا سذاجة، وبمراحل، فمن الواضح أن غوز تأثر كثيراً بمشاهد الربيع العربي ونتائجه، وأيضاً بموجة البرد التي تعيشها بلاده، ما اثر على حالة الفهم التي يفترض وجودها لديه، إما من تناقل ذلك التقرير باحتفالية وسلم به وكأنه منزل من السماء فهو بلا شك يعيش حالة من الوهم يستيقظ معها كل يوم بخيبة تجر أخرى، ولعل آخر تلك الخيبات هو ما شهدته منطقة القطيف وتحديداً في القديح، عندما خرج بعض الشبان لإثارة الفوضى فتفاجأوا بمجموعة أخرى من الأهالي تقطع عليهم الطريق وتتصدى لهم برفضها حالة الفوضى والشغب التي يسعون لإشاعتها. المراهنون على الربيع العربي في الداخل والخارج أسقطوا من حساباتهم الظروف التي عاشتها تلك البلدان وشهدت موسمه، وتناسوا أن أكثر من ثلثي الشعب في تلك الدول هم من الطبقة المعدمة والمسحوقة، وكان من الطبيعي أن يثوروا، في المقابل فإن دول الخليج لا سيما السعودية، أكثر من ثلثي شعوبها تعيش وسط مكتسبات حققتها على مدى السنين الماضية، وسط ظروف هادئة ومستقرة، وليست لديها الرغبة أو الحجة للتخلي عنها أمام أطماع وأفعال صبيانية، ما يفقدها قناعة النزول إلى الشارع. لذلك، دعوات استقطاب ربيع إلى المملكة أو التفاؤل بقدومه لن تجد آذاناً صاغية من الشعب مهما حاول البعض، ولنا في دعوة الاعتصام التي ترددت أخيراً خير مثال، فالشعب يدرك أن المعتقلين يستحقون العقاب، فما هو الحافز للمشاركة في مثل هذا التصعيد، بل على العكس: حتى لو أرادت الدولة أن تتعامل بحسن نية، وتنظر في مطالب ذوي المعتقلين عليها أيضاً أن تنظر للحق الخاص، هكذا يرى عامة الشعب تلك المطالب وينظر لها بعين السخرية والدهشة في آن، وهنا لا شك انه ما من مواطن يأمل أن يتبقى في السجون أي من المعتقلين، لكن في المقابل ما من مواطن يوافق على التفريط بحقه، من أخطأ عليه أن يتحمل خطأه، هذه هي القاعدة، أما التباكي والتلاعب بالعواطف، فلن يكون مجدياً، لأنه خارج حدود المنطق، وبالتالي القانون. ختاماً: نؤكد أننا أيضاً ننتظر الربيع بفارغ الصبر، لكن ليس ربيع المتلونين الذي يروج له «غريغوري غوز»، بل ذلك الربيع الذي يبشر به عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك الدكتور خالد الزعاق، ربيع «الكشتات إلى البر»! [email protected] twitter | @Saud_alrayes