لا بد لهذا السؤال من أن يطرح، عاجلاً أو آجلاً، فالثورة التي نشهدها اليوم هي ككل الثورات في العالم، مهددة بكل شيء، ومفتوحة على كل الاحتمالات. النظام لا يبدي أي مؤشر حول رغبته في تقديم أي تنازلات حتى لو كانت بسيطة، وحتى لو أدت السياسة التي يتبعها إلى تدخل عسكري خارجي. فالخيار المعتمد واضح: إما أنا أو فلتحترق البلد. إن الإجابة على السؤال السابق تكمن في منطق الثورة ذاته. أي في منطق الانتماء والإيمان بشرعية هذه الثورة أولاً، ومن ثم البحث عن الآليات والوسائل التي تتيح إمكانية استمرارها ونجاحها. حتى الآن لم يشارك في الثورة السورية سوى شريحة قليلة العدد، بالنسبة إلى سكان سورية، ولا تحتاج هذه الملاحظة إلى كثير من العناء لإثباتها، بيد أن هذه الملاحظة ذاتها لا يمكن قراءتها كمياً فقط، كما تفعل أبواق النظام، ومن ثم الاستنتاج بأن لا مشروعية لهذه الثورة لأنها لا تشكل غالبية الشعب السوري. إن من يخرج إلى الشارع اليوم، هو رأس حربة الثورة السورية، وهذا الفعل النضالي، يسعى إلى استقطاب مزيد من القوى والطبقات الاجتماعية إلى صفوف الثورة. والسؤال الذي من المفيد طرحه هنا كيف يمكن الدفع باتجاه انخراط مزيد من القوى الشعبية في هذه الثورة؟ حتى الآن، قدم الثوار إجابات مقبولة حول ذلك، لا بل مبتكرة، فالإجابة الأولى كانت، الإصرار على الاستمرار في التظاهر، على رغم كل القمع الذي أذهل حتى أكثر العقول فاشية، وهذه الاستمرارية باتت أمراً محسوماً الآن. فالرهان على قمع المتظاهرين بغية إجبارهم على التراجع، باء بالفشل، على الأقل حتى الآن. والنظام في هذا السياق كان قد رمى بأغلب الأوراق المتاحة لديه، بدءاً بالاعتقالات، وصولاً إلى قصف المدن بالطيران؛ والنتيجة مزيد من الإصرار بأن لا عودة، والثورة في تنامي، والطريق بات واضحاً. أما الإجابة الثانية، فكانت إصرار المتظاهرين على سلمية الثورة، وهذا خيار استراتيجي وليس تكتيكياً، فعلى رغم كل الاستفزاز المتعمد من قبل النظام كي يجبر الأهالي على حمل السلاح، إلا أن محاولاته باءت بالفشل حتى الآن، ولم تفلح أجهزته، في دفع المتظاهرين إلى حمل السلاح، وهو خيار كان ناضجاً بما فيه الكفاية حتى يدرك السوريون أهميته الحاسمة. يأتي الرد الثالث، في سياق بلورة رؤية وطنية لتوجه الثورة، فكان التمسك بالوحدة الوطنية، والإصرار على منع أي اختراقات ممكنة لضرب نسيج الثورة الوطني. وهنا أيضاً لعب الإعلام الرسمي مطولاً على هذا الوتر، وحاول زج الشارع في نزاعات أراد لها أن تكون طائفية، إلا أنه أيضاً فشل بذلك، على الأقل هذا ما تشير إليه الأحداث على الأرض. بناءً على كل ذلك نلاحظ أن نجاحات الثورة حتى الآن تعتمد على خيارات الثوار الثلاثة السابقة، أي الاستمرار، والسلمية، والوحدة الوطنية. وهو ما يشكل مداميك الثورة. بيد أن السؤال يبقى قائماً، حول كيفية الحفاظ على استمرارية الثورة ونجاحها اللاحق. أزعم في هذا السياق، أن الخصائص الثلاثة السابقة، وعلى رغم أهميتها الحاسمة، لا تكفي، كما أنها لا تشكل ضماناً كافياً لنجاح الثورة. ومن هنا يبدأ الحديث عن المزيد المقترح. تشير الملاحظة إلى أن كثافة التظاهرات، في شكل عام، تتركز يومي الجمعة والسبت، فترة الظهيرة، أما التظاهرات باقي أيام الأسبوع، فهي مسائية، أي تبدأ بعد أن ينهي المتظاهرون أعمالهم. ومن هنا نلاحظ استمرارية عجلة الاقتصاد بالعمل على رغم تباطئها، بيد أنها لا تهدد بأزمة اقتصادية شاملة. أزعم في هذا السياق أن استمرار عمل الاقتصاد لا يخدم سوى النظام نفسه، إذ يطيل عمره، كما يحول دون انضمام شرائح جديدة للثورة، كالتجار مثلاً والمرتبطين بهم، ونحن نعلم أن تجار مدينتي حلب ودمشق لم يتبنوا أهداف الثورة بعد. ومن هنا لا بد من سحب هذه الورقة من يد النظام، من خلال تكثيف التظاهر في أوقات العمل والبدء بالتحضير الجدي من قبل كل قوى الثورة لإضراب عام قومي. يشمل الحياة الاقتصادية بالكامل. من شأن التظاهر في أوقات العمل، بالإضافة إلى الإضرابات المتفرقة حالياً، أن يزج بقوى جديدة في الفعل الثوري، هي حتى الآن على الحياد، وهو شيء حاسم الأهمية إذا ما أردنا للثورة أن تتقدم؛ فالطبقة العاملة والفلاحون، لم يدلوا بدلوهم بعد، ونحن نعلم أن الثورة المصرية، حسمها على الأرض، انضمام القوى العاملة إليها، من شأن الإضراب العام، أن يشل حركة الاقتصاد، وهو أمر يصب في مصلحة الثورة، فالثورة ستفجر عبر إضرابها أزمة اقتصادية، بتمفصلها مع الأزمة السياسية الراهنة، لا بد أن تفضي إلى مزيد من إرباك النظام ودفعه إلى التفكير الجاد في التخلي عن السلطة. وهنا أجد نفسي ألح على هذه الملاحظة، فبعد أكثر من تسعة أشهر على التظاهر والنضال، وعلى رغم كل النجاحات المبهرة التي حققتها الثورة، فهي معنية بالتفكير الجاد بحسم الأمور لمصلحتها، والبحث عن أنسب الوسائل الملائمة لذلك؛ فهل استقطاب شرائح وقوى اجتماعية جديدة يشكل مدخلاً لذلك؟ وهل تفجير أزمة اقتصادية شاملة من شأنه أن يزج بهذه الكتل الصامتة من الشعب السوري في الفعل السياسي، وبالتالي دعم الثورة وتناميها؟