«الويل لأمة تتربص بتاريخها أو تشوهه أو تكبِّر لحظات الضعف فيه، أو تمضي في طريقها من دون معالم تستلهمها من حضارتها. إنها -عندئذ- أمة ضائعة، تائهة، قد ضلت الطريق!! «هكذا أطلق الدكتور عبد الحليم عويس عبارات هادرة تحمل في طياتها هموم الداعية وأحزان المؤرخ ويقين المفكر، وهو الذي خاض الكثير من المعارك والمحاورات في مواجهة الأكاذيب التي يرددها أعداء الإسلام مُستندين في ترديدها إلى مفاهيم خاطئة لنصوص القرآن الكريم والسُنة النبوية. وهو كباحث أكاديمي تخصص في دراسة التاريخ والحضارة، قدم العديد من الدراسات والأبحاث العلمية للمكتبة العربية، وحمل على عاتقه مهمة إبراز الدور الحضاري للإسلام، ومدى إسهاماته الجليلة التي قدمها وما زال يقدمها للحضارة الإنسانية على رغم حالات الضعف التي تُثقل كاهل دول العالم الإسلامي. وكان له شرف صك مصطلح «فقه التاريخ» أسوة بالشيخ محمد الغزالي في كتابه (فقه السيرة) والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه (فقه السيرة النبوية)، وفي لقاءاته الصحافية كثيراً ما ردد أن تاريخاً بلا فقه هو تاريخ جامد ومُحنط، أيضاً في ما يتعلق برؤيته لدور اتحاد المؤرخين العرب أشار إلى أنه ما زال يعالج قضايا يمكن أن تقوم بها أقسام التاريخ في الجامعات العربية، كما أنه يمارس مهنته في نشاطات مختلفة بعيداً من الالتحام بمشكلات الأمة، ولا سيما أن التاريخ الحديث عامة وتاريخ القرن العشرين بخاصة لم توضع النقاط فوق حروف كثيرة من أحداثه بعد، وكثيراً من قضاياه تركت للساسة والعسكريين. وبرؤية المؤرخ يشير الدكتور عويس إلى أن عصر الرسالة والراشدين (1 - 14ه)، هو أفضل عصور التاريخ البشري على الإطلاق، ولا تساويه إلا حياة الأنبياء عليهم السلام، وقد تقترب منهم حياة حواريي الأنبياء من الدرجة الأولى. لم يحظ أي نبي بهذا الجمع العظيم الذي صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على عينيه، وكان القمة المثلى للحضارة الإسلامية!، فلما جاء الأمويون (14 ه - 231ه)، لم ينقطع هذا التاريخ؛ لأن عام (14ه) لا يعني موت كل الصحابة، فبقي عصر الأمويين يرشح بهؤلاء العظماء، وانحصر الخلل في بعض النواحي القومية والسياسية، وكانت الحياة الدينية والاجتماعية في القمة، بل في هذا العصر وقعت أعظم الفتوحات التي قام بها الشعب المسلم تحت قيادة بني أمية عن رضا وطواعية. ويضيف انه لما جاء العباسيون (231ه - 656ه)، مضت الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية بقيادة الشعب المسلم في مجراها الطبيعي؛ فنهرُ الحضارة الدافق لا يخضع للتحولات السياسية بقيام دولة أو سقوط أخرى. وقد وقع العباسيون في خطأين أوَّلهما: حركة الترجمة إلى العربية من دون ضوابط كافية، ومن دون حركة ترجمة مضادة تنشر العقيدة الإسلامية في العالم، وثانيهما: إشغال الأمة بفتنة خلق القرآن، واستعمال العنف والقسوة، وترك الحبل على الغارب للمعتزلة المنهزمين أمام المقولات الفلسفية! لكن العباسيين نشروا الحضارة الإسلامية، وامتدت في عهدهم حركة سلمية دعوية لنشر الإسلام؛ إذ إن فتوحات بني أمية العسكرية والسياسية لم تعنِ دخول الناس في الإسلام فوراً، فالإسلام لا يؤمن بالإكراه، فكان العصر العباسي هو الذي نشر الإسلام بواسطة الأمة الداعية، لا الدولة الراعية. ثم إن الحكومة العباسية وقفت -بصرامة- ضد الحركات الباطنية كالبرامكة، والخرَّمية، وحسبها أنها صمدت في وجه المد الفاطمي الذي نجح في الاستيلاء على المغرب ومصر. كما أنها استوعبت السيطرة الشيعية البويهية على الحكم، فبقيت السيطرة البويهية سياسية، لا باطنية. وجاء الزنكيون، والأيوبيون، والمماليك... ثم جاء العثمانيون الذين عاشوا خمسة قرون حتى سقطوا عام 1924، فكان للجميع بعض السلبيات، لكنهم قدموا للإسلام أعظم الخدمات، وصدوا عنه أشنع الغارات!! ولد عبد الحليم عبد الفتاح محمد عويس في 12 تموز (يوليو) عام 1943 في قرية سندسيس -مركز المحلة الكبرى- غربية، حصل على إجازة في الدراسات العربية والإسلامية في كلية دار العلوم- جامعة القاهرة، وحصل على درجة الماجستير عام 1977 عن «دولة بني حماد في الجزائر»، ثم نال درجة الدكتوراه عام 1978 عن «ابن حزم الأندلسي مؤرخاً. عمل في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، وكان مُعاوناً في تسيير أعمال رابطة الجامعات الإسلامية، وأوفدته الجامعة أستاذاً زائراً الى عدد كبيرمن الجامعات في الهند وباكستان وماليزيا والجزائر وتونس والسودان وتركيا. وعمل في الكويت باحثاً في مراقبة المناهج وفي مركز بحوث المناهج والدراسات التربوية في الفترة ما بين 1971 1975. أيضاً شغل وظيفة أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية في جامعة الزقازيق، وشارك في كثير من المؤتمرات العالمية والإقليمية، كما ساهم في الدعم العلمي والتربوي لإنشاء الجامعة الإسلامية روتردام- هولندا، كذلك إنشاء المكتبة العربية للجامعة. وعمل نائباً لرئيس جامعة روتردام الإسلامية. وحاز الدكتوراه الفخرية من الجامعة الدولية في أميركا اللاتينية عام 2009، وحاز الوسام الذهبي للعلم والآداب والفنون من الجمهورية السودانية عام 2011. أشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه في الحضارة والتاريخ، وكتب عشرات البحوث الأكاديمية والإبداعية حول الفتح الإسلامي لمصر، ومسيرة مصر الإسلامية، وطبيعة التاريخ الإسلامي البشرية والمثالية، وفلسفة التاريخ في أفكار بديع الزمان النورسي، وأثر العرب والمسلمين في الحضارة الإنسانية، والتاريخ الحضاري الإسلامي للقارة الهندية، ومشكلات التعليم في أفريقيا جنوب الصحراء، وغيرها وألقى كثيراً منها في الإذاعة. صاحب أكثر من 100 مرجع وكتاب وبحث علمي في التاريخ والحضارة والثقافة والعلوم الإسلامية كما أنجز موسوعة في الفقه الإسلامي، وتفسير القرآن للناشئين، وأشرف وأسهم في كتابة موسوعات في التاريخ، وتاريخ الإدارة والحضارة الإسلامية. وعمل عويس في المجال الصحافي فشغل عضوية الهيئة الاستشارية لعدد من الصحف والمجلات العربية، كما نُشرت مقالاته ودراساته في العديد منها مثل: حراء، المنار، الأمة، وتولى رئاسة تحرير مجلة البيان والتبيين، وقام بتحرير الملف الفقهي لجريدة الشرق الأوسط الدولية لمدة خمس سنوات (1982 1987)، تولى رئاسة رئيس تحرير (بالاشتراك) مجلة كلية العلوم الاجتماعية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، (بالاشتراك) مع الدكتور ظفر الإسلام خان في دلهي في الهند) مجلة التاريخ الإسلامي. وهو عضو اتحاد كتَّاب مصر، وخبير في مجمع فقهاء الشريعة في أميركا، وعضو نقابة الصحافيين المصرية، وعضو اتحاد المؤرخين العرب، ونائب رئيس جمعية رابطة الأدب الإسلامي في القاهرة. وهو عضو المنتدى العالمي للوسطية. وقد نعى العلامة الدكتور يوسف القرضاوي إلى الأمة «الداعية والمؤرخ والمفكر الأستاذ الدكتور عبد الحليم عويس ابن المدرسة الوسطية الإسلامية، وصاحب المؤلفات العلمية النافعة». ووصف الراحل بأنه ممن «يقول الحق ولا يخاف لوْمة لائم، ويجتهد في خدمة دينه وأمّته، بالعمل الأكاديميّ، والتدريس الجامعيّ، وتأليف الكتب والرسائل، وإلقاء المحاضرات».