مع خيوط الفجر الأولى، يدير عبد الجبار يحيى الجهيمي، محرك سيارته اليابانية الصُنع، متجهاً من الدمام إلى العاصمة اليمنية صنعاء، في رحلة تعوَّد عليها شهرياً، منذ 33 سنة، حيث ينقل طروداً من أبناء جلدته المغتربين، إلى أسرهم المقيمة في مدن وقرى أخرى في الوطن. ويوقف السبعيني عبد الجبار، وزملاؤه من السائقين مركباتهم في أحد الشوارع الفرعية، في حي «العمامرة» القديم في وسط مدينة الدمام، التي يتذكرها جيّداً، عندما وطأت أقدامه أرضها قبل 45 سنة، وهو في الثلاثينات من عمره، إذ عمل في أنشطة تجارية عدة، حتى استقر به المقام سائقاً لإحدى هذه المركبات، واعتاد على هذه الرحلة الطويلة التي تستمر خمسة أيام، يقطع خلالها 2700 كيلومتر. ويذكر الجهيمي، أنه يسافر برفقة «سائق آخر يساعدني في قيادة السيارة، المحملة بأنواع مختلفة من البضائع، من تلفزيونات وثلاجات وأغطية، وخزانات مياه صغيرة، وملابس. ونقوم بأخذ مبلغ مالي عن كل طرد»، مبيناً أنه وزملاءه أصبحوا «معروفين لدى الجالية اليمنية في الدمام، فهم يحضرون لنا في هذا المكان، وعند اكتمال الشحنة من البضائع، نغادر في رحلة متعبة، ولكنني تعوّدت عليها، فأصبحت جزءاً من حياتي ومصدر رزقي الوحيد». ويسير الجهيمي، في رحلته من الدمام إلى نجران، فمنفذ الخضراء على الحدود السعودية – اليمنية، التي تقابلها البقعة في الجانب الآخر من الحدود، مروراً في صعدة، وصولاً إلى العاصمة صنعاء. ويقول: «لم أتعرض إلى مواقف أو صعوبات، في طريق رحلاتي المتكررة، سوى عند هطول الأمطار، وبخاصة في الجانب اليمني، إذ نضطر إلى التوقف، ما يطيل مدة الرحلة، وتعرض بعض الطرود لمياه الأمطار، مع حرصنا على تغطيتها، لضمان وصولها إلى أصحابها هناك سالمة». ويشير إلى أن بقاءه في حي العمامرة سنوات طويلة، جعلته يعتبر نفسه من أبنائه، فحنينه إلى هذا الحي لا يقل عن حنينه إلى موطنه الأصلي. يقول ذلك وهو يستعيد الذكريات في أول يوم وصل فيه إلى الدمام، وفي هذا الحي تحديداً، إذ كانت أمواج الخليج تلاطم جدران المنزل القديم الذي سكنه، ولا يزال قائماً حتى اليوم، «شاهد عيان على ماضٍ جميل».