من منا لم يسمع بمدن الإصطياف والشتاء اللبنانية الشهيرة مثل بحمدون وصوفر وعاليه وبرمانا وبيت مري وزحلة وبشري وإهدن وغيرها، التي تغصّ صيفاً وشتاء بالأشقاء العرب من كافة الأقطار، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي في تظاهرة سياحية مميزة. ولكن كثيراً من اللبنانيين والزوار لا يعلمون أن بعض هذه المدن يضم آثاراً ضاربة في القدم كما في مدينة بيت مري (جبل لبنان) التي ترتفع نحو 800 متر فوق سطح البحر وتشرف من موقعها المميّز على العاصمة اللبنانية بيروت، وهي تحوّلت الى مركز ثقافي وفني شهير تقام بين جدران معالمها الأثرية المهرجانات المحلية والعالمية. وبحسب منشورات اللجنة الوطنية اللبنانية للأونسكو (لبنان والأونسكو) فإن شهرة بيت مري تعود الى معالمها الأثرية المدهشة، حيث يقع دير القديس يوحنا المعمدان الذي أقيم وكنيسته على أنقاض معبد روماني، فأطلقت عليه تسمية «دير القلعة» بسبب وجود بقايا أثرية ضخمة. لم يبق من معالم بناء الكنيسة الأول شيء يستحق الوقوف عنده، وتعود الكنيسة الحالية الى بدايات القرن العشرين. وبرغم وجود كتابة تعلو مدخل الكنيسة الحالية ترقى الى العام 1768 إلا أنها تؤرخ لكنيسة ثانية كانت مقامة بعد خراب الكنيسة الأساسية العام 1750. شيّدت كنيسة الدير على أنقاض معبد روماني كبير يعود الى القرن الميلادي الأول يحاكي بضخامة حجارته معابد بعلبك. وما زالت أعمدة واجهة المعبد القديم تزّين مقدمة «الدكة» التي تفضي الى مدخل الكنيسة. وهذا المعبد كان مكرساً ل «بعل مرقص» الذي كانت طقوسه تشتمل على حلقات الرقص العنيف على شاكلة الطقوس التي كان يقوم بها كهنة «بعل الكرمل» في الرواية التوراتية التي تتحدث عن صراع النبي إيليا مع كهنته. في الجهة الشمالية الشرقية من المعبد نقع على حوز مقدّس يضم معبداً صغيراً مخصصاً لعبادة «جونو» التي حلت مكان عشتروت الفينيقية، تحيط به بوابة إحتفالية لافتة تصل بين المعبدين فضلاً عن مذابح تذكارية مزّينة بالأعمدة. وفي المنطقة الأثرية الممتدة شرق الطريق المؤدية الى دير القلعة، اكتشفت قرية من العصر البيزنطي يعود تاريخها الى القرنين الخامس والسادس بعد الميلاد، تضم شوارع مبلطة تحفّ بها أروقة معومدة وحوانيت تنتشر بين أحياء سكنية وحمام ومعاصر للزيت. الى ذلك تشتهر بيت مري بمهرجاناتها الصيفية والشتوية فضلاً عن التظاهرات الثقافية والموسيقية والفنية، وتتميز بمطاعمها التي تستقطب السوّاح الذين يقصدونها لتذوق المأكولات اللبنانية التقليدية.