أشاع اللقاء الأخير بين الرئيس محمود عباس (ابو مازن) ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل أجواء من التفاؤل والأمل بالمصالحة وقرب إنهاء الانقسام، خصوصاً ان الجانبين تعهدا الشروع في اجراءات فورية مثل اطلاق المعتقلين ووقف الحملات الاعلامية. غير ان الجانبين واصلا في الأيام الاخيرة تبادل الاتهامات، ولم يتم اطلاق المعتقلين بل تمت مواصلة الاستدعاءات والتوقيف وحتى فصل الموظفين. وأصدرت حركة «حماس» في الأيام الثلاثة الأخيرة سلسلة بيانات وتقارير قالت فيها ان السلطة واصلت الاعتقالات والاستدعاءات وفصل الموظفين على خلفية الاشتباه بانتمائهم الى الحركة، وكذلك فعلت حركة «فتح»، التي اتهمت «حماس» بعدم إطلاق أي من معتقليها ومواصلة اعتقال المزيد وتوقيفهم، بينهم مجموعة من الصحافيين، كما اتهمتها بالاستيلاء على مقر نقابة الصحافيين. وجاء في بيان رسمي أصدرته «حماس» أول من امس: «استمراراً لمسلسل التجاوزات والانتهاكات، أقدم أمن الضفة على اعتقال سبعة من أنصار حماس في محافظات طولكرم وسلفيت وقلقيلية، كما فصل معلماً من وظيفته في نابلس، واستدعى للمقابلة طالباً جامعياً في بيت لحم». واضافت ان محكمة الصلح في الخليل مددت توقيف عدد من طلاب جامعة البوليتكنيك الموقوفين لمدة 15 يوما، كما اصدرت قراراً بالافراج عن الطالب سامر القاضي، لكن جهاز الأمن الوقائي رفض تنفيذ القرار. وتابع البيان: «واستمراراً لمسلسل الفصل الوظيفي، فصلت أجهزة السلطة في نابلس الأستاذ محمد عودة من قرية حوارة». وفي بيان آخر، قالت «حماس» إن جهاز الامن الوقائي في نابلس استدعى ثمانية من ناشطي الحركة وانصارها، كما استعرض استدعاءات مماثلة في كل من الخليل ورام الله وطولكرم. وكشفت الحركة نيتها تنظيم اعتصام لم تحدد موعده تحت شعار: «نعم للمصالحة... لا للمماطلة» احتجاجاً على ما قالت انه «عدم تطبيق اتفاق المصالحة وعدم الإفراج عن المعتقلين السياسيين». كما وزع المكتب الإعلامي ل «حماس» تقريره الشهري عن إجراءات السلطة ضد الحركة وناشطيها. وبدا لافتاً أن «حماس» مازالت تستخدم المفردات القديمة في وصفها للسلطة واجراءاتها، مثل «فريق أوسلو» و «أجهزة عباس» وغيرها، اذ جاء في التقرير أن «أجهزة أمن عبَّاس اعتقلت أكثر من 30 مواطناً فلسطينياً في الضفة المحتلة ممَّن عرفت أسماؤهم». وقال التقرير إن «هذه الأجهزة الأمنية لا تزال تمارس صنوفاً من التعذيب الجسدي والنفسي ضد المختطفين في سجونها، وتمنع عنهم الزيارة وإدخال الأغراض الشخصية التي تلزمهم». واضاف ان «حكومة فيَّاض غير الشرعية تمعن في سياسة الإقصاء الوظيفي على خلفية الانتماء السياسي، اذ أقصت ثمانية موظفين ينتمون الى حماس». وأصدر كل من رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز الدويك والنائب فتحي القرعاوي بيانات وتصريحات انتقدت مواقف السلطة في مرحلة ما بعد لقاء عباس-مشعل، خصوصاً «عدم اطلاق المعتقلين». وقال القرعاوي: «المصالحة لم تدخل حيز التنفيذ على الأرض حتى الآن، خصوصاً في ما يتعلق بقضية المعتقلين السياسيين والحريات العامة»، مؤكداً ان السلطة تحتجز مئة عضو في الحركة. ووصلت تصريحات احد قادة «حماس»، وهو الدكتور محمود الزهار، الى حد التشكيك بجدية توجه الرئيس للمصالحة. وردت «فتح» بالتشكيك في نيات أصحاب البيانات والتصريحات، الذين قالت انهم «يدافعون عن مصالح كرسها الانقسام». وقال الناطق باسم «فتح» احمد عساف ل «الحياة»، إن «بعض الأصوات المتضررة من المصالحة يعمل على إعاقتها». واضاف ان الرئيس عباس ومعه قادة «فتح» مصممون على المضي قدماً بمشروع المصالحة رغم تلك الاصوات. وفي قطاع غزة، أصدر النائب «الفتحاوي» ماجد أبو شمالة بياناً قال فيه ان «الحكومة المُقالة» اعتقلت عدداً من الصحافيين هم منال خميس وصلاح أبو صلاح وزياد عوض وهاني الأغا. وطالب بإطلاقهم «وعدم تعكير أجواء المصالحة وروح التفاؤل التي صاحبت لقاء الرئيس أبو مازن مع مشعل»، كما طالب بالكف عما أسماه «الحَجْر على الحريات العامة وحرية التعبير»، معتبراً انه «لم يعد هناك مبرر للاستمرار في مثل هذه السياسة في ظل الحديث عن مصالحة حقيقية عمادها المصالحة الاجتماعية التي تؤزمها مثل هذه الاعتقالات». ودعا إلى «إخراج العمل الصحافي من دائرة الحزبية وإطلاق يده ليكون حجر الزاوية في ترسيخ مفاهيم المصالحة وإقناع الشارع بجديتها على ارض الواقع». وقال إن الصحافية منال خميس دخلت في إضراب عن الطعام احتجاجاً على احتجازها وطريقة التعامل معها. وكان كل من «فتح» و «حماس» أعلن عقب لقاء عباس-مشعل الشروع في تطبيق اتفاق المصالحة الموقع في أيار (مايو) الماضي، وتتضمن إطلاق المعتقلين ووقف الحملات الاعلامية. وقال رئيس وفد الحركة الى الحوار عزام الاحمد للصحافيين والكتاب في لقاء عقد في مكتبه، إن تطبيق الاتفاق بدأ فعلياً، وإن عدداً من المعتقلين جرى إطلاقهم. واضاف ان الرئيس عباس أعطى تعليمات واضحة لقادة الاجهزة الامنية بالشروع في إطلاق المعتقلين، وأنه يعتزم منح عفو رئاسي لعدد من المعتقلين الذين صدرت بحقهم أحكام بالسجن. وتابع انه جرى تصنيف المعتقلين في قوائم لاطلاقهم تباعاً. ومن المقرر ان يلتقي ممثلون ل «فتح» و«حماس» في القاهرة في 18 الجاري للبحث في تشكيل اطار قيادي لمنظمة التحرير. وتلقي الاجراءات والاتهامات الأخيرة ظلالاً كثيفة من الشك على فرص نجاح هذه اللقاءات، ويرى كثيرون أن لقاء عباس-مشعل الذي تميّز بالحرارة، نقل الانقسام الفلسطيني الى مصالحة فيها الكثير من البرود.