يطغى موضوع الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها المختلفة على حديث المهاجرين المغاربة العائدين لقضاء العطلة في بلدهم، وقد تراجعت مدخراتهم وتحويلاتهم ومعها استثماراتهم وما كانوا يجلبونه من الاتحاد الأوربي في كل رحلة، ويثير رغبة الشباب في الهجرة إلى الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط. و منذ منتصف حزيران (يونيو) بداية العودة، تحولت أسواق تجارية تقليدية إلى مراكز لإعادة تسويق منتجات وسلع أوربية حملها مغتربون فقدوا أعمالهم في المهجر نتيجة الأزمة العالمية. وتغض السلطات الجمركية الطرف عن هذه السلع المهربة، ولا تطالب ناقليها في الغالب بحقوق الجمرك، في محاولة للتعويض عما لحق بهم من خسائر. وأفادت إحصاءات بأن واحداً من أربعة مغاربة على الأقل فقد عمله أو وظيفته في دول الاتحاد الأوربي، وتصل النسبة إلى نصف العاملين في اسبانيا وإيطاليا الدول الحديثة العهد بالهجرة ويعيش فيها نحو 1,4 مليون مغربي. وأفاد المعهد الأسباني للإحصاء بأن معدّل البطالة تضاعف منذ بدء الأزمة، ويمس بصورة خاصة المهاجرين غير الأوربيين، وقدّر عدد المغاربة العاطلين من العمل بنحو 100 ألف نهاية العام الماضي، من دون احتساب الأشخاص غير المسجّلين في وثائق العمل أو دخلوا البلد بصورة غير شرعية. وتمثل هذه الفئة من المهاجرين جزءاً كبيراً من شباب الأرياف وضواحي المدن الذين هاجروا في تسعينات القرن الماضي، وتخلّى بعضهم عن ضيعه الزراعية في مقابل الهجرة لمزاولة أعمال في مهن الزراعة والفندقة والبناء والأشغال الكبرى، وهي القطاعات التي أضرّت بها الأزمة العالمية في الربع الأخير من 2008. وعاد بعضهم إلى الوطن لممارسة مهن التجارة مزوّداً بسلع من أوروبا يبيعها في الأسواق الهامشية. وأفادت إحصاءات بأن تحويلات المغتربين تراجعت نحو 18 في المئة في الثلث الأول من السنة الحالية، وتساهم هذه الأموال في تغطية عجز الميزان التجاري الذي ارتفع إلى 6 بلايين دولار، وتساعد التحويلات في تحسين وضعية عشرة في المئة من العائلات المغربية. وتتخوف أوساط مالية من أن يؤدي استمرار الأزمة إلى تفاقم عجز الميزان التجاري بسبب انخفاض الإيرادات السياحية وتراجع الصادرات التقليدية مثل صناعة النسيج والملابس وقطاع غيار السيارات والصناعات اليدوية. وكانت الصادرات تراجعت 31 في المئة في الثلث الأول من السنة ما أدى إلى انخفاض احتياط المغرب من العملات الصعبة إلى أقل من 30 بليون دولار سجلتها في النصف الأول من العام الماضي. وتضررت قطاعات عدة ارتبطت بإنفاق المغتربين، منها قطاع العقار الذي تراجع 10 في المئة في المتوسط، ويمثل المغتربون اكبر زبائن الشقق والمباني الجديدة والمشاريع التي أطلقتها الدولة على مدى السنوات الخمس الأخيرة. وقال مطورون عقاريون إن تراجع الطلب من قبل المهاجرين بسبب ضائقتهم المالية سيدفع بالأسعار نحو مزيد من التراجع الخريف المقبل، وربما شهدت بعض المشاريع تباطؤاً في الانجاز بسبب ضعف الطلب. ويبلغ المهاجرون المغاربة 3,3 مليون في دول الاتحاد الأوربي يحولون سنوياً اكثر من سبعة بلايين دولار، وهي أموال، إلى جانب السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة، مكنت المملكة من توقيع اتفاقات للتبادل التجاري الحر مع الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة وتركيا والدول العربية ( مصر تونس الأردن ). ومنذ بدء الأزمة تحول الفائض التجاري الخارجي إلى عجز متزايد يتوقع أن يبلغ 5,3 في المئة من الناتج المحلي نهاية السنة، أي أن المغرب سيعمد إلى استخدام الادخار لتمويل مشترياته الخارجية أو الاستدانة من المصارف الدولية. ولا تستبعد المصادر المالية معاودة النظر في قيمة صرف العملة المحلية الدرهم، في حال تواصلت الأزمة، ويطالب الاتحاد الأوروبي الرباط بخفض الرسوم الجمركية على سلع عديدة وخدمات مستوردة تطبيقاً لاتفاقات سابقة وبنود منظمة التجارة العالمية. وبفضل المهاجرين والقرب الجغرافي والإصلاحات السياسية والاقتصادية حصل المغرب العام الماضي على صفة الشريك المميز (الوضع المتقدم)، وهي صيغة وسط بين مجرد الشراكة الاقتصادية المطبقة منذ عام 2000، أو الانضمام إلى عضوية الاتحاد التي ظلت الرباط تطالب بها منذ 1986 على رغم كونها بلداً إسلامياً غير أوروبي. ويتفق المغاربة على انهم اقرب بلد غير أوروبي إلى أوروبا، واكثر الدول العربية ارتباطاً تجارياً وثقافياً وتاريخياً مع الاتحاد الأوربي، الذي يتوجب عليه دعم الرباط في قضية المهاجرين باعتبارهم جسر تواصل بين ضفتي البحر المتوسط، يجب ألا تحجبه الأزمة عن مستقبل الشراكة من اجل المتوسط، وهو مشروع فرنسي يتبناه المغرب لتقريب الهوة الاقتصادية والإنمائية بين الاتحاد في الشمال والعالم العربي في الجنوب.