رام الله (الضفة الغربية) - ا ف ب - تتراكم الصحف العبرية صباح كل يوم على مكتب سعدي الرجوب في مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله, الى جانب ثلاث علب سجائر يدخنها يوميا اثناء قراءته وتحليله لها قبل ان يعد تقريرا عنها بالعربية. ويتتبع الرجوب (46 عاما) وسائل الاعلام الاسرائيلية المختلفة ومنها المواقع الالكترونية, وحتى التلفزة والاذاعة, قبل ان يرفع بها تقريرا باللغة العربية الى المستويات القيادية. ويقول الرجوب "بات هذا عملي منذ سنوات, واشعر بانه بات جزءا مني". ولم يدرس الرجوب اللغة العبرية, التي يتقنها بطلاقة كتابة وقراءة ومحادثة, في الجامعات او المعاهد الاسرائيلية, بل تعلمها حينما كان معتقلا في السجون الاسرائيلية بين عامي 1982 و1991. وقال الرجوب "لدي القدرة ليس فقط على قراءة وتحليل الاخبار العبرية, بل اصبح لدي خبرة لمعرفة ان كان الخبر الذي قد تتناقله بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية تضليلي او حقيقي, وهذا هو عملي الاهم". ومن ضمن الفلسطينيين الذين تعلموا العبرية اثناء الاعتقال وزير شؤون الاسرى الفلسطيني الحالي عيسى قراقع الذي امضى عشر سنوات في الاعتقال قبل تشكيل السلطة الفلسطينية. وقال قراقع بان احد الاسباب الرئيسية لتوجه المعتقل في السجون الاسرائيلية لتعلم اللغة العبرية هو "التعرف على لغة العدو, وللتعامل مع السجان في الحياة اليومية داخل السجن". واضاف "ايضا تعلم اللغة العبرية داخل السجن خلال سنوات الاعتقال, يسهم في التعرف على ثقافة الاسرائيليين, والتعبير عن ذات السجين باللغة التي تكون اصلا سائدة داخل السجن". واستفاد المئات من المعتقلين الفلسطينيين من تعلم اللغة العبرية خلال سنوات اعتقالهم, من خلال كتب تعليمية خاصة ادخلتها مصلحة السجون الاسرائيلية بناء على طلب المعتقلين انفسهم,او من خلال معتقلين امضوا سنوات طوال داخل السجن. وقال قراقع "هناك الكثير من المعتقلين تعلموا العبرية داخل السجون, وساهموا الى حد كبير في ايصال الصوت الفلسطيني بنفس اللغة والتفكير الاسرائيلي الى المجتمع الاسرائيلي". وبحسب الناطق باسم الاجهزة الامنية الفلسطينية في الضفة الغربية عدنان الضميري فان تعلم اللغة العبرية داخل السجون ساعدتهم على في التعرف على الثقافة الاسرائيلية. ويجيد الضميري اللغة العبرية التي تعلمها حينما امضى ثمانية سنوات في الاعتقال قبل انشاء السلطة الفلسطينية. ولا يكاد يمر يوما على الضميري الا ويتحدث فيه اللغة العبرية لوسائل اعلام اسرائيلية مختلفة. وقال الضميري (53 عاما) بان الرغبة لديه في تعلم اللغة العبرية داخل السجن, جاءت وفق مفهوم " اعرف عدوك". واعتبر الضميري ان معرفة اللغة العبرية " ليست فقط معرفة مفردات لغة جديدة, وانما معرفة ثقافة وفتح افاق جديدة على من تصارعهم". وقال بانه استفاد من المامه باللغة العبرية بان عمل محاضرا في باللغة العبرية امام اسرائيليين عن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي, قبل ان يدخل نطاق العمل الامني. وحول ما اذا كان استفاد من تعلمه العبرية في عمله اليوم كناطق باسم الاجهزة الامنية, قال الضميري " نعم استفدت كثيرا واستطيع ايصال رسالتي لوسائل الاعلام العبرية, الصحف والتلفزيونات والاذاعات, وايضا استطيع مجادلة الصحافي الاسرائيلي". وقال اكثر من فلسطيني كان اعتقل في السجون الاسرائيلية لوكالة فرانس برس بان تعلم اللغة العبرية في السجون كان يتم من خلال اربعة كتب صدرت في اسرائيل لتعليم اللغة العبرية للمهاجرين الجدد الذين يأتون اليها من مختلف بقاع العالم. ولم يقتصر تعلم اللغة العبرية في السجون على المعتقلين الفلسطينيين فقط, فقد تعلمها معتقلون عرب من لبنان والاردن كانوا اعتقلوا لاسباب امنية على الحدود. وقال سفيان المغربي (38 عاما) الذي امضى 15 عاما في السجون الاسرائيلية انه علم معتقل اردني واخر لبناني اللغة العبرية داخل سجن عسقلان. وكان المغربي تعلم العبرية على يد معتقل فلسطيني اخر من بلدة عرعرة داخل اسرائيل, ولا زال معتقلا لغاية الان منذ العام 1981. واضاف المغربي "ما دفعني لتعلم العبرية هو انني كمعتقل سياسي لا بد ان اعرف لغة من يعتقلوني". واتقن المغربي العبرية لدرجة اهلته للالتحاق من سجنه بالجامعة العبرية بالمراسلة, وتخصص في الفلسفة والعلوم سياسية, الا انه لم يكمل تخصصه رغم انه امضى ثلاث سنوات ملتحقا في الجامعة. وقال المغربي بانه ما كان له ان يتعلم اللغة العبرية بهذه الطلاقة, لو لم يكن داخل السجن. واستفاد فلسطينيون اخرون من تعلمهم اللغة العبرية في السجون الاسرائيلية في مجالات عدة. وقال مراسل اذاعة سوا في الضفة الغربية نبهان خريشة (52 عاما) الذي امضى اربع سنوات في السجون الاسرائيلية بان تعلمه اللغة العبرية عاد عليه بالنفع اليوم عند متابعته الشؤون الاسرائيلية في عمله الاعلامي. واضاف "بامكاني ان اترجم اي تصريح لاي مسؤول اسرائيلي, بكل اريحية وبالتالي استخدمه في تقاريري الاعلامية اليومية".