لا بد للمرء من أن يتوقف عند هذا السيل من التصريحات والمواقف الغربية الأميركية والأوروبية والإقليمية والعربية التي تتحدث عن الحرب الأهلية في سورية. بعضها يصوغ الإشارة إليها على شكل تحذير وبعضها الآخر على شكل توقع وبعضها الثالث يتعاطى مع هذا الاحتمال كأمر واقع. وإذا كانت الوقائع على الأرض، وما يتسرب من معلومات عن مصادمات تأخذ طابعاً مذهبياً في بعض أحياء مدينة حمص وما جرى فيها من فرز سكاني يسهّل هذا الحديث، فإن سلوك النظام السوري نفسه لا يفعل غير ذلك أيضاً. والمتابعون لتعقيدات الوضع السوري الداخلي لا يفهمون قول الرئيس بشار الأسد إنه سيقاتل حتى النهاية وحتى الموت، إلا عدم الاكتراث بأن يؤدي تصلّب النظام في وجه معارضيه والحلول المقترحة لبدء عملية انتقالية للسلطة، الى هذه الحرب وأن القيادة السورية ستتمسك الى ما لا نهاية بالسلطة. وسبق هذه التصريحات، تسريبات عن لسان رموز في هذه القيادة بأنها مهما كانت الضغوط عليها، ومهما نجحت هذه الضغوط، فستلجأ الى التحصن في النهاية في مناطق تتميز بنفوذها الصافي، في مواجهة مناطق أخرى يحتمل أن ينحسر نفوذها عليها. وإذا صحت هذه التسريبات التي يعود بها زوار العاصمة السورية، فإنها تعني أن القيادة السورية تندفع بدورها الى مرحلة الحرب الأهلية الشاملة. وقد يكون هذا عن وعي كامل للأمر وليس مجرد انزلاق نتيجة سوء تقدير للنتائج والتداعيات الناجمة عن الإصرار على «سحق» الانتفاضة الشعبية. لكن المقلق أكثر بعد التوقعات والتحذيرات الغربية من الحرب الأهلية هو أن تكون أقرب الى «التمنيات» الضمنية، عند دول القرار. لماذا قد تتحول الحرب الأهلية خياراً لهذه الدول الغربية مثلما هي خيار يندفع إليه النظام؟ تقترن التحذيرات والتوقعات الغربية مع مواقف من عواصم القرار تستبعد التدخل الخارجي الذي ترفض المعارضة أن يتخذ شكل التورط العسكري المباشر. وهذا سبب الانطباع بأن الدول الغربية تتفق مع قول أركان النظام إن سورية ليست ليبيا وتتصرف فعلياً مع الأزمة السورية في شكل مختلف عن تصرفها إزاء ليبيا. وهو ما يقود الى الاستنتاج بأن الإحجام عن التدخل الخارجي هو «تنصل» من فعل أي شيء يحول دون الحرب الأهلية. ثمة قناعة دفينة في دوائر القرار في الغرب تستند الى توجهين: الأول أن أحداث الربيع العربي التي امتدت الى سورية تفرض تعاملاً إيجابياً من هذا الغرب مع أحداثه، والثاني أن الولاياتالمتحدة وحلفاءها بما فيهم إسرائيل باتوا أكثر ميلاً الى أن مواجهة النفوذ الإيراني في «القوس» الممتد من طهران الى بغداد ودمشق وجنوب لبنان، في ظل صعوبة خوض الحرب ضد إيران لوقف برنامجها النووي، يحتاج الى تفكيك حلقات هذا القوس عبر تغذية «الغرغرينا» في الحلقة الوسطى أو النواة التي تربط حلقات هذا القوس أي سورية، لإضعاف التمدد الإيراني الإقليمي. ولأن هذا الأمر ليس خافياً على القيادة الإيرانية، فهي سرّعت من برنامجها النووي، قبل النجاح المحتمل لهذا التوجه الغربي، فسرّع الغرب اتهامها بالسعي لامتلاك سلاح نووي للتعجيل بمزيد من العقوبات ضدها. أليست «الغرغرينا» هي الحرب الأهلية، التي يتأثر بها الإقليم كله، لا سيما لبنان والعراق، فتكون بديلاً من التدخل الخارجي في سورية ومن الحرب على إيران، في وقت تتجه واشنطن الى أولويات أخرى، تفرضها سلسلة إخفاقاتها في المنطقة وأوضاعها الاقتصادية، بالتركيز على مصالحها الاستراتيجية في آسيا ومنطقة المحيط الهادئ؟ شكّلت المبادرة العربية حيال الأزمة السورية محاولة جادة لتجنب سيناريو الحرب الأهلية، إذ سعى النظام العربي الى آليات أخرى لمواجهة أوراق قوس النفوذ الإيراني عبر ليونة تقفل باب استخدام طهران لها: توقيع اتفاقية المبادرة الخليجية في اليمن، تقرير لجنة التحقيق في البحرين الذي وعدت السلطة بناء عليه بإجراءات وإصلاحات، والتعجيل في القاهرة بالمصالحة الفلسطينية. هي خطوات تتيح التفرغ لمحاولة إنجاح صيغة عملية سياسية في سورية بعيداً من ضغوط إيران من جهة، وبعيداً من شبح الحرب الأهلية التي لا يبدو أن الدول الغربية تمانع في حصولها.