تتطلع أنظار الشارع العربي إلى الدوحة، إذ تبدأ فيها اليوم أعمال القمة العربية التي أطلق عليها اسم: «قمة القمم»، وهي القمة التي تعول على قراراتها الشعوب العربية كافة، خصوصاً النخب الفكرية والسياسية منها، وذلك لكونها تعقد في ظروف استثنائية ومتغيرات كثيرة، ما جعل وزراء الخارجية العرب يضعون على جدول أعمال القادة 25 بنداً. كان لافتاً تصدر الأمن القومي العربي جدول أعمال القمة، إذ إنه ومنذ أن عقدت القمة العربية الأولى «قمة أنشاص» في الإسكندرية يومي 28 و29 أيار(مايو) 1946، لم يحتل الأمن القومي العربي صدارة جدول أعمال القادة العرب، على رغم الأحداث الجسام التي مرت بها الأمة العربية بدءاً باحتلال فلسطين 1948 وانتهاء باحتلال العراق 2003. لقد ركزت قمة انشاص على قضية فلسطين وعروبتها واعتبرت من الأولويات، بعد قمة انشاص بعشرة أعوام عقدت قمة عربية طارئة في بيروت عام 1956، لدعم مصر ضد العدوان الثلاثي عليه، ثم توالت بعد ذلك القمم العربية، لكنها لم تأخذ شكلها المؤسساتي إلا في عام 1964، عندما عقدت في القاهرة القمة العربية الأولى، وهو ما عزز مكانة جامعة الدول العربية لتصبح بيتاً لكل العرب ومؤسسة ينظر إليها بعين الاحترام، على رغم إخفاقاتها في مراحل معينة من تاريخها الجميل في لملمة التناثر العربي. العرب العاديون يتطلعون اليوم إلى قمة الدولة لكونها تشكل منعطفاً مهماً في تاريخ القمم العربية، ليس لكونها وضعت الأمن القومي العربي في صدارة أعمالها، بل لأنها تعقد وسط أجواء تدعو إلى التفاؤل، بعدما دشن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز المصالحات العربية – العربية وسط إجماع عربي على تجاوز الخلافات بهدف المحافظة على الحقوق العربية وحماية الجغرافيا السياسية العربية التي باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى. هناك بؤر توتر في السودان والصومال ولبنان واليمن. هناك حق عربي مسلوب في فلسطين بسبب تعنت اليمين الإسرائيلي ومساندة الغرب له. هناك أكثر من 120 ألف جندي أميركي في العراق. وهناك – أيضاً – نفوذ إيراني متنامي ولديه القدرة والقابلية على صب الزيت على النار في بؤر التوتر العربية في الوقت الذي حدده هو. بمراجعة سريعة لجدول أعمال القمم العربية منذ قمة «انشاص» إلى «قمة الدولة» نجد أن لكل قمة همها الخاص، في عام 1964 عقدت قمتان عربيتان الأولى في القاهرة والثانية في الإسكندرية، الأولى لدعم التضامن العربي، والثانية لتعزيز القدرات الدفاعية ومؤازرة واعتماد منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، بعد ذلك عقدت عام 1965 قمة في الدارالبيضاء للموافقة على ميثاق التضامن العربي، ثم قمة الخرطوم الشهيرة على أعقاب هزيمة 1967، للتأكيد على وحدة الصف العربي وإزالة أثار العدوان، وكان من إيجابيات تلك القمة إقرار صندوق الإنماء الاقتصادي الاجتماعي العربي. كانت غالبية القمم تأتي عقب حدث، بمعنى أن الظروف على الأرض تحتم على القمة أن تكون رد فعل على فعل وقع، لكن التحول الذي تشهده قمة الدوحة، هو أنها استبقت أحداثاً يتوقع حصولها في المنطقة ودفعت بحلف الأمن القومي العربي ليحتل صدارة جدول أعمال القادة العرب الذين يجتمعون اليوم في الدوحة على إثر انفراجات وضع صياغتها الأولى الملك عبدالله بن عبدالعزيز في القمة الاقتصادية في الكويت، وأكمل البناء عليها في القمة الرباعية في الرياض، وهي انفراجات يرى الشارع العربي انها ستنعكس إيجابياً على أداء القمة.