تغري مشاهد الشباب الغاضب في شوارع العواصم العربية التي تعيش ربيعها السياسي مؤسسات البحث والإحصاء والتحليل شرقاً وغرباً لدراسة هذه «الصحوة» في توقيتها وأبعادها ومستقبلها. وتخصص وسائل الإعلام على اختلافها مساحات من هوائها لصوت الشباب «صانع التغيير»، ويؤتى بنماذج منهم إلى الاستوديوات للاستماع إلى تجاربهم في صنع الثورة وخوض غمارها والتمتع بنشوة انتصارها... ومن ثم عيش إحباطات استبعادهم عن صنع القرار في الحكم الوليد. ولم يشذ «معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية» في الجامعة الأميركية في بيروت عن الوقوع في هذا «الإغراء»، مضيفاً إلى طفرة الدراسات لواقع الشباب العربي تقريراً جديداً، استعان على إعداده بمنظمة «يونيسف» التي تحفل أدراجها أصلاً، كما أدراج غيرها من المنظمات الدولية، بمئات الدراسات المماثلة والمتقاربة وأحياناً كثيرة المتكررة عن حيوات الشباب العربي إن كان بهدف دراسة سكانية أو محو أمية أو مكافحة «الإيدز» أو الهجرة أو البطالة أو الزواج المبكر وختان الفتيات... وغيرها من الآفات التي تعج بها الأوطان العربية. حمل التقرير عنوان «جيل التغيير: واقع الشباب العربي بين التطلعات والتحديات». وكانت الدراسة بدأت بحسب مقدمة التقرير، عام 2009 واستمرت سنتين، واعتمدت على تعاون 50 أكاديمياً في المنطقة والخارج، لتحليل وضع الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وحددت الدراسة عمر الشباب الذين استهدفتهم الدراسة بين 15 و24 سنة، وهذه الفئة تشكل «خمس السكان في المنطقة المذكورة». ويوضح مدير المعهد رامي خوري انه «عندما بدأنا البحث في هذا الموضوع، لم يكن للشباب العربي حضور سياسي بارز، ولكن اليوم أشعل هؤلاء الشباب أحد أهم عمليات التحول في التاريخ الحديث في العالم، ونحن نأمل أن يسلط هذا التقرير الضوء على هذا الواقع وعلى أهمية مراعاة معاناة الشباب التي لا تزال إلى حد كبير تعكس توجهاتهم الحياتية في معظم الحالات». حقائق ولكن... ومن الحقائق -المكرورة- التي أوردها التقرير أن «هناك 84 مليون مراهق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما يمثل 20 في المئة من مجموع السكان (414 مليون نسمة). نسبتهم هي الأعلى في اليمن (25 في المئة)، والأراضي الفلسطينية المحتلة (24 في المئة) وجيبوتي والعراق والسودان (23 في المئة). أما المعدل الإجمالي للالتحاق بالمدارس الثانوية فمنخفضة في الدول العربية، ولا تتجاوز نسبة 68 في المئة (الفتيان 71 في المئة و65 في المئة للفتيات). ونسبة معدلات التسرب لا تزال كبيرة في بعض البلدان. وبلغ معدل معرفة القراءة والكتابة للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15-24 سنة نسبة 91 في المئة للذكور و84 في المئة للإناث. ومن بين 8.65 مليون امي من الشباب في المنطقة فان امية الفتيات تشكل نسبة 63 في المئة. ويستعين التقرير بإحصاءات لمنظمة العمل الدولية عن «معدلات البطالة بين الشباب في منطقة الشرق الأوسط (من 15 إلى 24)، مشيراً إلى أنها «الأعلى في العالم؛ وفي عام 2009، كان ما يقرب من 1 من أصل 4 من الشباب العاطلين من العمل. وعلى رغم أن الشباب في الدول العربية / منطقة الشرق الأوسط يشكلون ثلث السكان في سن العمل، فإنهم يمثلون ما يصل إلى نصف إجمالي البطالة، فيما الشابات هن أكثر عرضة للبطالة من الشباب (1 من 3 نساء مقابل 1 من كل 5 رجال). وعام 2010، شكلت الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15-24 أدنى معدل مشاركة (21.5 في المئة) في قوة العمل، أي الأدنى من أي منطقة في العالم». وتوقف التقرير مستعيناً أيضاً بإحصاءات المنظمة المذكورة، عند الوضع في مصر حيث «معدل البطالة بين الشباب أكثر من ثمانية أضعاف معدلها عند البالغين. وفي الجزائر وسورية وتونس تبلغ البطالة بين الشباب ثلاثة أضعاف معدلها لدى البالغين، وفي الأردن، 60 في المئة من طالبي العمل هم دون سن 25 عاماً، وأقل من 12 في المئة من الشابات الأردنيات يعملن، علماً أن نسبة الفتيات غير العاملات في مصر هي أكثر من ضعفي نسبة الشباب». ويشير التقرير إلى «أن الشبان والشابات العرب واجهوا في حياتهم العديد من العوائق ومظاهر عدم الإنصاف على مر السنوات، ما ساهم في شكل كبير في انفجار الثورات التي لا تزال تهز منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليوم». ويخلص التقرير بحسب ما أورده خوري إلى أن «الشباب والشابات يتمتعون اليوم بتعليم أفضل من الأجيال السابقة، إلا أن جودة التعليم لا تزال دون المستوى المطلوب. كما يعاني الشباب من تضاؤل فرص العمل وصعوبة الحصول على السكن وتحقيق الاستقلال المالي وإنشاء عائلة؛ وفشلت دول المنطقة في تكييف مؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع التغيرات الناتجة من الأعداد غير المسبوقة من الشباب». ويشير التقرير إلى «أن سياسة الاستبعاد التي انتهجتها الحكومات لجيل الشباب عن المشاركة في صنع القرار ولّدت حالاً من الإحباط تجلت في ذلك التحول من الركود الواضح إلى النشاط المتطرف، وذلك على خلفية الانخراط التطوعي في الجمعيات الأهلية والانخراط في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وهذا الانخراط لملايين الشباب العربي حقق لهم تحولاً سيكولوجياً مهماً من السلبية إلى الفاعلية في التعبير الذاتي والتغيير الاجتماعي». وتشدد المديرة الإقليمية ل «يونيسيف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شاهدة أظفر على وجوب أن «تضع الدول العربية قضايا الشباب على رأس قائمة أولوياتها وعمليات التنمية فيها»، لافتة استناداً إلى ما ورد في الدراسة إلى «أن فهم عقلية الشباب والشابات في المنطقة يوفر نافذة تبين التحديات التي تواجهها المجتمعات العربية اليوم، والطريقة التي تؤثر فيها الأحداث الراهنة عليهم وعلى مجتمعاتهم». ويقترح التقرير «المزيد من البحث والتحليل السياسي والتدخلات الجديدة، ذلك أن هناك قضيتين هامتين مشتركتين في جميع مطالب الإصلاح: الأولى الحاجة إلى التمتع بالحقوق التي هي من استحقاقات المواطنة والثانية حاجة الشباب لأن يكون لهم صوت مسموع في الأسرة والمجتمع وعملية صنع القرار». التقرير الذي أعلن عنه في احتفالية نظمت في الجامعة الأميركية في بيروت وسط طقس عاصف، نأى معدوه بأنفسهم عن الإجابة على أسئلة طرحها الشاب شربل. هو رغب في أن يعرف لماذا شارك هذا القسم من الشباب في الثورات العربية؟ ولماذا لم يشارك الآخرون؟ وكيف يفكر هؤلاء؟ وما هي رؤيتهم المستقبلية ما بعد التغيير؟ وسأل أيضاً لماذا تحرك الشباب في هذه الدولة أو تلك ولم يتحركوا في دول أخرى؟... أسئلة أضيفت إليها تجارب عايدة من تونس وبثينة من الأردن وعلاء من اليمن في «الثورة» على المحيط الاجتماعي والسياسي، لكنها بدورها راكمت المزيد من الأسئلة ولم تجد لها إجابات في تقرير سمح لنفسه بالحديث عن «جيل التغيير» وانتهى إلى «توجيهات» كانت حفلت بها تقارير أكثر التصاقاً مع معضلات العالم العربي منذ عام 2002 وتنبأت بالآتي وبقيت توجيهاتها حبراً على ورق أكثر الحكومات.