الكيمياء داخل الاستوديو أحد أهم عناصر النجاح أو الفشل التلفزيوني، وهي تبدأ من المعادلات التي تجمع بين المذيع والمذيعة، وتمر بعناصر التفاعل - أو التنافر - بينهما والضيوف، وتنتهي بالتفاعل مع طاقم العاملين من مصورين وفنيين. وبما أن نسبة لا يستهان بها من حياة الشعوب العربية، باتت تدور في فلك البرامج التلفزيونية، فإن الإشارة واجبة إلى العناصر غير الفنية أو المهنية التي يمكنها أن تصنع أو تهدم تلك البرامج. فالتواؤم والتناغم - أو التضاد والتنافر - بين مذيعي برنامج ما ينطبعان مباشرة على المتلقي. فكم من مذيع ناجح يتمتع بمقدار غير قليل من اللباقة والثقافة والقبول يجد نفسه في موقف لا يحسد عليه حين تنعدم مقومات التفاعلات الإيجابية مع زميله أو زميلته. فالشاشة، على رغم كل التقنيات المتقدمة وعناصر الإبهار، لا تفلح في إخفاء التوتر بين مقدمي البرنامج، حتى لو كان خفياً ولم يعترف به الاثنان. كيمياء أخرى تتحكم في سير البرامج، وهي تلك الواقعة أو المفتقدة بين المذيع وضيوفه. فساحة الاستوديو، شأنها شأن الحياة العادية، تحتمل أن «يستلطف» المذيع ضيفاً و«يستثقل» آخر، وهي مشاعر لا علاقة لها بمدى الاتفاق أو الاختلاف في وجهات النظر أو الآراء، ولكنها سمة إنسانية، لا يمكن تعديلها، وإن كان يمكن إخفاؤها أو تمويهها لحد ما. ولا يقف علم الكيمياء عند هذا الحد، بل يمتد ليشمل عناصر أخرى هي طاقم العاملين وراء الكاميرات. ويمكن المشاهد أن يستشعر نوعاً من التواؤم بين المذيع والمصورين ومهندسي الصوت والمخرج وغيرهم، وهو استشعار لا يحتاج إلى كثير من الجهد. وفي أحوال مضادة، يستشعر المشاهد التوتر في الاستوديو، أو ربما حال عدم الاستلطاف المتبادلة بين المذيع والعاملين، وهو ما يؤثر سلباً في الجو العام الذي يشيعه البرنامج. وعلى رغم أن أحداً لم يقدم تعريفاً علمياً لمسألة «الكيمياء» بين المذيعين، إلا أنه بات لفظاً مفهوماً ومتداولاً بين كثيرين، فالمقصود بالكيمياء هنا هو ذلك الشعور غير الملموس وغير المرتكز الى أسباب منطقية والذي يجعل الجو العام المحيط بشخصين أو أكثر إيجابياً لهم وللمتابعين لهم بالتالي. وليت هناك عداداً يقيس حجم التفاعل بين مقدمي البرامج قبل الزج بهما في برنامج واحد، حتى لا ينقلا توترهما إلى المشاهد الذي يلجأ إلى التلفزيون هرباً من التوتر، وليس بحثاً عن المزيد منه. أما الكيمياء بين المذيع وضيوفه، فلا مفرّ من تركها للأقدار، إذ يستحيل التكهن بها قبل وقوعها، بل إن مراوحتها بين التواؤم مرة والتنافر مرة قد يصب في مصلحة البرنامج ويقدم مزيداً من التنوع، طالما أن هناك حداً أدنى من الكيمياء بين العناصر الدائمة في المعادلة التلفزيونية. وإذا كان علم الكيمياء يدرس تركيب العناصر والمواد الكيماوية وخواصها، اضافة إلى التحولات المتبادلة في ما بينها، فإن هذا يعني أنه بصرف النظر عن الفهم الكامل للمادة الكيميائية، والتي يمثلها المذيع في السياق التلفزيوني، إلا أن التأكد من نمط تفاعلها مع المواد الأخرى – أي الضيوف على اختلاف أنماطهم - يظل قيد البحث وخارج نطاق التكهن.