إذا كانت محاولة القيادة الفلسطينيية الحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة قد أظهرت شيئاً فإنها أظهرت مرة أخرى من هم أصدقاء الفلسطينيين الحقيقيون. كان من الواضح أن الولاياتالمتحدة، على رغم خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في وقت سابق، لن تتحرك في أي اتجاه من شأنه أن يزعج الإسرائيليين. وهذا لا يتعلق فقط بواشنطن والبريطانيين (توني بلير وديفيد كامرون) بل أيضاً بالفرنسيين الذين ما زالوا بعيدين عن أن يكونوا أصدقاء حقيقيين للشعب الفلسطيني. من المؤكد أن الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، يريد أن يبقي العلاقات التجارية الفرنسية مع العالم العربي، لذلك يبحث عن فرص لالتقاط الصور مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس. ولكن عندما وُضعت الصداقة الفرنسية الفلسطينية على المحك الحقيقي في مجلس الأمن، امتنع مقيم قصر الإليزية عن التصويت الى جانب الدولة الفلسطينية. ولئن كشفت محاولة الأممالمتحدة نفاق الغرب فإنها أشارت إلى تراجع مرحلتين مهمتين. فالذهاب إلى الأممالمتحدة أشار إلى الفشل التام لعملية التفاوض التي بدأت قبل عقدين في مدريد وشهدت اتفاقات أوسلو، كما كشف الفشل الآني في مجلس الأمن عن عجز المجتمع الدولي في تنفيذ مبادئ الاممالمتحدة حول حقوق الشعوب في تقرير مصيرها. طلب الرئيس محمود عباس مؤخراً من كبار مستشاريه أن يضعوا استراتيجية لما بعد الأممالمتحدة. ولخيبة أمل البعض، فإن الاستراتيجية الجديدة لن تحتوي على خيار حل السلطة الفلسطينية. لقد تمت مناقشة هذه الفكرة كثيراً ويبدو ان هناك اجماعاً في القيادة على عدم حل السلطة. الفكرة التي تكررت في وقت سابق والتي كررها مؤخراً صائب عريقات، والتي تدعو إلى حل السلطة الفلسطينية ورمي المفاتيح في ملعب الإسرائيليين، لم تتم الموافقة عليها. فأنصار هذه الفكرة يشعرون أنها سوف تخلط الاوراق من خلال إجبار الإسرائيليين على أن يدفعوا (حرفياً ومجازياً) ثمن استمرار الاحتلال. وفي حين أن هذه الفكرة تبدو جيدة من الناحية النظرية إلا أن هناك اجماعاً في القيادة على أن آثارها ستكون كارثية على الشعب الفلسطيني. فهي سوف تنهي مكاسب بناء الدولة المؤسساتية التي تحققت في العقدين الماضيين. ما يستطيع الفلسطينيون القيام به هو النظر إلى الداخل. لا يمكن لأمة تقاتل من أجل الاعتراف بها ضد احتلال عسكري أجنبي مدعوم من القوى القيادية العالمية أن تكون منقسمة. لقد اتخذت خطوات هامة في هذا الشأن عندما وقّع كل من عباس وخالد مشعل على اتفاق المصالحة في القاهرة الصيف الماضي، والحاجة الآن هو أن يتم تنفيذ هذا الاتفاق. يجب تشكيل حكومة الوحدة الوطنية المتفق عليها وأن يُجرى التحضير للانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية في أقرب وقت ممكن. وعلى الاستراتيجية الوطنية من أجل التحرير أن تُناقش وأن يتم الاتفاق عليها ومن ثم تنفيذها. فالاتفاق في شأن سياسة المقاومة أمر ممكن الآن بخاصة أن مسار المفاوضات والتدويل قد فشل. إن مصطلح المقاومة يمكن أن يكون له معان مختلفة. قد يترجم البعض هذا المصطلح ليعني مقاومة عنيفة في حين أن آخرين يجادلون بأنه يمكن أن تكون هناك مقاومة شعبية لاعنفية. وإذا ما تمت الموافقة على المعنى الأخير فإنه سيتطلب تضافر الجهود بهدف انجاح العمل. فالمقاومة الشعبية تتطلب وحدة حقيقية وتحركات شعبية واسعة لتوجيه رسالة واضحة من شعب تعب من الاحتلال. والتركيز على مثل هذا الإجراء من شأنه أن يهدف إلى تحرير وتطوير مناطق في الضفة الغربية، تلك الموضوعة تحت السيطرة الإدارية والأمنية الإسرائيلية الكاملة والتي يشار إليها بالمناطق (ج). وفي صورة موازية يجب أن تمارس كل وسائل المقاومة اللاعنيفة الممكنة لضمان عدم بناء مزيد من المستوطنات على الأراضي الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، ومع المقاومة الشعبية المحلية، يجب تصعيد حملة دولية لمقاطعة ووقف الاستثمارات الدولية في اسرائيل. فيجب على الفلسطينيين واصدقائهم حول العالم ومن كافة الأطياف الانضمام إلى جميع أنواع التضامن لبدء حملة عالمية ضد إسرائيل. لقد تم إسقاط حكومة البيض في جنوب أفريقيا نتيجة لحملة دولية من هذا القبيل. إن العدد الكبير من الدول الداعمة للدولة الفلسطينية والعدد الكبير من المنظمات الشعبية العالمية يجب أن يشكل رسالة قوية ضد استمرار الاحتلال الإسرائيلي وضد الأنشطة الإستيطانية. وقد أظهرت القيادة الفلسطينية تصميماً والتزاماً بالوفاء لرغبة شعبها من أجل التحرير. وفاجأ عباس الكثيرين بعزيمته أمام الضغوط الهائلة. فلا الضغوط السياسية ولا المالية نجحت ضد الفلسطينيين مما أدهش كثيرين من قادة العالم وفضح عدم قدرتهم أو رغبتهم للوقوف في وجه إسرائيل على رغم الإختلاف علناً مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو. يجب أن يُعزَّز هذا الثبات عند اعتماد أية استراتيجية مستقبلية، فالتكتيكات الأميركية والحرمان الموقت لدعم الفلسطينيين قد ارتدت ضد أصحابها. لقد تم تقليص نفوذ واشنطن إلى حد كبير بعد حادثة الأممالمتحدة على رغم أن الكونغرس أشار مؤخراً إلى أنه سيفي بإلتزاماته التي سبق ان قُدمها للسلطة الفلسطينية. يحتاج الفلسطينيون الآن إلى الاعتماد على أنفسهم وعلى أصدقائهم الحقيقيين للوصول إلى الهدف النهائي المتمثل في إقامة دولة مستقلة إلى جانب إسرائيل. * صحافي فلسطيني