أكد مدير «المركز الإقليمي للمساعدة الفنّية للشرق الأوسط» (ميتاك) التابع لصندوق النقد الدولي، سعادة شامي، ل «الحياة» أنه يتوقع أن يرتفع الطلب على المساعدات الفنّية بعد استقرار الأوضاع في الدول العربية التي شهدت ثورات أخيراً، لأنها ستكون في حاجة إلى إعادة ترتيب بيتها الداخلي وبناء قدراتها البشرية والمؤسساتية. وتمنى على الدول المانحة والعربية «القادرة مادياً» ان تساهم في تمويل المركز، مذكّراً بأن له منافع عامة تعود بالفائدة على الجميع، لأن «أي تحسين في بناء القدرات البشرية والمؤسسية في بلد عربي ينعكس إيجاباً على الدول العربية الأخرى». وأوضح ل «الحياة» ان «ميتاك» أنشئ في تشرين الاول (أكتوبر) 2004 في بيروت، بعدما تقرر تأسيسه في مؤتمر مدريد لاعادة إعمار العراق عام 2003. والغرض الأساسي من إنشاء المركز هو تقديم مساعدات فنّية وتدريب ل 10 دول ومناطق في منطقة الشرق الأوسط، وهي مصر، ليبيا، السودان، العراق، الأردن، لبنان، سورية، الضفة الغربية وغزّة، اليمن، وأفغانستان. وتابع ان كل الدول الأعضاء في «ميتاك» في حاجة إلى المساعدة في مجالات كثيرة ومتفاوتة، خصوصاً تحسين الإحصاءات وإدارة المالية العامة (التي تتضمّن تحضير الموازنة العامة وتطبيقها ومراقبة حُسن تطبيقها)، لأن الدول المانحة تتطلب شفافية أكبر في طريقة صرف الأموال والمساعدات المالية الممنوحة. ولفت إلى أن من المفضّل أن يستعين المركز بخبرات محليّة نظراً إلى المعرفة الوثيقة بالحاجات وسهولة التواصل، لكن عندما تغيب هذه الخبرات المحليّة في بعض المجالات، يستعان بخبرات من خارج المنطقة. العلاقة مع صندوق النقد وحول طبيعة علاقة المركز بصندوق النقد، اوضح شامي ان المركز هو واحد من ثمانية مراكز مشابهة متواجدة في مناطق حول العالم، عمله مرتبط ومتكامل مع عمل الصندوق في واشنطن، إذ يقرر المركز برنامج عمله بالتنسيق مع الصندوق وكل مهامه تتم بالتنسيق مع أقسام الصندوق المختصّة. اما حول القيمة المضافة ل «ميتاك» من ضمن مظلّة صندوق النقد، فقال ان المركز اكثر فاعلية في أخذ المبادرة وأقلّ مركزية في اتخاذ القرارات ويتمتّع بقدرة على التحرّك في شكل اسرع بناء على طلب الدول الأعضاء، كما يلمّ في شكل أفضل بحاجات الدول الأعضاء لأنه موجود على الأرض. وأكد شامي ان المركز يتعاون في شكل وثيق مع الدول المانحة والدول الأعضاء فيه والمنظمات الدولية الاخرى العاملة في هذه الدول، وينسّق مع البنك الدولي في مهامه، لتجنّب الازدواجية وأي تضارب ممكن في التوصيات. وتتوزع نشاطات المركز على خدمات الرقابة المصرفية وإدارة الدين العام وتطوير الأسواق المالية وإحصاءات الاقتصاد الكلي وإدارة المالية العامة وإدارة الإيرادات العامة، إضافة إلى ورش عمل وبرامج تدريب ومحاضرات. وأوضح شامي ان المركز «يتصرّف بطلب من الدول الأعضاء، ولا يُملي رأيه او شروطه عليها، بل يتعاون معها ويلبي حاجاتها ويتابع البرامج المطبقّة، ويناقش معها نتائج التقارير المعدّة، ويأخذ بملاحظاتها عليها، ما لم تناقض المعايير العالمية المعتمدة من قبله». وحول مدى القدرة على لَمس نتائج مساهمة المركز في بلد ما، لفت إلى ان طبيعة عمل «ميتاك» والمساعدة الفنّية لا تعطي نتيجة ملموسة في المدى القصير، فتحسّن المالية العامة في دولة ما، مثلاً، في حاجة إلى سنوات من العمل المتواصل كي يأتي بثماره، كما لفت إلى ان نجاح المساعدات الفنّية او فشلها لا يتعلّق بالمركز وحده، لأنه يعتمد على تجاوب الدول والتزامها بتطبيق التوصيات والمعايير العالمية التي يعتمدها المركز. إيجاد فرص عمل وحول كيفية مساهمة «ميتاك» في تأمين فرص عمل للشباب والعاطلين من العمل في المنطقة العربية، افاد شامي بأن المركز يفعل ذلك بأسلوب غير مباشر فالمساعدة الفنّية تزيد الشفافية في عمل المؤسسات العامة، فتَحسّن إدارة المالية العامة والرقابة على القطاع المصرفي مثلاً في بلد ما، يشجّع الاستثمار الأجنبي في هذا البلد، ما يساهم في رفع نسبة النمو الاقتصادي، وبالتالي يعزز فرص العمل المحلية. اما عن مصادر تمويل «ميتاك»، فأوضح شامي أن المركز يطبق حالياً خطة خماسية تمتد من أيار (مايو) 2010 إلى نيسان (أبريل) 2015، ورصد لها 33 مليون دولار، وحصل على تعهدات بما يقارب 20 مليوناً منها، وما زال بحاجة إلى 13 مليوناً. ومن ابزر المساهمين في تمويل المركز الاتحاد الأوروبي (نحو مليوني دولار)، فرنسا (2.5 مليون دولار)، عُمان (500 ألف دولار)، الكويت (250 ألف دولار)، وصندوق النقد (ستة ملايين دولار)، إضافة إلى مساهمات من معظم الدول الأعضاء. ويساهم البلد المضيف لبنان في شكل أساسي في دعم المركز وتبلغ هذه المساهمة نحو 1.3 مليون دولار سنوياً. ولفت شامي إلى ان نشاط المركز خاضع للرقابة، إذ تأتي جهة ثالثة مستقلّة كل ثلاث سنوات وتقوّم عمل المركز، وجاءت نتائج آخر تقويم لنشاط المركز عام 2009 جيدة جداً. وأوضح ان اللجنة التوجيهية للمركز تجتمع مرة سنوياً في بيروت بمشاركة الدول الأعضاء والدول المانحة وممثلي صندوق النقد، لتقويم الانجازات، والموافقة على خطط العمل للسنة المقبلة. نشاط «ميتاك» في الدول العربية وحول ابرز نشاطات المركز في الدول الأعضاء، اوضح شامي أنه كانت لسورية حصة كبيرة من مساعدات المركز في السنوات السابقة لانها في حاجة ماسة الى المساعدة الفنّية في ميادين شتى، وشملت خدماته هناك وضع إطار عام للرقابة على المصارف العاملة في البلاد، وتحضير احصاءات «وضع الاستثمار العالمي» لسورية (يشمل الاستثمار المباشر الداخل إلى البلد والخارج منه)، ستصدر في التقرير الإحصائي السنوي لصندوق النقد. ولفت إلى ان المركز عمل مع «إدارة الاحصاء المركزي» في لبنان على تطوير مؤشر اسعار المستهلكين الرسمي الوحيد، الذي يشمل كل لبنان ويضم في سلّته اسعار مواد ومنتجات استهلاكية تعدّ بالآلاف، وفق معايير هي الافضل عالمياً. وأطلِق هذا المؤشر رسمياً في آذار 2008. ويعمل المركز على تطوير مؤشر أسعار المنتجين منذ العام الماضي بالتعاون مع «ادارة الاحصاء المركزي». وقدّم المركز دعماً فنياً ل «مصرف لبنان» (المركزي) والمصارف التجارية إذ عمل على إدخال نظام IBAN الخاص بأرقام الحسابات للمساعدة في عمليات تحويل الأموال بين المصارف اللبنانية والخارج، وساهم في استحداث وحدة إدارة النقد في وزارة المال اللبنانية. وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، طوّر «سجل الائتمان» (credit registry) مع السلطات الفلسطينية، لتقليل أخطار الديون للأفراد والشركات. ولفت إلى أنه يوجد 65 سجلاً من هذا النوع فقط حول العالم، وهو الثاني في العالم بعد «سجل الائتمان» الماليزي الذي يحتوي على سلّم نقاط (scoring system) للمقترضين. وساهم المركز أيضاً في تحضير «وضع الاستثمار العالمي» (يشمل الاستثمار المباشر الداخل إلى البلد والخارج منه) للضفة الغربيةوغزة، الذي سيصدر أيضاً في التقرير الإحصائي السنوي لصندوق النقد. وعمل المركز مع السلطات اليمنية والسودانية على تطوير حساب موحّد للخزانة، كما طوّر مع اليمن محتوى سلّة مؤشر اسعار المستهلكين لتأتي أكثر تمثيلاً للمستهلك اليمني. وأجرى تدريباً في الرقابة على المصارف العاملة في البلاد وتحسين الحسابات القومية. وفي ليبيا، طور عام 2009 مؤشر اسعار المستهلكين ومؤشر اسعار المنتجين العام الماضي، كما ساهم في وضع دليل التفتيش الميداني للرقابة المصرفية في عدد من الدول منها ليبيا والأردن. وختم شامي أن المركز يسعى جاهداً إلى تقديم مزيد من المساعدات الفنّية التي باستطاعتها الارتقاء بالقدرات البشرية والمؤسساتية في المنطقة الى مصاف الدول المتقدّمة.