وجهت المعارضة وجمعيات المجتمع المدني في تركيا، سهامها في شكل واضح الى مؤسسة القضاء التي يعتبرونها السلاح الأكثر أهمية والأقوى في يد حكومة رجب طيب أردوغان، من أجل الحد من حرية الرأي والتعبير والمعارضة السياسية. وساعدت في تأجيج هذه الحملة، مصادفة غريبة لصدور قرارين عن القضاء اعتُبرا فضيحة قانونية لا يمكن تبريرها. القرار الأول أتى من محكمة النقض التي أيدت حكم محكمة ابتدائية بتخفيف عقوبة 30 شخصاً شاركوا في الاعتداء جنسياً على طفلة لم يتجاوز عمرها ال 13 سنة. وورد في قرار المحكمة أن طلب تخفيف الحكم الى خمس سنوات فقط، مع إسقاط سائر الاتهامات بسبب التقادم، سببه رضا الفتاة وإدراكها الكامل لما تقوم به، وتقاضيها أجراً عن علاقتها بعسكريين ومديرين وبيروقراطيين ومختار في إحدى قرى مدينة ماردين جنوب تركيا عام 2002. وأثار الحكم عاصفة احتجاجات وانتقادات في أوساط حقوقية وصحافية اعتبرته وصمة عار في تاريخ القضاء التركي، ونتيجة لتلاعب الساسة بالقضاء وتعيين القضاة وفقاً للمحاباة السياسية، لا الخبرة والنزاهة. وفي اليوم ذاته، ورد خبر اعتقال 44 شخصاً بتهمة الارهاب ومساندة «حزب العمال الكردستاني» المحظور، وبينهم البروفيسورة بشرى إرصانلي (60 سنة) المعروفة بنشاطها في مجال حقوق الانسان والدفاع عن الحريات والديموقراطية، والناشر المعروف راغب صاراكولو. وأثار النبأ صدمة لدى كثر من الحقوقيين والساسة، خصوصاً بعد الاطلاع على ما ساقته النيابة من أدلة اتهام، إذ كشفت التحقيقات أن الدافع لدهم منزل إرصانلي عند منتصف الليل وتفتيشه في شكل دقيق واقتيادها الى السجن، هو مشاركتها في محاضرات عن حقوق الانسان والحريات لأعضاء في «حزب السلام والديموقراطية» الكردي، في الأكاديمية التي أنشأها الحزب لتدريب كوادره والذين اقتيدت غالبيتهم الى السجن بتهمة مساندة «الكردستاني». أما صاراكولو فاتُهم بنشر كتب مساندة للنظريات السياسية ل «الكردستاني». وما زاد من الصدمة، شنّ كتاب مقربين من أردوغان، حملة تشويه لسمعة المتهمين ونشر أنباء مغلوطة عن حياتهم الشخصية، ما دفع الى الاعتقاد بأن الحكومة معنية في شكل مباشر بحملة الاعتقالات. واتّحد عدد ضخم من الكتّاب، بعضهم ساند سابقاً مسيرة «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، في توجيه انتقادات عنيفة لأردوغان، من أجل كفّ يده عن القضاء وتراجعه عن استخدام تلك المؤسسة سلاحاً لمحاربة معارضيه، من علمانيين وأتاتوركيين وأكراد، معتبرين أن ذلك يؤدي الى هدم ما بُني خلال السنوات الماضية، من توسيع للحريات والديموقراطية. وفي هذا الاطار، وجّه الكاتب المعروف والمحسوب على الحزب الحاكم، علي بيرم أوغلو، رسالة الى أردوغان حمّله فيها مسؤولية تراجع مساحة حرية الرأي والتعبير، وفي القضية الكردية، والتراجع عن المكتسبات الديموقراطية التي تعهد بها، وتحويل تركيا دولة محاكم ومفتشي أمن.