للسنة الثانية على التوالي يقدّم محترف «JE» في بيروت عملاً مسرحياً يحضّره المشاركون فيه، بإشراف باتريسيا نمّور وكالين برنوتي، وعنوانه هذه المرّة «عَ مودنا». اللعب على الكلام في العنوان قابلته لعبة مسرحية لا بأس بها، على رغم أنّ الإعلان يشدد على أنّ ما نشاهده هو 14 مشهداً وليس مسرحية. «عَ مودنا» (من mood باللغة الإنكليزية) تحوّلت إلى «عمود» في أعلاه مصباح كبير يضيء على مواضيع وتفاصيل عميقة وحساسة وحميمة يريد «الممثلون» التعبير عنها. محترف «JE» الذي يستقبل شباناً وشابات، رجالاً ونساء من مختلف الأعمار، هدفه الأساسي ليس تخريج ممثلين بقدر ما هو المساعدة في إخراج ما في داخل هؤلاء الأشخاص كي يتمكّنوا من التعبير عن الأمور العالقة في حياتهم التي من شأنها أن تعيق تقدّمهم، وكي يتمكّنوا أيضاً من تطوير شخصياتهم. لكن ذلك لا يعني أنّ العرض لم يكشف مواهب تمثيلية لافتة قادرة بكل سهولة على أن تنجح في مجال التمثيل الكوميدي أو الدرامي. فيكي محفوض، ماريا عبدالرحمن، أباراسيدا عوض، سارة شريف، توني شويري، لارا صايغ، رامي سعيد، هالة مرجي، رودريك نعمة، رنا سماحة، شاكر بو عبدالله، فاتن هزيمة ورنا بو رجيلي هم الذين قرروا عيش اختبار تقديم عرض أمام الجمهور، في حين أن المشاركين الآخرين في المحترف فضّلوا الاكتفاء بالتمارين التي تلقّوها. كلّ واحد منهم كتب مشهداً خاصّاً به واقترح طريقة أدائه وتنفيذه، وتولّت نمّور وبرنوتي إعطاء التوجيهات. قصص شخصية المشاهد أتت مختلفة في طولها وفي عمقها وحس الابتكار والخلق فيها، وكذلك أتى الأداء فيها متنوّعاً بين الجيد والعادي. المواضيع كانت شخصية وخاصّة بمعظمها، عبّر كل شخص من خلالها عن أفكار يريد، أو يحتاج إلى التعبير عنها. للأسف لم تصل كل الأفكار بالوضوح نفسه لكل الجمهور، فتلك «الشخصانية» في المواضيع ضيّقت إمكان وصولها إلى الجميع، وفي حين كانت نمّور وبرنوتي وأهل الممثل (أو الممثلة) فخورين بالتقدّم الذي يرونه عنده، لم يكن «الغرباء» يفهمون أبعاد ما يسمعون ويشاهدون، لذلك كنّا نتمنّى لو تحوّل هذا العرض بحقٍّ إلى عرض جماهيري فأضيفت إلى المواضيع الخاصة لمسةً تجعلها عامة كي تهمّ الجميع. ساعة وبضع دقائق مرّت سريعةً شاهدنا خلالها أنماطاً مسرحية متنوعة بين الكوميديا والتراجيديا والإيماء والرقص التعبيري والمونودراما، وسمعنا أفكاراً عدة عن اللاإنتماء وعن الأرقام وعلاقتنا بها، عن علاقة الأهل بأولادهم ومشاكلهم معهم، عمّا نعرف ولا نعرف... أضحكتنا حيناً وأثّرت فينا أحياناً. في شكلٍ عام يمكن القول إنّ العرض كان ممتعاً، لكن الأسئلة الأبرز التي يجب أن يجيب عنها محترف «JE» هي: ما مصير هؤلاء المشاركين في المحترف؟ وأين المواهب اللافتة التي ظهرت العام الفائت؟ هل ستختفي أيضاً، من دون متابعة، المواهب المميزة التي برزت خلال هذا العرض؟ لذا، يبدو من المفيد العمل جدياً على تخصيص مستوى أعلى في المحترف للذين يريد تجديد مشاركتهم، وتبنّي المواهب التي تثبت نفسها أثناء العروض لتأليف مجموعة من «الممثلين» يعملون على تقديم عرض مسرحي متكامل، وليس مجموعة مشاهد منفصلة، فيتمرّنون عليها لفترة كافية تجعلهم يتفادون الثغرات، فيساهمون بذلك، في شكلٍ أو في آخر، في زيادة نشاط الحركة المسرحية في لبنان.