70% نسبة التقاعد المبكر بين الإناث    الاستثمارات العامة يطرح سندات بقيمة 15 مليار ريال    45 وزيرا للعمل يشاركون بالمؤتمر الدولي لسوق العمل بالرياض    بحثاً عن القوة المستدامة    أهمية بيانات التأمينات !    الأكثرية السورية بحاجة لجبر الخواطر    العثرة الأولى للرئيس ترمب    العدالة يتعادل إيجابياً مع الفيصلي في دوري يلو    رمزية المطايا والطائرات    استبعاد بونيفاس من تدريبات ليفركوزن    فلكيا: الجمعة 31 يناير غرة شهر شعبان    «الغرس الثقافي» للصورة الإعلامية!    سير ذاتية لنساء مجنونات    بعد ألمانيا.. فرنسا ترفض توطين الفلسطينيين    ترمب: DeepSeek بمثابة إنذار للولايات المتحدة    زيارة روسية تاريخية إلى دمشق    الرئيس الأميركي يلغي "أيديولوجيا التحوّل الجنسي" من الجيش    كييف: محاولات روسية للسيطرة على جزر دنيبرو    الجيش اللبناني ينتشر في المناطق الحدودية    «الأدب والنشر والترجمة » تنظم «الجسر الثقافي الممتد من الصحراء إلى النيل»    أكثر من 25 جامعة تتنافس في مختبر التاريخ الوطني    نكودو يزاحم الكبار    خادم الحرمين يرعى المؤتمر الدولي لسوق العمل    الشورى يدرس تشريع الرقابة المالية وتعديل نظام البنك المركزي    حرس الحدود بجازان يحبط تهريب 16.3 كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    أمير الرياض يطّلع على جهود "إنسان"    وفاة محمد بن فهد بن عبدالعزيز    إصدار 500 ألف سجل عقاري.. وبناء خارطة عقارية على مستوى المملكة    الهلال يتخلص من صداع A    عودة السومة تفتح شهية الساطي    الزنك يتفوق في علاج نزلات البرد    مساعد وزير الصحة يفتتح ملتقى نموذج الرعاية الصحية    الشيخ جبريل البصيلي يستقبل الطلاب الدوليين في جامعة الملك خالد    حرم عبدالعزيز بن مشيط إلى رحمة الله    الاتحاد الدولي لكرة السلة في ضيافة المملكة العربية السعودية    البكر: «درب الهجرة النبوية» يحافظ على تراث المملكة الإسلامي    محمد بن فهد.. بصمات خالدة في تاريخ الشرقية    الهلال الأحمر يعزز التعاون مع التعليم لتطوير مهارات الإسعافات الأولية    مبادرة «اللُحمة الوطنية دين ومسؤولية» بمحافظة الحرث    البدء بإلغاء إشارة تقاطع طريق جسر الأمير نايف مع تقاطعه بطريق الملك عبد العزيز بالدمام    ارتفاع مقاعد البورد السعودي بأكثر من 1500 مقعد وأكثر من 5 الآف خريج    الدباغ: 7 مليارات ريال استثمارات «الخاص» المؤكدة في عسير    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان" المرأة مساهمة حقيقية في تعزيز الهوية الوطنية وترابط المجتمع    «الغذاء والدواء» تحذر: منتج Arrowhead ملوث ببكتيريا اللستيريا    وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية تركيا    نظرة الملك عبدالعزيز الاقتصادية بعيدة المدى كما تنظر الدولة الآن عبر خطط التنمية ورؤية المملكة 2030    الأمير سعود بن نهار يطلق بطولة كأس الطائف للصقور للعام 2025    نائب وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة 105 من طلبة الكلية الجوية    أجمل رحلات العمر    أمير المدينة يرعى حفل إطلاق مشروع درب الهجرة النبوية وتجربة "على خطاه"    إطلاق المرحلة الثانية لتوثيق مواقع التراث المغمور بالمياه    نائب أمير الشرقية يستعرض أنشطة الأمر بالمعروف    السلوكيات الخاطئة    مملكة الإنسانية تواصل مساعداتها للشعوب الشقيقة    المخيم الملكي والصورة الأجمل    المشهد القادم أكثر لطفا !..    المسامحة بلا حدود    نائب أمير مكة يستقبل المعزين في وفاة الأمير عبدالعزيز بن مشعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أولويات الموازنة والتنمية «غير المتوازنة»!
نشر في الحياة يوم 27 - 06 - 2009

تابعتُ باهتمام بالغ الحلقات التي أعدّها الأخ محمد السيف، ونشرتها صحيفة «الاقتصادية»، وتناولت محطات مهمة من مسيرة النائب السابق لوزير المالية الدكتور صالح العمير، الذي يوصف بأنه المهندس الذي أشرف على إعداد وهندسة الميزانية السعودية طيلة عقدين من الزمن، وتحديداً من عام 1975 إلى عام 1996.
وتأتي متابعتي لما نُشر من سيرة العمير وآرائه، كونه واحداً من أهم رجالات الفريق الذي أشرف على العملية التنموية التي شهدتها المملكة في النصف الثاني من السبعينات، وهو الفريق نفسه الذي أدار عملية الانكماش، الذي شهده الاقتصاد السعودي في نهاية الثمانينات، لذلك تكتسب تجربته وآراؤه وشهادته التي أدلى بها عن تلك الفترة أهمية بالغة لمن أراد أن يعرف الكيفية التي تم بموجبها إدارة مشاريع التنمية، وما تحقق في تلك الإدارة من نجاحات أو اخفاقات، كما تفيد شهادة العمير وتجربته في العمل المالي، وإعداد وتنظيم الميزانية بالإجابة عن الكيفية التي يتمُ بموجبها ترتيب أولويات الميزانية العامة للدولة، ومن ثمّ المقارنة بين إدارة التنمية في تلك الفترة وإدارتها اليوم، وهل تغيّر الأسلوب إلى ما هو أفضل أم لا يزال قائماً؟! وهل أُخضعت تلك التجربة للتقييم ومن ثمّ محاولة تلافي ما جاء فيها من اخفاقات، أم أن الوضع الحالي هو استمرار لما كان وحدث؟!
ورغم أن كثيراً مما ورد في حديث الدكتور العمير، الذي جاء صريحاً في أغلبه، يستحق التوقف والتساؤل، غير أني سأتوقف لمناقشة موضوعين مهمين تناولهما الدكتور العمير في حديثه، وهما موضوع ترتيب أولويات الميزانية العامة للدولة، وموضوع التنمية غير المتوازنة بين المناطق، وهما موضوعان أرى أنّ أسلوب إدارتهما لم يتغيّر منذ تلك الفترة وإلى اليوم.
فإجابة عن سؤال ترتيب أولويات الميزانية، قال العمير: «إن خطط التنمية هي ملخص مقترحات الوزارات وبرامج كل وزارة، لذلك كانت الخطة هي أحد أهم العوامل التي تؤخذ في الحسبان عند البدء بالتحضير للميزانية، غير أن هناك مشكلة تتمثل في الفجوة الزمنية بين إعداد الخطة واعتمادها وبين إعداد ميزانية قصيرة الأمد مدتها سنة واحدة». ويتضح من كلامه أن الذي يُرتب الأولويات هي الوزارات المعنية بالتعاون مع وزارة المالية، وأنه لا توجد خطة متكاملة للعمل التنموي ومشاريع الدولة، كما يُفهم من كلامه في أكثر من موضع.
والحقيقة أن الاعتقاد السائد قبل أن نقرأ كلام العمير أن الخطة الخمسية للدولة ذات أهمية كبرى في العملية التنموية، لكن اتضح من كلامه عكس ذلك، فالخطة ليست مُلزمة، إنما هي استرشادية، وليس بالضرورة تنفيذها بحذافيرها. كما كنا نعتقد بأن ترتيب أولويات الميزانية العامة يتم من خلال جهة واحدة تتولى عملية التنسيق بين الوزارات وبالتالي إقرار الأولويات ومراقبة الأداء، لكن الذي حدث أن الوزارة - أي وزارة - هي التي تتولى مهمة التخطيط لمشاريعها ومن ثم التنفيذ دون وجود أي تنسيق داخل ورشة العمل التنموي، خصوصاً إذا ما عدّلت هذه الوزارة أو تلك في ترتيب أولوياتها، مما يؤثر على مشاريع أخرى تعتمد على ما كان مُقرراً تنفيذه، ولكي أُبيّن ما أهدف إليه أضرب مثلاً في ميناء جازان، الذي تم الانتهاء من تنفيذه دون أن يكون هناك طرق سريعة تربط جازان بمناطق المملكة، مما جعل الميناء يظل لسنوات محدود الفائدة، ولم يجنِ الوطن والمواطن قيمته الحقيقية، ولعلّ ما تحقق من عجز واخفاق في العملية التنموية يعود في كثير من أموره إلى هذه السياسة في ترتيب ومراعاة الأولويات، ولكي تحقق التنمية مبتغاها نحو رفاهية وسعادة المواطن، فإن الأمر يتطلب وجود استراتيجية عامة ووضع خطة متكاملة تغطي أهداف هذه الاستراتيجية لتنمية الدولة في جميع المجالات عبر إنشاء جهاز مستقل عن البيروقراطية الحكومية يرتبط مباشرةً بالملك، يتولى عملية التخطيط والمراقبة والمتابعة، ويقتصر دور الوزارات على تنفيذ هذه الاستراتيجية والالتزام بخطها العام، وأن أيّ إعادة لترتيب الأولويات عند أي وزارة فإنه لا بد من الرجوع إلى هذا الجهاز، حتى لا يحدث أي خلل في جوانب أُخرى من العمل التنموي، كما حدث في ميناء جازان مثلاً.
إنّ إسناد عملية ترتيب الأولويات إلى كل وزارة هو ما أدّى في النهاية إلى تحقيق تنمية غير متوازنة، تحدث عنها العمير في حديثه، فحينما سأله السيف عن أن الإنفاق الحكومي الذي أشرفت عليه وزارة المالية طيلة عقدين يواجه بتهمة أنه لم يكن متوازناً، حيث استفادت مناطق مقابل نقص في مناطق أُخرى، كانت إجابة الدكتور العمير بالغة في أهميتها، حيث قال: «السبب يعود إلى أنه لم يكن هناك تخطيط إقليمي بالمعنى الصحيح. المشكلة تكمن في مركزية الأجهزة الحكومية، وهذا أحد عيوب التنظيم الإداري الموجود عندنا».
لابد أن أشكر للدكتور العمير اعترافه بأن الانفاق لم يكن متوازناً بين المناطق، وهذه شجاعة تحسب له رغم الاخفاق الذي حدث، والذي لم نكن نتمناه، والحقيقة أنه لم تكن المركزية - وحدها - هي السبب وراء ما يُسمى ب»التنمية غير المتوازنة»، بل كانت هناك عوامل أُخرى، من أهمها السرعة في التنمية وعدم وجود خبرات سابقة، كما أن وجود مسؤولين نافذين من أبناء هذه المنطقة أو تلك في بعض القطاعات والأجهزة أسهم في تنمية مناطق دون أخرى!
وإذْ حدث ما حدث، وجاء الإنفاقُ في عقود ماضية غير متوازن، فكيف نتجاوز ما حدث ونتلافى أخطاء الماضي، وقد اكتسبنا الخبرة والتجربة في إدارة التنمية؟! إن المتأمل في واقع التنمية اليوم يدرك حجم التحدي الذي سنواجهه حاضراً ومستقبلاً، إن لم يتم البحث عن حلول استراتيجية نحو إيجاد وتنويع مصادر للدخل دون الاعتماد على النفط وحده. فالمملكة، وكما قال الدكتور غازي القصيبي، في صحيفة «الحياة»، لا تزال دولة ريعية توجه احتياطاتها لدعم الميزانية العامة. وإذا أخذنا بالاعتبار مشكلة الانفجار السكاني، الذي يتضاعف كل عقدين، فإن الأمر يتطلب وبشكل جدي البحث عن حلول لإدارة التنمية بشكل متوازٍ وشامل في حاضرنا ومستقبلنا.
ولأن العمير لم يُسهب في حديثه عن إيجاد الحلول نحو تحقيق تنمية متوازنة، بل اكتفى بالقول إن التخلي عن المركزية سيعمل على تحقيق ما ننشده ونتمناه، لذلك فإني أرى أنه لا حل لما نواجهه اليوم من مشاكل كثيرة ومعقدة، ولن تتحقق التنمية المنشودة والمتوازنة، إلا من خلال استغلال الثروات الطبيعية، المتنوعة والمتوزعة جغرافياً على أغلب مناطق المملكة، وذلك بالاستثمار في الصناعات الأساسية والتعدينية عبر إقامة وإنشاء مدن صناعية في مناطق توفر المواد الخام، بحيث تقوم هذه المدن على المزج فيما بين تجربتي أرامكو وسابك؛ «أرامكو» من حيث ما حققته من تنمية ونهضة للمنطقة الشرقية وما حققته من وحدة وطنية صناعية تعتمد الانتاج، وثقافة اجتماعية صهرت أبناء الوطن الواحد وأكسبتهم روح العمل والتنافس. و«سابك» بما حققته من نجاح باستثمار فائض الغاز لتصبح كياناً ذا دخلٍ سنوي يعادل ضعف الاستثمار الأوّلي فيها، وكذلك ما توالد عنها من صناعات، تحيط بها وتعتمد على منتجاتها الأساسية.
إن إقامة هذه المدن الصناعية يتطلب قيام الدولة بتوفير البُنية التحتية لهذه المدن وسن الأنظمة والقوانين الخاصة، والاستثمار بشكل رئيس فيها، نظراً لضخامة الاستثمارات فيها، وتوجيه قروض صناديق الدولة إلى تلك المناطق والصناعات، وإنشاء مراكز التدريب والمعاهد والكليات لتأهيل الموظفين للعمل في هذه الصناعات المتخصصة.
إنه لو تم العمل بذلك، فإنه من المؤمل أن تتحقق التنمية الشاملة والمتوازنة في جميع مناطق المملكة، وسيتمثل العاملون في تلك الصناعات والدارسون في الكليات والمعاهد الوحدة الوطنية، وسينصهرون في وحدة صناعية وطنية تعتمد الإنتاج. كما أن ذلك سيُمكن من استغلال قدرات الشباب وتوجيهها نحو العمل الإيجابي المفيد والمثمر، لهم ولوطنهم، وسيُشجع ثقافة التنافس فيما بينهم، وإن الفرصة مواتية الآن لتحقيق مثل هذا الهدف السامي، لأسباب عدة من أهمها توفر الاحتياطات الضخمة في هذه البلاد، ورخص الطاقة، والقدرة على استيراد الخبرات، سواءً على مستوى الأفراد أو الشركات بأفضل الشروط وأقل الأسعار، نظراً لتداعيات وآثار الأزمة المالية العالمية، وبالتالي بحث الشركات عن الاستثمارات المنقذة لها، كما أن هذا التوجه يتفق والتوجهات العالمية نحو توطين الصناعات الأساسية في مناطق وجود المواد الخام.
هذا ما أردت التعليق عليه فيما يخص ترتيب أولويات الميزانية العامة والتنمية غير المتوازنة، متمنياً من الباحثين والمختصين في الشأن الاقتصادي أن يدلوا بآرائهم في هذا الموضع المهم، الذي يتناول حاضرنا ومستقبلنا. والله ولي التوفيق.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.