المتحدث إلى الجمهور العريض بكل شرائحه مثل الشيخ أو القس أو المعلم أو ما يمثل مكانة ما في وجدان أفراد المجتمع ينبغي أن يتحلى بالحكمة في حديثه، لأنه يتحدث إلى المجتمع كافة، وليس إلى فئة محددة ومعروفة مدى صحة وسلامة عقلها أو سمات شخصيتها. الناس قد لا يفهمون الموضوع الواحد بنفس القدر وبنفس درجة الاستيعاب، وقد تتفاوت درجات استجاباتهم بحسب انفعالاتهم وإدراكهم للموضوع، وقد يكون من بينهم أشخاص مرضى أو حساسون أو مصابون باضطراب، ما يجعلهم يتصرفون من دون وعي أحياناً. فقد قرأنا وسمعنا كثيراً عن حالات انتحار يرتكبونها بإلقاء أنفسهم طواعية من فوق أحد أبراج مكة أو أحد فنادقها وعمائرها بعد إتمامهم بسعادة بالغة كل شعائر الحج، وبعد أن تركوا رسائل وداع للأسرة يخبرونهم فيها بأنهم مشتاقون للجنة، خصوصاً أنهم «عادوا بعد أداء فريضة الحج كيوم ولدتهم أمهاتهم»، الأمر متعلق بشقين الأول مدى إدراك هؤلاء المستعجلين أنفسهم لفحوى الحج ورسالته ومعنى «عادوا كيوم ولدتهم أمهاتهم»، ومدى سلامتهم النفسية، والثاني متعلق بالدروس التي استوعبوها واعتقدوا بها، ورسخت في عقولهم من شيوخ أو أساتذة شرحوا لهم هذا الأمر بصورة اختلطت في أذهانهم، فأقدموا على ما أقدموا عليه وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. لن أتطرق إلى تعليقات القراء التي أهوى متابعتها ولا على لعنهم وشتمهم وتأكيداتهم بأنهم في النار، فهذا أمر متروك للمولى عز وجل، وإنما الأعمال بالنيات، ونحن البشر مهما بلغ علمنا، لن نعرفهم ولن ندخل في قلوبهم ولا في نياتهم ولا نعرف مستوى قدراتهم العقلية، حتى نؤكد أنهم في النار، ونرفض أن نترحم عليهم. ولا نترك عاقبة سلوكهم لربهم الذي خلقهم. فقد اقتلع رجل إيطالي عينيه من مكانهما أثناء موعظة دينية ألقيت في إحدى الكنائس الإيطالية، تتحدث عن أهمية العفة وعدم النظر بشهوة إلى زوجات الآخرين. وذكرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، أن «ألدو بيانشيني (46 عاماً) وقف فجأة أمام جميع الحاضرين للقداس في الكنيسة الواقعة في بلدة بيسا، وأقدم على اقتلاع عينيه، قائلاً إنه سمع أصواتاً تطلب منه ذلك». وكان قس الكنيسة الأب لورينزو تانغانيللي يلقي عظة دينية يحث فيها أفراد رعيته على أهمية العفة، وعدم النظر بشهوة إلى زوجات الآخرين. وقال الطبيب جينو بارباتشي الذي تولى إسعاف ومعالجة بيانشيني إن «المصاب كان في حال يرثى لها لدى وصوله إلى المستشفى، إذ إنه كان انتزع مقلتيه تماماً من مجريهما، بحيث أنه لم يكن من الممكن إعادة تثبيتهما». من جهته، قال طبيب بيانشيني الشخصي إن «الرجل أخبره بسماع أصوات تطلب منه قلع عينيه إذا أراد الخلاص من ذنوبه وآثامه»، لافتاً إلى أنه «لم يرَ في حياته شيئاً مماثلاً، إذ إن تنفيذ الإنسان بحق جسده أمراً مماثلاً يتطلب قوة خارقة تتخطى قدرة الإنسان». لا أنكر أن بعض الأمراض أو بعض الاضطرابات النفسية تسبب ذلك، وأغلبها تكون ضلالات سمعية وبصرية تعطي أوامر لبعض الأشخاص للقيام بسلوك معين له أهداف محددة يقتنع بها أو يُجبر عليها للتخلص من قوة الأوامر، وكأنها السبيل الوحيد للخلاص، ولكن الخطاب الموجه يجب أن يكون متزناً وحكيماً ومناسباً للجمع المتوقع وجوده في كل زمان ومكان. [email protected] twitter | @s_almashhady