أقلع، بصعوبة، أمس قطار تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة زعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري الذي يُنتظر أن يكلّفه بتشكيلها رئيس الجمهورية ميشال سليمان بعد ظهر اليوم، في نهاية الاستشارات النيابية الملزمة التي بدأها أمس. إذ أن نواب كتل الأكثرية المؤلفة من قوى 14 آذار والمستقلين (71 نائباً) سمى الجزء الأكبر منهم الحريري أمس وسيسميه الباقون منهم اليوم وفق جدول مواعيد الاستشارات التي حددها لهم سليمان. وبينما رفد هذه الاستشارات لتظهير الحكومة المقبلة لقاء مطوّل عقد ليل أول من أمس بين الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله والحريري، علمت «الحياة» أنه كان «أولياً» لجهة البحث في الحكومة المقبلة، على أن يستكمل بعد تكليف الحريري، فإن امتناع كتلتي المعارضة الرئيستين، «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون و «الوفاء للمقاومة» (حزب الله) عن تسمية أي مرشح لرئاسة الحكومة، دفع برئيس البرلمان نبيه بري الى «تعليق» تسميته للحريري خلال الاستشارات، بعدما كان أعلن تأييد ترشيحه للمنصب مرات عدة، شرط أن «تكون الحكومة حكومة توافق ومشاركة حقيقية» وأن كتلته (13 نائباً) لن تشارك في الحكومة إذا لم تكن على هذا الأساس. وعلمت «الحياة» أن بري تقصّد في بيان مكتوب أذاعه بعد خروجه من لقائه وكتلته مع الرئيس سليمان ترك الأمر ملتبساً، مكتفياً بالإشارة الى أنه كان سمى الحريري قبل الانتخابات، لأن الكتلة «مع حكومة وحدة وطنية يذوب من خلالها الشرخ السياسي»، وأنه أبلغ الرئيس سليمان خلال اللقاء أنه سيسمي من يرشح لرئاسة الحكومة «بعدين» (لاحقا). ولم تعطِ دوائر القصر الجمهوري أي تفسير لموقف بري، وأشار بعض من اتصل بها الى أنه لم يُعرف ما هو المقصود منه. وكان العماد عون أعلن أنه لم يسم أحداً «ولم نضع فيتو على أحد»، فيما أعلن النائب محمد رعد باسم كتلة «حزب الله» أنها لم تسم أحداً، إلا أنه أوضح أنه «إذا انتهت الاستشارات بتسمية الشيخ سعد الحريري فسنكون متعاونين لاستكمال الحوار الذي جرى بالأمس» بين الحريري ونصر الله. وكان بيان بري الملتبس، خضع لتفسيرات عدة، إذ أن ما تسرب عن أنه أبلغ رئيس الجمهورية أنه سيسمي مرشحه لاحقاً، مخالف للأصول، خصوصاً أن سليمان مضطر في نهاية الاستشارات بعد ظهر اليوم الى احتساب الأصوات التي نالها الحريري، خصوصاً أن أي كتلة من الكتل الصغرى أو الكبرى في المعارضة لم تسم أي مرشح آخر، وأن الرئاسة لا تستطيع وفق الدستور احتساب الأصوات لمصلحة المرشح إلا إذا سمته الكتلة التي يلتقيها في شكل واضح. ورداً على سؤال ل «الحياة» حول ما إذا كان بري يقصد بالتسمية اللاحقة أن يعطي موافقة كتلته النهائية حين يستدعي سليمان بعد ظهر اليوم الحريري، في حضور رئيس البرلمان (لأن الدستور ينص على اطلاع الرئاسة الأولى، الرئاسة الثانية على نتائج الاستشارات) اكتفت مصادر نيابية متصلة ببري بالقول: «ربما»، مشيرة الى أن عدم وجود جواب حاسم له علاقة بالشرط الذي وضعه بري حول قيام حكومة توافق ومشاركة حقيقية. وسألت «الحياة» المصدر عما إذا كان التباس كتلة بري هو رد فعل على عدم تصويت عدد من أعضاء كتلة «المستقبل» له لرئاسة البرلمان أول من أمس فنفى ذلك. إلا أنه لم ينف أن يكون هدف موقف بري الملتبس وعودته عن تسمية الحريري في وضوح «التناغم» مع موقف الحليفين «حزب الله» و «التيار الوطني الحر». وكان لقاء الحريري مع نصر الله، ليل أول من أمس تطرق الى موضوع الحكومة وعلمت «الحياة» أن الأمين العام ل «حزب الله» كرر طرح مطلب الحزب حصول المعارضة على الثلث +1 (الثلث المعطل) وأن الحريري عرض له أسباب عدم موافقة الأكثرية على هذه الصيغة. ونص بيان صدر عن كل من الحزب ومكتب الحريري في شكل منفصل لكن بالصياغة نفسها على أن البحث تناول الخيارات المطروحة للحكومة الجديدة وتم الاتفاق على مواصلة النقاش مع الإشادة بأجواء التهدئة الإيجابية وتغليب منطق الحوار والتعاون والانفتاح. وسألت مصادر مراقبة عما إذا كان تراجع بري عن تسمية الحريري يعود الى عدم توصل نصر الله والحريري الى توافق على تركيبة الحكومة المقبلة، أو أنه لتأخير تكليفه في انتظار استكماله الحوار مع نصر الله، خصوصاً أن نائبه الشيخ نعيم قاسم كان قال أول من أمس أن «اسم الرئيس المكلف يفترض أن يكون جزءاً لا يتجزأ من الاتفاق على شكل الحكومة وتوزيع الوزارات فيها». كما أن بعض المراقبين سأل عما إذا كان المقصود هو أن يتم تكليف الحريري بأصوات الأكثرية فقط من دون أي كتلة من كتل المعارضة وتحديداً كتلة بري، ليجري لاحقاً إعطاء الثقة للحكومة من الفريقين إذا تشكلت وفق صيغة ترضي قوى المعارضة. لكن أطرافاً أخرى سألت عما إذا كان شيئاً ما حصل على الصعيد الإقليمي استدعى مثل هذا التعديل في الموقف من تكليف الحريري. وكان تصريح بري بعد خروجه من القصر الجمهوري ترك مجالاً للاعتقاد بأنه سمى الحريري بما أنه ذكّر فيه بأنه كان سماه قبل الانتخابات. وحمل هذا الأمر النائب الحريري على الاتصال به بعد عودته من القصر الجمهوري ليشكره على موقفه. وقالت مصادر نيابية أن بري أجابه: «ولو أقل شيء أن نسميك». لكن المعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل أقر في تصريح متلفز ليلاً بأن هناك التباساً. وقال إن موقف الكتلة متروك لرئيس الجمهورية والرئيس بري سيعود غداً الى القصر الرئاسي ليطلع على عدد الأصوات التي نالها المرشح. وأضاف: «قد يحسم موقف الكتلة في ضوء هذا الاجتماع أو في ضوء تبلور المواقف من بيان الكتلة وما سيحصل غداً». وكان مكتب الحريري أصدر بياناً أمس أشار الى أنه بعدما تخطت التسميات التي حازها الحريري في اليوم الاستشارات النيابية نصف عدد النواب يذكر النائب الحريري أنصار تيار «المستقبل» «بضرورة اعتماد المظاهر الحضارية في أي مظاهر احتفالية والتزام القوانين التزاماً صارماً والابتعاد عن أي أسلوب للابتهاج يخالف هذه القوانين، خصوصاً اللجوء الى إطلاق النار».