ماذا بقي من فرص النجاح امام مشاريع باراك اوباما في المنطقة، سواء بالنسبة الى النزاع الفلسطيني الاسرائيلي او بالنسبة الى مشكلة النووي الايراني، بعد نتائج الانتخابات الاخيرة في ايران، وبعد المواقف التصعيدية من جانب حكومة نتانياهو - ليبرمان ضد خطة التسوية الاميركية؟ انتخابات جاءت في الحالتين بالطرفين الاكثر تطرفاً في البلدين. في الحالة الاسرائيلية يمكن القول من غير مجازفة إن وصول اليمين المتطرف كان تعبيراً حقيقياً عن رغبات الاسرائيليين، وكأنه كان رداً مباشراً على انتخاب اوباما قبل ذلك بثلاثة اشهر، واستباقاً لأي تغيير محتمل في سياسة الادارة الجديدة حيال اسرائيل. وفي الحالة الايرانية يمكن القول، من غير مجازفة ايضاً، إن التشكيك بشرعية انتخاب احمدي نجاد يعكس شعور الاكثرية الشعبية في ايران بأن خيارها ليس استمرار المواجهة مع الولاياتالمتحدة والغرب، بل الافادة من فرصة اليد الممدودة من جانب الرئيس الاميركي الجديد، واستخدام لغة الحوار بدلاً من المواجهة، والالتفات الى مشاكل ايران الداخلية بدلاً من الاستمرار في إلهاء الايرانيين عنها بالصراعات الخارجية. امكانات الحركة الديبلوماسية الاميركية محدودة ايضاً في الحالتين. اسرائيل تعتبر ان سياسات حكوماتها لا تخضع للضغوط الخارجية ولو اتت من جانب الحليفة الكبرى الولاياتالمتحدة. واحمدي نجاد من جهته يعتبر ان اوباما فشل في امتحان التعاطي مع ايران، بعد الانتقادات التي وجهها لأعمال القمع ضد التظاهرات الاحتجاجية على نتائج الانتخابات، ففي رأي احمدي نجاد تدخّل الرئيس الاميركي في شأن ايراني داخلي، واصبح في نظر الرئيس الإيراني مثل سلفه جورج بوش. وهكذا فإذا كانت ادارة اوباما تراهن على هذه الانتخابات لانقاذها من مأزق المواجهة مع ايران، من خلال وصول شخصية اكثر استعداداً للحوار، فقد جاءت الازمة الاخيرة لتؤكد ان هذه المواجهة باتت تسير في طريق لا رجعة عنه. لم يكن هناك افضل من هذا المأزق الاميركي الايراني لانقاذ اسرئيل من الضغوط الاميركية. فالخدمات متبادلة بين تطرف الحكم الايراني وتطرف نتانياهو - ليبرمان. وما التصريحات العلنية من جانب السياسيين الاسرائيليين المؤيدة لاصلاحيي ايران الا دليل على ذلك. فقد استغل مؤيدو احمدي نجاد هذه التصريحات للهجوم على الاصلاحيين، كما ساهمت في تعزيز موقف الرئيس الايراني في الداخل بالقدر نفسه الذي ساهم به دعم المرشد الاعلى. حجة الاسرائيليين كانت دائماً ان الخطر الايراني هو الذي يجب ان يثير قلق واشنطن وليس المستوطنات اليهودية او العقبات التي تضعها اسرائيل في طريق السلام. وبالتالي فالضغط على اسرائيل ليس ضغطاً في المكان الصحيح. مناحيم بيغن كان يفاخر دائماً امام الرئيس رونالد ريغان ان الولاياتالمتحدة لا تستطيع أن تتعاطى مع اسرائيل كما تفعل مع جمهوريات الموز في اميركا اللاتينية. اسلوب نتانياهو ليس بهذه الوقاحة اللفظية، الا ان وزير خارجيته ليبرمان تكفل بشن الحملات العلنية على اوباما وسياسته، كما فعل في حديثه الاخير الى مجلة «تايم» الاميركية والذي اعتبر فيه ان مطالبة اوباما حكومة اسرائيل بوقف المستوطنات هي «سياسة خاطئة»، وان الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي ليس في اساس مشاكل المنطقة، بل هو «جزء من صراع اوسع على القيم بين الحضارات»، كما سماه. وبالتالي فحلّ هذا النزاع لا يحل المشاكل التي تواجهها الادارات الاميركية في هذه المنطقة. وهاجم ليبرمان استمرار الغرب في اعتبار الحكم الايراني طرفاً مقبولاً للحوار، وقال إن ذلك يوجه رسالة خاطئة الى العالم «ان الاشخاص السيئين ينتصرون». وهكذا فبقدر ما تقوم سياسة اوباما على تضييق الخلافات الموروثة عن ادارة بوش بين الغرب والعالم الاسلامي، والتي جاء معظمها كنتيجة لآثار اعتداءات 11 سبتمبر، كما حاول ان يفعل في خطابه الاخير في جامعة القاهرة، يسعى الاسرائيليون الى الإبقاء على هذه الخلافات، وخصوصاً تلك التي توحي باستمرار الصراع على حاله بين المعسكرين، وهو ما اشار إليه ليبرمان في حديثه الى مجلة «تايم»، والذي قال فيه إنه لا يوجد اي رابط بين الاعمال الارهابية التي شهدتها نيويورك ولندن ومدريد وبالي وبين النزاع الفلسطيني الاسرائيلي. وبالتالي فالحجة التي تحاول اسرائيل تسويقها هي ان حل النزاع مع الفلسطينيين لا يوقف المخاطر الارهابية. وهي حجة موروثة عن «المحافظين الجدد» يعيد الاسرائيليون انتاجها الآن من جديد في وجه اوباما.