أعادت جائزة نوبل للسلام وهج النجومية للناشطة اليمنية توكل كرمان (32 سنة) بعد أن كاد الإحباط يدهمها جراء انحسار شعبيتها على خلفية اتهامها ب «الشطح «وجر شبان الثورة السلمية إلى التهلكة من خلال تحريكها مسيرات من دون التشاور مع الآخرين أو تقدير النتائج المترتبة ما أدى إلى سقوط ضحايا. غير أن منح كرمان جائزة نوبل للسلام بالتقاسم مع الرئيسة الليبيرية إلين جونسون سيرليف والناشطة الليبيرية ليما غوبوي، أعادها إلى واجهة الاهتمام المحلي والعربي والدولي وهي باتت بمثابة أيقونة لكثيرين في مختلف ساحات الاحتجاج. واستبدل كثيرون من الشبان والشابات صورهم الشخصية على صفحات «فايسبوك» بصورتها في الوقت الذي لا يزال هناك من يبدي ملاحظات على ما يعتقد أنها سلبيات صاحبت مسيرتها النضالية. وتباينت ردود الأفعال في الشارع اليمني على منح الجائزة لتوكل. ففي حين شن الإعلام الرسمي والموالي للنظام حملة ضدها معتبراً أن الجائزة منحت لها لتتآمر على بلدها، عبر جنوبيون عن أسفهم «للسقوط « الذي آلت إليه معايير منح الجائزة معتبرين أن رموز النضال الجنوبي هم من يستحقون هذه الجوائز باعتبارهم السباقين في الاحتجاج السلمي ضد النظام الحاكم في صنعاء عندما بدأوا منذ 2007 يخرجون إلى الشوارع والساحات ويتعرضون للملاحقة. ويذهب البعض في ما يعرف بالحراك الجنوبي السلمي الداعي للانفصال، إلى القول إن الجائزة كافأت المحتلين الشماليين على اعتبار الحاصلة على الجائزة جزءاً من التركيبة السياسية للنظام الشمالي «المحتل» كما يصفه الجنوبيون. وبدا أن وقع المفاجأة الأصعب كان على الناشطات المدنيات الأكبر سناً والأعمق تجربة، خصوصاً اللواتي عرفن بأفكارهن الليبيرالية وعمق تجربتهن في النضال في حقوق المرأة، إذ اعتبر بعضهن أن كرمان خدمتها الصدفة والتوقيت. وتنتمي الناشطة كرمان إلى الجيل الجديد من الإسلاميين العرب وهي تنتسب إلى جماعة «الإخوان المسلمين» وتشغل منصب عضوة مجلس شورى (اللجنة المركزية) ل «تجمع الإصلاح الإسلامي» ووالدها من القادة الأوائل للجماعة في اليمن. ويمكن أن تقدم كرمان نموذجاً للدور المفترض الذي يمكن أن يلعبه الإسلاميون الجدد لجهة إحداث تغيير في فكر وسلوك الحركات الإسلامية بما من شأنه ترسيخ التحول الديموقراطي والاعتراف بالآخر وكبح نزعات العنف. وتمتاز كرمان بشخصية طموحة ومثيرة للجدل. ففي بيئة محافظة إلى حد بعيد، تبدو كرمان الجريئة والمصرة على تحقيق هدفها بأي ثمن، امرأة قيادية وواحدة من أشرس المعارضين للرئيس علي عبدالله صالح. أولى إطلالات كرمان جاءت عبر مقالات صحافية «نارية» كانت تنشرها في صحيفة «الحزب الاشتراكي» الذي بقي عقوداً يعد العدو الرقم 1 لجماعة الإخوان المسلمين. هكذا غدت كرمان أحد عناوين مرحلة التقارب بين الإسلاميين والاشتراكيين، وهو التقارب الذي كان من نتائجه حدوث زعزعة في إيديولوجيات متصادمة وتبدل في نظرة كل طرف للآخر ليتوج في نهاية المطاف بتشكيل «اللقاء المشترك»، وهو تحالف معارض يجمع أحزاباً إسلامية ويسارية وقومية. لكن كرمان ما لبثت أن أبدت تمرداً على الهيكلية الحزبية متكئة على الشعبية التي أخذت تحصدها في أوساط الشباب الذين نزلوا إلى الساحات والميادين للمطالبة بإسقاط نظام صالح، وتعززت شعبيتها مع تعرضها للاعتقال. ومع تكرر الأخطاء التي اتهمت كرمان بارتكابها ومنها تحريك مسيرات مرتجلة أدت إلى سقوط قتلى وجرحى على غرار ما حدث في مسيرة الزحف إلى مبنى مجلس الوزراء في أيار (مايو) الماضي، أخذ نجم كرمان يخبو وتصاعدت حدة الانتقادات الموجهة إليها حتى أن بعض الأصوات علت تطالب بمحاكمتها، بل إن ما يشبه المحاكمة أو المحاسبة جرى على مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت. ولعل ابرز الإخفاقات التي واجهتها كرمان تمثل في إعلانها مجلساً انتقالياً للثورة لم يحز أي رضا أو تجاوب حتى بين المكونات الشبابية. لكن ما يحسب لها فعلاً هو تمردها على الطاعة الحزبية وقدرتها على قول «لا» حتى داخل حزبها. وشهدت مسيرة كرمان قفزات متسارعة وكبيرة أبرزها تخليها عن النقاب ونقل نشاط منظمات المجتمع المدني إلى الشارع من خلال الاعتصام الأسبوعي الذي كانت تنظمه مع شركاء لها في ساحة مجلس الوزراء ما جعلها ناشطة ميدانية أكثر منها سياسية. ولا شك في أن حصول كرمان على نوبل للسلام من شأنه الارتقاء بخطابها باتجاه العقلانية والتسامح والحوار وهو ما بدأته أصلاً، في وقت يعول عليها كثيرون للعب دور في التقارب بين السنة والشيعة والإسلاميين والعلمانيين. ومنح هذا التوجه دفعة جديدة تؤسس لثقافة التعايش والحوار بدلاً من ثقافة الإقصاء والإلغاء التي تسيطر على سلوك مختلف القوى السياسية. وتكمن أهمية الجائزة في كونها تعطي محفزاً قوياً للشباب الإسلامي على الانفتاح على العالم والغرب خصوصاً.