حاولت مؤسسات ومعاهد الصحة العامة بطرق متعددة مكافحة مرض الملاريا لكن من دون التوصل الى نتائج فاعلة ومضمونة مئة في المئة حتى الآن، وراوحت هذه التقنيات بين تجفيف المستنقعات واستخدام المضادات الحشرية مروراً بتوزيع العقاقير الوقائية على السكان المعرضين للاصابة بالملاريا حيث يكثر انتشار البعوض والطفيليات، وانتهاء بآخر طريقة بدأ تجريبها في الهند وتتمثل بتربية الأسماك في المستنقعات التي تتغذى بالبعوض وتقضي عليه وتوفر للسكان في الوقت نفسه مصدراً غذائياً غنياً بالبروتينات. اليوم يأمل العلماء بإشراك البعوض في معركة مكافحة الملاريا، عن طريق التحكم بجينات هذه الحشرة بغية قتل الطفيليات التي تحملها بدلاً من نقلها الى الانسان. وسجل فريق من الباحثين الأوروبيين خطوة عملاقة في هذا الاتجاه من خلال اكتشافهم ثلاث جينات تحدد كيفية تفاعل أو عدم تفاعل النظام المناعي للحشرة مع الطفيليات. ومن شأن هذا الاكتشاف الذي تردد صداه في المجلات العلمية ان يفتح الطريق واسعاً أمام تطوير مواد كيماوية تمنع هذه الجينات من حماية الطفيليات. ويعتبر الاختصاصي الشهير في معالجة الأمراض السارية في المعهد العالي للصحة العامة في مدينة بلتيمور الأميركية ان توقيت الاستعانة بالهندسة الحيوية جاء في اللحظة المناسبة لمكافحة مرض الملاريا، حيث لاحظ الباحثون ان الحشرات أصبحت تقاوم بشكل مضطرد المبيدات في حين أخذت الطفيليات تظهر مقاومة متزايدة حيال العقاقير والأدوية، إضافة الى سوء استخدام مضادات الحشرات الفاعلة في مكافحة البعوض والطفيليات. ولهذه الأسباب يعتقد بعض الاختصاصيين بأن عدد الوفيات الناتجة عن الاصابة بمرض الملاريا سيصل الى 3 ملايين شخص من الآن وحتى العام 2020 في مقابل مليون شخص سنوياً حالياً معظمهم من الأطفال، ما لم تتقدم الأبحاث. وبالفعل استفاد العلماء من نشر الخريطة الجينية الكاملة لحشرة البعوض والطفيليات المسؤولة عن مرض الملاريا وبدأوا يدرسون امكان اللجوء الى تقنية التحريض الجيني لمكافحة الملاريا والأمراض الطفيلية. وتوصل فريق من الباحثين الى تطوير أول بعوضة محرضة جينياً، حيث عُدّلت احدى الجينات كي تستطيع تدمير الطفيليات التي تحملها ومع ذلك لم يستطع العنصر الحيوي الكيماوي الذي تفرزه هذه الجينة تصفية كل الطفيليات ما يبعث على الاعتقاد بأن هذه الطفيليات تتطور بطريقة تمكنها من مقاومة هذه المادة الحيوية الكيماوية، وانطلاقاً من هذه المعطيات عالج فريق من الباحثين الأوروبيين في مختبر البيولوجيا الجزيئية في مدينة هايدلبرغ الألمانية المشكلة بطريقة مختلفة وانطلقوا من أبحاث سابقة أظهرت ان النظام المناعي لحشرة البعوض قادر على رصد وجود الطفيليات ولكن من دون معرفة كيفية خداع الطفيليات لنظام المناعة ومرورها كجسم غير ضار. وهكذا قام فريق الباحثين الأوروبيين بعزل الجينات المسؤولة عن هذا التفاعل مع النظام المناعي ثم لقّحوا البعوضة بطفيلي يولد العدوى لدى القوارض يقوم مقام الطفيلي الناقل للملاريا وهذا ما مكنهم من تحديد هوية الجينات الثلاث المتورطة في رد الفعل المناعي لدى البعوضة، وقد تبين ان إبطال عمل احدى هذه الجينات يسرّع انتاج هذه الطفيليات، وهي الجينة الواقية. وفوجئ الباحثون عندما وجدوا ان إبطال مفعول الجينتين الاخريين يبطئ انتاج الطفيليات، لكنهما مفيدتان للفيروسات اذ تولدان البروتينات التي تدمرها الطفيليات لتسهيل انتاجها. ومن هنا فإن إبطال مفعولها أو نشاطها يقلص انتشار الفيروسات في شكل ملحوظ. وعلى رغم أهمية هذا الاكتشاف لا يزال أمام الباحثين والعلماء الكثير من العمل لتحويل كل ذلك الى نتائج ملموسة قد لا يطول انتظارها حيث يواصل عدد كبير من الباحثين والعلماء التعمق في تقنية تحريض البعوض جينياً وفي مقدمهم قسم الأمراض الاستوائية في جامعة ليفربول البريطانية