تضم المياه الاقليمية لدولة الامارات العربية المتحدة اكثر من 200 جزيرة متباينة الحجم والشكل والتكوين كما تتباين في أهميتها الاقتصادية والاستيطانية والاستراتيجية، فبعضها يقترب من خط الساحل الى حد الالتصاق به باستثناء أوقات ارتفاع المد البحري، في حين يبتعد البعض منها عشرات الكيلومترات وهذه استثمرت عبر الزمن كمحطات استراحة تلجأ اليها السفن أثناء هبوب الأعاصير الموسمية، مثل جزر أبو موسى وطنب الكبرى ودلما وداس وأرزنة وزركوه، واستخدم معظمها لاحقاً كموانئ لتصدير النفط. واللافت أن غالبية هذه الجزر تكونت بفعل ترسبات البحر والتيارات المائية القوية، وهي في الغالب عبارة عن حواجز مرجانية وطمي بحري متراكم. بدأ الاهتمام بالجزر البحرية في الإمارات مع بروز ضرورات تقنية خاصة بصناعة النفط، مثلما هي الحال في جزيرة ام النار الصناعية وجزيرة السعديات التي تحولت إلى محطة تجارب زراعية، ودلما وصير بني ياس اللتين أصبحتا مواقعين سياحيين وسكنيين. لكن اهم مشروع للاهتمام بالجزر البحرية وجعلها قابلة للاستخدام لأكثر من غرض كان في جزيرة أبوظبي التي تحمل فوق ظهرها عاصمة البلاد. فحتى منتصف القرن التاسع عشر لم تكن هذه الجزيرة سوى مجموعة من السبخات البحرية معزولة عن البر الرئيسي تسرح فيها بعض قطعان المها العربي الوضيحي. وتبيّن المصادر التاريخية أن الثقل السكاني لسكان الإمارات كان على الدوام في الشريط الساحلي، وبالذات عند الأخوار البحرية، في حين تتناثر التجمعات السكانية في داخل البلاد على مسافة بعيدة عن بعضها بعضاً في دراسة ميدانية نشرها الباحث محمد متولي عام 1974 في القاهرة ورد ما مفاده ان عدد الجزر المأهولة في ذلك الوقت هو ست جزر وان نسبة السكان فيها بالنسبة إلى التعداد العام من السكان هو 1 في المئة، وحملت الدراسة عنوان "حوض الخليج العربي". وفي موقع آخر تستوقف القارئ احصائية أخرى لافتة حول عدد السكان في دبي فيقول الباحث إن البدو في مدينة دبي يمثلون ما نسبته 1,8 في المئة في حين 92,2 في المئة من المقيمين والقادمين كمهاجرين أتوا من بلدان مجاورة وبعيدة. اليوم تستوقف المهتمين تلك الورش الضخمة العاملة بدأب منذ مطلع التسعينات على صنع مساحات برية جديدة فوق سطح مياه الخليج وعلى امتداد الشواطئ الخاصة بالبلاد. ولم يعد الأمر قاصرا على امارة أبوظبي التي شهدت الكثير من أعمال الردم منذ عقود، أولها كان في الجزيرة التي قامت عليها العاصمة، بل اصبح تغيير معالم الشواطئ واعادة رسم جغرافيتها جزءاً من تفاصيل الحياة اليومية في البلاد مثلما هي الحال بالنسبة إلى الشاحنات الضخمة المحملة بالصخور والأتربة والرمال والتي تنقل على مدار الساعة أطناناً منها نحو الساحل من مواقع المحاجر والمقالع في بطن المناطق الجبلية الوعرة من إمارتي رأس الخيمة والفجيرة حتى ان طريقاً داخلياً يعبر العمق الصحراوي اُقيم خصيصاً لتأمين مرور آلاف الشاحنات يومياً من دون التسبب بأضرار لحركة المرور بعد ضغوط من وسائل الاعلام والسكان على حد سواء. وتلعب جزر معينة دوراً في حماية البيئة والحفاظ على عدد من الحيوانات النادرة، كما هي الحال بالنسبة إلى جزيرة أبو الأبيض التي تعتبر أفضل محمية طبيعية للطيور المهاجرة والمقيمة في منطقة الخليج، كذلك هي الأكبر مساحة بين الجزر، إذ يبلغ طولها 35 كيلومتراً وموقعها على شكل مستطيل مواز للساحل واقيمت عليها مراكز مراقبة للطيور والسلاحف. وفي جزيرة السمالية يولي نادي تراث الإمارات برئاسة الشيخ سلطان بن زايد رئيس النادي ومؤسسه أهمية خاصة لتحسين البيئة العامة فيها، وتعيش الآن على أرضها مجموعة قيمة من الخيول والابل. وكان ضرورياً ومكلفاً تحسين تربتها السبخية الهشة لإقامة منشآت متعددة فوق أرضها. والسمالية جزيرة كبيرة أيضاً مساحتها بحدود 25 كلم مربع لكنها غير مأهولة. وفي الوقت الذي تحقق فيه جزيرة صير بني ياس التي أولاها رئيس الدولة عناية خاصة ومكلفة هي الأخرى بهدف تحويلها الى محمية طبيعية تعيش على أرضها قطعان من الأنواع المهددة بالانقراض وتحوز اعجاب المجتمع البيئي العالمي وتزورها وفود سياحية ومتخصصة للتعرف الى ما يقترب من الاعجاز البيئي، فإن جزراً اخرى بقيت خارج نطاق الاهتمام حتى مطلع التسعينات عندما بدأ الحديث عن احاطة جزيرة ابوظبي بحزام من المشاريع السياحية والترفيهية وهذه المرة في الشواطئ. ومن المشاريع الضخمة للردم وانشاء يابسة اضافية امام منطقة كورنيش أبوظبي كان مشروع جزيرة اللؤلؤ بعد الاعلان عن مشروع اقامة أكبر مدينة ترفيه والعاب في العالم العربي تحت اسم "آراب ديزني لاند"، بالتعاون مع الشركات العالمية المتخصصة، إضافة طبعاً إلى شركة "ديزني" نفسها. وبالفعل بدأ العمل بوتيرة سريعة في ردم المنطقة المختارة، إلا أن ظروفاً قاهرة أوقفت العمل لفترة بعدما تبين تسرب مياه البحر الى السطح في أرض الجزيرة وعدم صلاحيتها لاقامة المدينة المذكورة، لكن الاستعانة بشركات عالمية متخصصة منها بعض الشركات الهولندية ذات الخبرة الطويلة في ردم المستنقعات اعاد الحياة إلى المشروع، لا بل جرى التوسع به الى حد كبير، فمنطقة كاسر الأمواج، كما يسميها أهل المكان الآن تتسع مساحة بملايين الأمتار والعمل مستمر وفوقها مجمعات تسوق وأندية مارينا بحرية ومطاعم ومرافق للتسلية والألعاب وقرية تراثية، لكن الهدف من اكتساح البحر امام مدينة أبوظبي ابعد بكثير من مجرد صنع مساحات اضافية او تغيير معالم شواطئ بمعدل مرة كل ثلاثة أعوام، انه الدفاع عن حواف الجزيرة وابعاد عوامل التعرية وتسرب المياه المالحة الى يابستها بما يهدد البنى التحتية والمعمار الشاهق فوقها في حين تؤكد الجهات المختصة اكتفاء العاصمة من المعمار السكني الشاهق والاتجاه نحو البر الظبياني الكبير بإقامة المدن السكنية الحديثة لاستيعاب الكثافة السكانية المتزايدة من ابناء البلاد والعمالة الوافدة على السواء وتحويل الجزيرة خلال سنوات قليلة الى موقع سياحي ومركز اعمال بالدرجة الأولى، كذلك تخفيف الضغط عن كاهل الجزيرة المثقلة بالمعمار. جزر دبي الإمارة الصغيرة المساحة قياساً إلى المساحة العامة للدولة مساحتها 3900 كلم مربع لها أفكارها الخاصة في مسألة الردم وإنشاء الجزر الصناعية ويبدو ان نجاح مشروع فندق "برج العرب" المقام على جزيرة صناعية قبالةشواطىء المدينة فتح شهية القائمين على ادارة الاستثمار في الإمارة يتردد ان برج العرب بيع لمستثمرين من أبوظبي أخيراً. المتابع لأعمال التطوير والتغيير في دبي خلال الثلاثين عاماً الماضية لا بد أن يلحظ ذلك التمدد العمراني المذهل في مناطق كانت مقفرة حتى سنوات قليلة مثل الامتداد الرملي بين المدينة ومنطقة جبل علي الصناعية ومينائها فمدن جديدة قامت في زمن قياسي لاستيعاب العمالة القادمة الى المنطقة الحرة في الإمارة، حتى ان الحصول على أراض جديدة للبناء عليها من أبناء الإمارة يكاد يكون مستحيلاً، ومشكلة دبي مع ضيق المساحة قديمة وتعود الى النمو التجاري المتسارع فيها. ويلاحظ من خرائط تطور دبي الموضوعة على مراحل منذ الستينات من القرن الماضي ان المساحة التجارية ارتفعت من 0.2 في المئة 1960 الى 0,7 في المئة عام 1970 لتقفز بعدها الى 2,6 كلم مربع عام 1985، اضيف اليها 4 كلم مربع عام 1990 بعد تأهيل مناطق ساحلية منها. واستمر القطاع بالتنامي الى 20 ضعفاً بحلول التسعينات، واجتاحت حمى مراكز التسوق الكبرى ارض المدينة فلم يعد ممكنا اقامة المجمعات السكنية بالمواصفات المتعارف عليها الفيلل، وبعدما كانت المساحة الحضرية في دبي لا تتجاوز الكيلومتر المربع الواحد على ضفتي خور دبي بداية القرن التاسع عشر بلغت 110 كيلومترات بحلول عام 1985. وامتد المعمار فوق الشاطئ المكشوف في مناطق شمال جبل علي والنجمة وشيكاغو بيتش والجميرا وأم سقيم وزعبيل والسطوة ومدينة بدر والراشدية والرمول والقرهود والصفية والقصيص وهور العنز وغيرها. وعلق الدكتور عبدالحميد غنيم في دراسة مطولة ودقيقة نشرتها جامعة الإمارات حول جغرافيا العمران والتخطيط البيئي لدولة الإمارات على خطط جون هاريس عضو الجمعية الملكية البريطانية للمهندسين الذي عمل مستشاراً لبلدية دبي سنوات عدة ووضع خططاً للنمو الحضري في الإمارة، قال غنيم: "وجدت دبي نفسها امام مأزق أظهر الكثير من المشكلات الديموغرافية والاجتماعية والإدارية بسبب النمو الحضري غير المتوقع ونتيجة القصور في بعض البرامج التخطيطية المتبناة، وهكذا اجتازت المدينة المشكلة بوضع خطة انقاذ عام 1969 من قبل هاريس نفسه أخذت في الاعتبار ضرورة توفير مرافق خدمية وترفيهية للمدينة، مثل المواقف الخاصة بالسيارات وحدائق الأحياء وإقامة المزيد من الجسور فوق خور دبي وتوسعات المطار. ولكن مرة اخرى يفلت الزمام من بين يدي هاريس وخطته فتعهد الإمارة الى مؤسسة "دوكسيادس" عام 1985 برسم مخطط تطوير شامل للمدينة وضواحيها. وللمرة الأولى تؤخذ البيئة الريفية للإمارة بعين الاهتمام. ومن بين النقاط المهمة في خطة "دوكسيادس" اقتراحات تخص منطقة شاطئ الجميرا باعتباره من أغلى الأماكن الترفيهية في المدينة، وهو معرض لحركة قوية من المد والجزر والتيارات البحرية اضافة الى التلوث اللاحق به من مخلفات مينائي جبل علي وراشد.. وتجدر الإشارة هنا الى ان كلاً من شركات "يوبانك" الاستشارية و"ستانكلاتذكوكس" و"الإمارات للتطوير العالمية المحدودة" و"شركات بريان وورهر" قدمت مجتمعة خطة تطوير المناطق الصناعية في دبي عام 1981، ويقال بأن هذه الخطة التي تحفظ المسؤولون في دبي على نشرها هي الجاري تنفيذها منذ ذلك الوقت، ويتعلق جزء كبير منها بأعمال الردم والجزر الاصطناعية مثل مشاريع جزيرة النخلة 1 و2، كذلك مشروع "جزر العالم" الذي سيضيف للإمارة ملايين الأمتار المربعة التي تعرض للبيع بأسعار عالية جداً وتعد بمجمعات سكنية هي الأفخم والأغلى في المنطقة. وتقول مصادر "إعمار"، كبرى شركات الاستثمار العقاري في الإمارة ، إن مساحات كثيرة بيعت لمستثمرين خليجيين ومحليين وبعض العرب حتى من قبل ان يبدأ الردم. وتراهن الإمارة على تنامي قناعة لدى العامة من ابناء الإمارة تدفعهم إلى شراء الشقق الفخمة خلال السنوات المقبلة بدلاً من الإصرار على الحصول على قطعة أرض مناسبة في المدينة وضواحيها، خصوصاً أن نزوحاً ملموساً من مناطق داخلية في الإمارات الشمالية نحو الساحل بات لافتا الآن بسبب توافر فرص العمل الخاص والحكومي لجيل من الخريجين في منشآت الإمارة على تنوعها. وسيكون من الصعب الحديث الآن عن المدى الزمني الذي يخدم دبي الآن في توسعاتها فوق مياهها الإقليمية لكن خبراء في شؤون البيئة وجغرافيا التخطيط العمراني يبدون مخاوف من ازدياد اعمال الردم وتغيير معالم البيئة البحرية بصورة جذرية في المنطقة مع تفهمهم للأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الحكومة لتنفيذ هذه المشاريع المكلفة وغير العادية. الشارقة ورأس الخيمة بين دبي والشارقة مساحات من الأراضي كانت خالية حتى مطلع التسعينات وهي عبارة عن مستنقعات وممرات تجتاحها مياه المد البحري، لكن الشارقة التي عاشت انتعاشاً عقارياً بسبب ارتفاع قيمة الإيجارات في جارتها دبي رأت ضرورة استقطاب بعض رؤوس الأموال الخليجية نحو هذا القطاع، لكن بعد توفير الأراضي المناسبة. وهكذا أعادت تأهيل أكثر من أربعة ملايين متر مربع من سبخاتها وشواطئها عن طريق الدك والردم لتقوم مدينة جديدة من الأبراج السكنية الشاهقة يملك معظمها خليجيون. واشترى كثيرون من العرب شققاً فيها إضافة الى العديد من مجمعات التسوق والفنادق والشقق المفروشة. أما رأس الخيمة، مصدر معظم الردم ومواد البناء وعلى رأسها الاسمنت بأنواعه، فإنها تنبهت أخيراً إلى ضرورة اصلاح الكثير من مناطقها المهملة وبالفعل يتم العمل بوتيرة سريعة جداً لإنهاء دك وردم أكثر من ستة ملايين متر مربع في مناطق الندود والجزيرة الحمرا ورأس الخور، ويتردد ان الشيخ سعود القاسمي ولي العهد الجديد في الإمارة متحمس جداً لتحقيق نمو سياحي واقتصادي في الإمارات بعد ركود طويل وانه سيوظف عائدات عقود تزويد دبي بما تحتاج لجزرها الصناعية في استقطاب استثمارات سياحية كبيرة وتوفير أراض بديلة للمتضررين من تآكل جبال الإمارة