ان التوصل الى استهداف الخلايا المصابة فقط بالسرطان تقنية لا يزال يحلم بها الأطباء لتجنب تخريب الأنسجة السليمة بسبب العلاج الكيماوي وإراحة المريض من الأعراض الجانبية المرهقة، ويبدو ان هذا الحلم سيتحقق خلال مدة لن تتجاوز العام 2010 على أبعد تقدير، بفضل التوصل الى كريات دقيقة جداً تحتضن العقار ويمكن تفعيلها عن بعد بعد زرقها في الخلايا المصابة وهي قادرة على تدميرها أو معالجتها، ما يفتح الباب واسعاً أمام عقد جديد للاستشفاء من هذا المرض الخبيث. ويعود الفضل في ذلك الى التعاون بين الاستاذة في الكيمياء والهندسة الكهربائية الدكتورة هالاس وزميلتها الدكتورة ويست المختصة في الهندسة الحيوية في جامعة هيوستن الاميركية وقد استفادتا مع فريق العمل المؤلف من الطلبة من دعم الجمعية الوطنية للعلوم التي قدمت لهم جائزة التجديد المقدرة بثلاثة ملايين دولار. وهكذا استطاعت هالاس تطوير الكريات المصنوعة من رمل الصوان المغلفة بالذهب والتي لا يتجاوز قطرها بضعة أجزاء من المليون من الميليمتر، وتتفاعل هذه الكريات بشكل متفرد مع الضوء. وقد لاحظت هالاس انها تقوم هي بدورها ايضاً ببث الضوء تحت تأثير الليزر، لكن بأطوال مختلفة ويتفاوت طول الموجة بشكل دقيق ومحدد تبعاً لطول نواة رمل الصوان وسماكة طبقة الذهب، وقد استخدمت ويست هذه الخاصية على الفور معتبرة انه لدى وصول هذه الذرات الى الخلايا السرطانية بدرجة حرارة طبيعية، أي 37 درجة يمكن رفع حرارتها بمعدل عشر درجات وهكذا تصبح قادرة على تدمير الورم السرطاني نظراً الى عجز الخلايا السرطانية عن تحمل مثل هذه الدرجة من الحرارة. ولكن كيف التوصل الى تطبيق هذه النظرية؟ استفاد فريق الباحثين من الخصائص السلوكية التي تتميز بها الأورام، وهي عندما يصل قطر الورم الى الميليمتر يبدأ بانتاج الأوعية الدموية اللازم لتغذيته. ولاختبار هذه الكريات قامت الباحثتان الاميركيتان بحقنها على مقربة من أورام انسانية تم زرعها مسبقاً لدى الفئران، وبعد أقل من نصف ساعة التصقت الكريات بالورم بفضل احتجاز الأوعية الدموية التي تنتجها الأورام لجزيئات اكبر من تلك التي تسيل في الأوعية الدموية في الخلايا السليمة ما يجعلها أقل نفاذاً. ثم قام العلماء في مرحلة ثانية بتسليط الليزر القريب من الأشعة تحت الحمراء على الورم عبر الجلد بقوة 4 واطات للسنتيمتر المربع الواحد، أي بقوة تكفي للوصول الى الكريات المحقونة ورفع حرارتها لأكثر من 30 درجة مئوية، لكن من دون خدش وتمزيق الأنسجة المجاورة، وتبين بعد هذا الاختبار ان الورم قد تخرب بعد دقائق معدودة. ودفع هذا النجاح فريق الباحثين الى تحسين عملية استهداف الورم عن طريق الزرع في سطح هذه الكريات بمركبات دقيقة جداً تتثبت على المواد التي تنتجها الخلايا المصابة بالسرطان بوفرة وذلك لتسهيل تكون الأوعية الدموية للأورام. وتأمل الشركة التي سجلت الاختراع Nanos Spectra ببدء الاختبارات السريرية على الانسان خلال عام على أبعد تقدير على ان يقتصر الأمر في البداية على علاج سرطان الثدي والجلد والغدد لأن مدى اشعة الليزر تحت الحمراء لا يصل لعمق يتجاوز الثلاثة الى أربعة سنتيمترات، بانتظار ان يتم التوصل الى تقنيات تتيح وصول أشعة الليزر تحت الحمراء الى العمق الذي توجد فيه الأورام السرطانية. وهناك فريق آخر في جامعة بفالو في ولاية نيويورك من اخصائيي الكيمياء الحيوية يعملون على طريقة اخرى لتفعيل هذه الكريات عن بعد في علاج السرطانات وتستند الى استخدام كريات مصنوعة من أكسيد الحديد مغلفة بطبقة من رمل الصوان وتتم تغطية المجموع بطبقة من الصمغ الصناعي للحيلولة دون رؤية الجهاز المناعي لهذه الكريات التي تتمسك وتعلق بالخلايا السرطانية، واجريت التجارب الأولى عن طريق استخدام هرمون ذكري LH - RH الذي تحبذه الخلايا السرطانية في الثدي ويمكن تثبيت مضادات الأجسام على سطح هذه الكريات التي تحتوي العقار ويعمد الخبراء في هذه الحالة الى استغلال الخصائص المغناطيسية للذرات، أما التطبيق العملي فيقوم على حقن الكريات في أوعية الدورة الدموية بالقرب من الأورام ومراقبة وصولها الى المنطقة المستهدفة بواسطة التصوير الطبي نظراً لاحتواء الكريات على مادة فوسفورية وتعريض المنطقة في ما بعد للحقل المغناطيسي بواسطة تقنية الرنين المغناطيسي. ان هذه التقنية توفر تعديل اتجاه العقاقير المحقونة وتطلب التوازن في التفاعلات الكيماوية الجارية في الخلايا السرطانية ما يؤدي بشكل أكيد الى تدميرها. ويجنب المريض الكثير من الأعراف الجانبية الناتجة عن تراكم ذرات العقاقير الكيماوية في الكبد والكلى والطحال