وزير الصناعة الثروة المعدنية يبدأ زيارة رسمية إلى دولة الكويت    351 مليار ريال تسهيلات المصارف وشركات التمويل للمنشآت    السعودية أمام محكمة العدل الدولية: إسرائيل تعتبر نفسها فوق القانون    وزير الخارجية يصل قطر في زيارة رسمية    «الشورى» يناقش مواضيع الطاقة والإعلام.. وعضو يطالب بحظر المنتجات البلاستيكية    أولى رحلات مبادرة "طريق مكة" تغادر من تركيا إلى المدينة المنورة    للعام السابع.. استمرار تنفيذ مبادرة طريق مكة في 7 دول    أمير جازان يستقبل مدير فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة    نوفو نورديسك ولايفيرا توقعان مذكرة تفاهم لتمكين إنتاج مستحضرات سيماغلوتايد الپپتيد-1    عبدالعزيز بن عيّاف: مبادرة سمو ولي العهد تؤكد الخطى الثابتة للقيادة بتحويل الأقوال إلى أفعال    "هيئة تطوير حائل" تنضم رسمياً إلى الشبكة العالمية للمراصد الحضرية التابعة للأمم المتحدة    محمد بن ناصر يتسلّم التقرير الختامي لفعاليات مهرجان "شتاء جازان 2025"    تجمع القصيم يفعّل برامج تحصينية شاملة استعدادًا لموسم الحج 1446ه    وزير الاستثمار يلتقي قطاع الأعمال بغرفة الشرقية    أولى رحلات المستفيدين من مبادرة طريق مكة تغادر مطار حضرة شاه الدولي ببنجلاديش    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس المحكمة العامة بالقطيف    محمد بن ناصر يرعى حفل تخريج الدفعة ال20 من طلبة جامعة جازان    نجاح أول عملية زراعة كلى بمدينة الملك سعود الطبية    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة "من جمهورية باكستان الإسلامية    انطلاق برنامج "أخصائي الاتصال التنموي" لتعزيز قدرات القطاع غير الربحي    مدير مكتب صحيفة "الرأي" بجازان يحتفل بتخرج نجله مجاهد من قسم الهندسة الكيميائية بجامعة جازان    Saudi Signage & Labelling Expo يعود إلى الرياض لدعم الابتكار في سوق اللافتات في المملكة العربية السعودية البالغة قيمته 492 مليون دولار    "الصحة" تطلق المسح الصحي العالمي 2025    قوات الاحتلال تنفّذ عمليات هدم في رام الله والخليل    الفريق الفتحاوي يواصل استعداداته لمواجهة الشباب.. وقوميز يعقد مؤتمرًا صحفيًا    كشف النقاب عن مشروع «أرض التجارب لمستقبل النقل» في السعودية    رياح و امطار على عدة اجزاء من مناطق المملكة    المخزونات الغذائية والطبية تتناقص بشكل خطير في غزة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية    الهدد وصل منطقة جازان.. الأمانة العامة تعلن رسميًا عن الشوارع والأحياء التي تشملها خطة إزالة العشوائيات    توجّه دولي يضع نهاية لزمن الميليشيات.. عون:.. الجيش اللبناني وحده الضامن للحدود والقرار بيد الدولة    النصر يتوج بكأس دوري أبطال آسيا الإلكترونية للنخبة 2025    الضيف وضيفه    المنتخب السعودي للخماسي الحديث يستعد لبطولة اتحاد غرب آسيا    زواجات أملج .. أرواح تتلاقى    أمير المدينة يدشّن مرافق المتحف الدولي للسيرة النبوية    الأمير فيصل بن سلمان:"لجنة البحوث" تعزز توثيق التاريخ الوطني    نادي الثقبة لكرة قدم الصالات تحت 20 سنة إلى الدوري الممتاز    في الجولة 31 من يلو.. نيوم لحسم اللقب.. والحزم للاقتراب من الوصافة    كلاسيكو نار في نصف نهائي نخبة آسيا للأبطال.. الأهلي والهلال.. قمة سعودية لحجز مقعد في المباراة الختامية    رافينيا: تلقيت عرضا مغريا من الدوري السعودي    بوتين يعلن هدنة مؤقتة في ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي    الانتخابات العراقية بين تعقيدات الخريطة وضغوط المال والسلاح    أمير مكة: دعم سخي يؤكد تلمس حاجات المواطن    حكاية أطفال الأنابيب (2)    محافظ محايل يكرم العاملين والشركاء في مبادرة "أجاويد 3"    انطلاق ملتقى "عين على المستقبل" في نسخته الثانية    شذرات من الفلكلور العالمي يعرف بالفن    مكونات صحة سكانية ترفع الأعمار    مكتبة الملك عبدالعزيز تعقد ندوة "مؤلف وقارئ بين ثنايا الكتب"    تدشين 9 مسارات جديدة ضمن شبكة "حافلات المدينة"    الرياض تستضيف الاجتماع الدولي لمراكز التميز لمكافحة الإرهاب    أمير منطقة جازان يستقبل قائد قوة أمن المنشآت المعيّن حديثًا بالمنطقة    جامعة جدة تحتفي بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها وطالباتها    جامعة الأمير سلطان تطلق أول برنامج بكالوريوس في "اللغة والإعلام" لتهيئة قادة المستقبل في الإعلام الرقمي    بتوجيه من ولي العهد.. إطلاق اسم "مطلب النفيسة" على أحد شوارع الرياض    السعودية تمتلك تجارب رائدة في تعزيز ممارسات الصيد    مدير الجوازات يستعرض خطة أعمال موسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية أميركا للحدود ... واللاجئين : من هنري كيسنجر الى جورج دبليو بوش
نشر في الحياة يوم 26 - 04 - 2004

هل صحيح ان التعهدات التي قدّمها الرئيس الأميركي جورج بوش باسم بلاده الى رئيس وزراء اسرائيل شارون تعتبر بمثابة انقلاب في الموقف الأميركي؟
وهل صحيح انها أشبه بموقف تأسيسي أميركي لمقاربة المسألة الفلسطينية، وتحديداً في مسألتي الحدود واللاجئين، ولذا اعتبرت "وعداً" جديداً يشابه وعد بلفور عام 1917؟ بمعنى آخر: هل ان رسالة بوش الى شارون شكّلت موقفاً أميركياً جديداً ام انها مجرد "تتويج" للموقف الأميركي في مراحله التاريخية المختلفة من موضوع اللاجئين وموضوع الحدود؟
إن الضجة والصيحات التي شهدها العالم العربي ولا يزال تشير الى أمرين خطيرين: دراما الذاكرة السياسية العربية وحمى مرض التكرار! وبالفعل فإن قصر الذاكرة العربية وقصورها والترداد "الببغائي" لكلمات وقرارات ونصوص خارج معانيها، بل بما يخالف هذه المعاني، هي مؤشرات كافية لإدانة الوعي التاريخي العربي في مقاربته للمسألة الفلسطينية.
هذه الدراسة، مع ادانتها الواضحة للموقف الأميركي الأخير، تود ان تظهر بالمعنى التاريخي، ان هذا الموقف ليس أمراً جديداً بل هو مجرد "تظهير" جديد لموقف أميركي قديم يمتد لنصف قرن في موضوع اللاجئين، ولثلث قرن في موضوع الحدود بعد حرب 1967 والقرار 242.
أولاً: أسماء لها تاريخ
1- كان الرئيس الأميركي ويلسون معروفاً بسعيه الى تعميم الديموقراطية في العالم بعد الحرب العالمية الأولى ومن هنا اهتمامه بحق تقرير المصير للشعوب، ومنها شعوب الشرق الأدنى. وعندما أرسل في العام 1919 لجنة الى المنطقة لجنة كينغ - كرين كي تسأل الناس رأيهم، لم تطابق حسابات الحقل حسابات البيدر فلم يُفتِ بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم تحت عاملين: الضغوط الصهيونية عليه وفي مؤتمر فرساي، وتأييد الانتداب البريطاني على فلسطين، وكلاهما يؤديان الى نتيجة واحدة وهي القبول بفكرة الوطن القومي اليهودي في فلسطين بحسب وعد بلفور.
2- من زمن روزفلت الى زمن ايزنهاور في الخمسينات، "تجمّّدت" الرؤية الأميركية حول موضوع المسألة الفلسطينية من انها مسألة "لاجئين" وان حلها يكمن في توطين هؤلاء اللاجئين، أي انها مجرد مسألة اقتصادية، في حين كان المفكر اللبناني ميشال شيحا يسفّه هذه الرؤية ويقول: "انها مئة مرة سياسية". والدليل ان الرئيس روزفلت أرسل مبعوثه جونستون في موضوع مياه نهر الأردن كي تسهم قسمة النهر في ازدهار وادي الأردن وتوطين اللاجئين فيه.
3- سعى الرئيس جون كينيدي الى مقاربة سياسية لموضوع اللاجئين على أساس ان "يعاد الذين يريدون باخلاص العيش مع جيرانهم والقبول بالدولة الاسرائيلية، أما الآخرون فيجرى توطينهم في البلدان العربية". لكن ديفيد بن غوريون كان قاطعاً في هذا الأمر فاتخذت الكنيست قرارين عامي 1961 و1962 برفض مبدأ العودة رداً على بعثة جونستون لحل قضية اللاجئين، ثم جرى التفاهم بين كينيدي وبن غوريون على توطين معظم اللاجئين في الأقطار العربية، وتوطين القسم الآخر في أقطار العالم والقسم الثالث والقليل يعود فقط الى اسرائيل "لجمع شمل العائلات". وتبعاً لذلك أدخل الحزب الديموقراطي الأميركي مبدأ توطين اللاجئين في برنامجه الانتخابي للعام 1964.
4- بتاريخ 19/6/1967، أعلن الرئيس الأميركي ليندون جونسون "ضرورة قيام تسوية شاملة وسلام دائم لإسرائيل وانما لقاء تعديل حدود 1967". وكان هذا أول موقف أميركي رسمي وعلني "يشرعن" من منظور أميركي حق اسرائيل في التوسع خارج خط الهدنة لعام 1949. وانسجاماً مع هذا التوجه قدمت الولايات المتحدة مشروعها الى مجلس الأمن في 9/11/1967 وأكدت فيه أمرين:
الأول، ان السلام الدائم والعادل في الشرق الأوسط يشمل سحب القوات المسلحة من أراضٍ احتلتها.
الثاني، ضرورة الوصول الى حل عادل لمشكلة اللاجئين.
وعندما قدّم المندوب البريطاني لورد كارادون مشروعه الى مجلس الأمن بعد ذلك بأسبوعين 22/11/1967 وهو المعروف بالقرار الرقم 242، استعمل التعبير الأميركي ذاته حول "أراضٍ" وليس الأراضي، و"مشكلة اللاجئين" مما اضطر معظم أعضاء مجلس الأمن خلال مداخلاتهم الى اعتبار لفظة "أراضٍ" تدل على غير معناها: فهم يصوّتون على معنى شمولها جميع الأراضي وهي بخلفية أميركية - بريطانية تعني بعض الأراضي وليس كلها، ما جعل مندوب أميركا السابق في الأمم المتحدة غولدبرغ يقول: "ان الغموض الذي يشوب القرار 242 لم يحدث سهواً بل كان مقصوداً". أما هنري كيسنجر، الذي أصبح في العام 1969 مستشاراً للأمن القومي لدى نيكسون، فطالما سخر من القرار 242 مردداً: "ما الذي يدعوكم للتمسك بهذا القرار الذي ليس فيه سوى مجموعة عبارات كل واحدة منها تتعارض مع الأخرى... وهذه عبقرية الانكليز في الصياغات. لم تعد لديهم القوة لصنع حلول للأزمات فاستعاضوا عن الحلول بلعبة الصياغات التي تصور لكل طرف انه حصل على شيء، وفي الحقيقة فإن أحداً من الأطراف لم يحصل على شيء".
5- ولكي لا يبقى الغموض قائماً حول الكلمات في القرار الرقم 242، عمدت الادارة الاميركية بوحي من كيسنجر وربما بنصّّه الى اعطاء أول تفسير علني ورسمي أميركي للقرار 242، وفي شكل محدد في موضوعي الحدود واللاجئين. ففي ورقة العمل الأميركية التي قدمت للدول الأربع الكبرى في مجلس الأمن آذار/ مارس 1969 كمشروع أميركي لحل أزمة الشرق الأوسط جاء ما يأتي:
- "ترى الولايات المتحدة ان من غير الممكن الرجوع الى حدود او خطوط الهدنة التي كانت موجودة قبل الحرب العربية - الاسرائيلية في حزيران عام 1967 وتقترح الولايات المتحدة بدلاً منها تحديد حدود آمنة معترف بها من جميع دول الشرق الأوسط".
- "ترى الولايات المتحدة ان توضيح الردود يعتبر تفسيراً صحيحاً لقرار مجلس الأمن، ولا تعتقد الولايات المتحدة ان هذا القرار يستلزم انسحاب اسرائيل من جميع الأراضي المحتلة من دون استثناء".
- "... يجب على جميع اللاجئين العرب الذين غادروا أماكن اقامتهم بعد حرب حزيران عام 1967 العودة الى أماكنهم، أما بقية اللاجئين الفلسطينيين فيجب ان يعاد توطينهم في البلاد العربية". والمقصود جميع لاجئي العام 1948.
... وربما هذا ما جعل اسحق رابين يقول في مذكراته: "ان اسهام كيسنجر في مساعدة اسرائيل هو قصة ستروى في المستقبل. وهو اسهام أكثر من المساعدات الاقتصادية والعسكرية بكثير". لأن اسحق رابين كان سفيراً لاسرائيل في واشنطن آنذاك.
6- ليس موضوع "أراضٍ" و"الأراضي" هو الالتباس الوحيد في القرار 242، فلقد أشرنا في كتابنا "قراءة جديدة للشرعية الدولية في موضوع النزاع العربي - الاسرائيلي ومدى تطبيقها في مشروع الرئيس كلينتون" الى أمور عدة في الأهمية ذاتها، منها القول ب"حدود آمنة ومعترف بها"، ما يعني ان الحدود القائمة قبل 5 حزيران 1967 ليست آمنة ومعترفاً بها، وبالتالي لا بد من ترسيم حدود جديدة بين الدولة العبرية والدول العربية في المفهوم الأميركي. وبناء عليه دعا الرئيس جيمي كارتر الى مؤتمر جنيف على أساس "اعادة معظم وليس كل الأراضي المحتلة الى الدول العربية المعنية".
وهكذا فعلت ادارة ريغان عندما أصرّت على أن لا اعتراف ولا تفاوض مع منظمة التحرير طالما لم تعترف بوجود اسرائيل وبالقرارين 242 و338 طبعاً "بالتفسير الصحيح" الأميركي، ثم أضافت اليهما شرطاً ثالثاً: نبذ الارهاب. ووصل الأمر بالرئيس رونالد ريغان الى حد التصريح بأمرين:
- ان أميركا تؤيد طلب اسرائيل اجراء تعديلات على حدود 1967 بصورة تضمن أمنها.
- ان المستوطنات في الأراضي المحتلة بعضها على الأقل تكتسب صفة "الشرعية".
وهكذا فإن الولايات المتحدة عارضت في شكل عام النشاط الاستيطاني في المناطق المحتلة عام 1967 باعتباره "عقبة في طريق السلام"، لكنها لم تعارض واقع الاستيطان في نقاط محددة مواقع جغرافية تعتبرها ضرورية لأمن اسرائيل. من هنا دعوتها الى اجراء تعديلات على حدود 1967 انطلاقاً من القرار 242 ما يؤمن لاسرائيل ما "تستحقه من حدود آمنة وقابلة للدفاع والتي يجب ان يتفق عليها في مفاوضات مباشرة بحيث تكون مقبولة من جيرانها".
7- في مؤتمر مدريد شدّد الرئيس جورج بوش الأب في افتتاحه المؤتمر على ان تحقيق السلام في المنطقة يتم "بالحلول الوسط والتنازلات المتبادلة". وقال: "لا أشير الى خريطة توضح أين هي الحدود النهائية بين اسرائيل والدول العربية ولكن الحل الوسط بالنسبة الى الأراضي أمر أساسي للسلام، ويجب ان تعكس الحدود نوعية الأمن ونقبل بكل ما يلبي المعيار المزدوج: العدل والأمن". واختصر الموقف الأميركي وربّما المشاعر الأميركية تجاه اسرائيل بهذه الكلمات: "الأمن لها والقبول بها. فالشعب الاسرائيلي يعيش في خوف منذ زمن بعيد وهو محاصر بعالم عربي لا يقبله. والآن حانت اللحظة المثالية كي يظهر العالم العربي ان مواقفه تغيّرت وانه مستعد للعيش في سلام مع اسرائيل والتسليم بحاجتها المعقولة الى الأمن".
8- وفي رسائل التطمينات التي أرسلها للمشاركين في مؤتمر مدريد إما شخصياً واما مع الرئيس غورباتشوف أكد على ما يأتي:
- ان المفاوضات بين اسرائيل والدول العربية تدور على أساس القرارين 242 و338 ولا وجود لإشارة الى القرار 194 المتعلق بموضوع اللاجئين وهذه مسألة أساسية.
- ان لإسرائيل الحق في تفسير قراري مجلس الأمن 242 و338 كما تريد.
- "ان الولايات المتحدة لم تبلور حتى الآن موقفاً نهائياً من مسألة الحدود، وعندما ستضطر الى ذلك فإنها ستولي وزناً كبيراً لموقف اسرائيل".
- انها ستضمن الحدود التي يتفق عليها مع كل الأطراف.
- انها لا تؤيد قيام دولة فلسطينية مستقلة.
- تحتفظ الولايات المتحدة لنفسها بالحق في اعلان مواقفها عند الحاجة.
9- الرئيس كلينتون كان أول الرؤساء الأميركيين وربما آخرهم الذي التزم إيجاد حل مفصّل ومتوازن للنزاع العربي - الاسرائيلي يتناول قضايا الحدود الأرض والأمن والقدس واللاجئين، مستفيداً من علاقاته الجيدة بالرئيس ياسر عرفات وبرئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك:
- انطلق من مبدأ قيام دولتين في فلسطين التاريخية: الدولة اليهودية، ودولة فلسطين وللتسميتين معنى مهم.
- يبنى هذا المبدأ على أساس الشرعية الدولية التي لا تقتصر على ما ورد في القرارات الدولية بالتباساتها ونقاشاتها بل على ما يتفق عليه الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي.
- يتم تعديل في حدود أو خطوط الهدنة لعام 1949 بضم تجمعات استيطانية كبرى الى اسرائيل في الضفة وذلك ضمن نسبة 3 في المئة فقط من مساحة الضفة. في المقابل يتم ضم أراض من اسرائيل الى القطاع منطقة حلوتساه بما يعادل هذه المساحة ويتم ذلك ضمن مبدأ تبادل الأراضي وليس الاستيلاء على الأراضي بالحرب بين اسرائيل والفلسطينيين!
- من المهم التذكير، ان مشروع كلينتون، او معادلة كلينتون، قصرت تبادل الأراضي على الحدود بين اسرائيل والضفة حول القدس شمالاً وجنوباً وليس في عمق الضفة كما سيقترح شارون وفي حدود دنيا من المساحة الجغرافية وهي المسماة في الأدب السياسي والديبلوماسي الغربي "تعديلات طفيفة على الحدود".
10- في موضوع اللاجئين تمسّك كلينتون بالصيغة القائلة ان دولة اسرائيل هي وطن للشعب اليهودي ودولة فلسطين هي وطن للشعب الفلسطيني. وكي تكون هاتان الدولتان قابلتين للحياة يجب منع اسرائيل من استعمال قدرتها الاقتصادية لخنق الدولة الفلسطينية كما يجب منع الدولة الفلسطينية من استعمال قدرتها الديموغرافية لخنق الدولة اليهودية. لكن المفاجأة الكبرى التي فجّرها مستشارو كلينتون، وشكّلت ادانة للفكر السياسي العربي طوال خمسين عاماً، وللفكر الفلسطيني تحديداً هي ان قرار الجمعية العامة الرقم 194 لا ينص على "حق العودة" في فقرته 11 بل ينص على "السماح بالعودة". وهو ما سميناه في مطلع هذه الدراسة "حمّى مرض التكرار" الذي لا يزال متفشياً. فالمطلوب، ليس نبذ حق العودة بل التوقف عن ارجاعه الى القرار 194 كشرعية دولية وهو ليس موجوداً فيه!
في ضوء ذلك تناول مشروع كلينتون مصير اللاجئين بتوطينهم في خمسة مواطن:
- دولة فلسطين الجديدة.
- الأراضي التي ستنقل من اسرائيل الى دولة فلسطين مقابل المستوطنات.
- قسم في بعض الدول المضيفة.
- قسم رابع في دول ثالثة مستعدة لقبول هجرتهم اليها.
- قسم أخير وقليل الى الدولة اليهودية لمّ شمل العائلات.
مع استعداد الولايات المتحدة لبذل جهد دولي ومالي واقتصادي لتحقيق هذا الهدف.
ثانياً: ملاحظات أساسية حول رسالة بوش الى شارون.
أ - تشدد الرسالة على رؤية بوش التي عرضها في 24 حزيران 2002 وتتضمن قيام دولتين تعيشان جنباً الى جنب في سلام كمدخل الى "خريطة الطريق".
ب - تؤكد ضرورة وقف الارهاب وان تقوم قيادة منظمة التحرير والمؤسسات الفلسطينية بذلك كمرحلة أولى، واجراء "اصلاح سياسي شامل وجذري يتضمن ديموقراطية برلمانية قوية ورئيس وزراء بصلاحيات واسعة".
ج - كما يؤكد الالتزام الراسخ والتاريخي بأمن اسرائيل في حدود آمنة يمكن الدفاع عنها وتقوية قدراتها الردعية.
د - شرعنة الاجراءات الاسرائيلية ضد المنظمات الارهابية.
ه - توطين اللاجئين في دولة فلسطين وليس في اسرائيل.
و - بخصوص الحدود: ان تحصل اسرائيل على حدود آمنة ومعترف بها دولياً طبقاً للقرارين 242 و338 أخذاً في الاعتبار "الوقائع على الأرض ومن ضمن ذلك المراكز السكانية الاسرائيلية الرئيسية القائمة"، ما يعني عدم "العودة الكاملة والشاملة الى خطوط هدنة 1949"، وهي النتيجة التي توصلت اليها كل الجهود السابقة للتفاوض على حل الدولتين، "ولا وصول الى اتفاق على الوضع النهائي الا على أساس تغييرات متبادلة متفق عليها تعكس هذه الوقائع".
ز - ان الجدار الفاصل هو خط أمني وليس سياسياً وهو موقت وليس دائماً.
ح - مع دولة فلسطينية قادرة على البقاء ومتواصلة جغرافياً وسيدة ومستقلة تحكمها مؤسسات ديموقراطية.
ط - قاعدة التسوية بين الفلسطينيين والاسرائيليين هي قاعدة تفاوضية قائمة على أربعة أعمدة تحقق السلام: بناء المؤسسات ومحاربة الارهاب، وقطع المساعدات عن الارهابيين وتطبيع العلاقات مع اسرائيل.
من الواضح أن كلينتون سبق بوش إلى طرح مبدأ الدولتين في فلسطين التاريخية والى أمور كثيرة وردت في الرسالة الى حد جعل الوزير الاسرائيلي السابق شلومو بن عامي يقول: "لقد سرقوا براءة الاختراع منا". وهو يقصد ان ما فعله بوش ليس سوى تطبيق وتظهير مشروع كلينتون والذين ساهموا فيه وقبلوه في زمن باراك، ومنهم شلومو بن عامي نفسه. ومع ذلك هناك فارق في الدقة بخصوص الدولتين. فمشروع كلينتون يتحدث عن "دولة فلسطين" وليس عن "الدولة الفلسطينية" كما ورد في رسالة بوش. والذين يجيدون الخلفيات اللغوية والتاريخية يفهمون بدقة الفارق المقصود بين التعبيرين.
ويبدو واضحاً من الرسالة ان المطلوب هو تحجيم دور عرفات على الساحة الفلسطينية من خلال المؤسسات الرسمية بعد ان استحال على أميركا ازاحته بأساليب أخرى.
أما النظرة الأميركية الى حدود اسرائيل العرب فمرت بأربع مراحل:
- ضرورة تعديل خطوط الهدنة لعام 1949 "بأراضٍ محتلة".
- ضرورة ان يتم هذا التعديل عبر المفاوضات: الحل الوسط والتنازل.
- ضرورة التفاوض والتبادل للأراضي.
- ضرورة الاعتراف بالأمر الواقع اي التجمعات السكانية الاستيطانية كجزء من الدولة العبرية.
كان كلينتون في مشروعه قد فاوض الجانبين على خمس مستوطنات واقعة كلها على مناطق الحدود بين الجانبين: غوش اتسيدن ومعالي ادوميم وجيفات زائيف وآرييل واللطرون. لكن شارون أضاف كريات أربع وثانية داخل مدينة الخليل واعتبر اللطرون تحصيل حاصل. وبهذا نقل موقع الاستيطان والضم من الحدود بين الدولتين الى داخل الدولة الفلسطينية في الخليل وجوارها. كما ان المساحة المقتطعة لم تحدد لا في رسالة شارون ولا في الجواب الأميركي عليها. وفي كل ذلك كان موضوع التفاوض بمثابة طربوش لشرعنة التغيير وكان ترداد تعبير "خريطة الطريق" بمثابة جرعة للرأي العام.
لقد حصر بوش عودة اللاجئين بالدولة الفلسطينية فقط وليس بخمسة مواطن كما حددها كلينتون، وأعطت الرسالة شرعية لاستمرار بناء الجدار ضمن الموقت والأمني مع الأخذ في الاعتبار معطيات انسانية واخلاقية تتعلق بالفلسطينيين.
يبقى سؤال مشروع، وهو: لماذا أقدم الرئيس بوش على تظهير الموقف الأميركي بهذا الوضوح في مسألتي الحدود واللاجئين؟
هناك من يقول انها أحداث 11 أيلول التي فرضت هذه الحدة في الموقف الأميركي. وهناك من يراهن على معركة الانتخابات الرئاسية في أميركا التي شاء بوش ان يستغل اللوبي الصهيوني فيها. ومع صحة هذين الطرحين، هناك سبب ثالث لعله أهمها، وهو فشل محادثات طابا في عهد الرئيس كلينتون. فهذا الفشل أدخل في روع الاسرائيليين والأميركيين: ان لا مفاوض جاداً على الجانب الفلسطيني، وان الفلسطينيين يرفضون اسقاط عرفات، وان عرفات لم يقبل بما عرض عليه آنذاك. وهو ما يصفه روبرت مالي، مستشار كلينتون، بالقول: "لقد ارتكبت القيادة الفلسطينية أخطاء استراتيجية كثيرة وكارثية" ساعدت شارون والاسرائيليين والأميركيين على الوصول الى شبه قناعة خطيرة جداً، ومكلفة جداً وهي ان هدف الفلسطينيين النهائي والحقيقي هو تدمير اسرائيل. وقبل سقوط باراك "نصح الأميركيون الفلسطينيين بعقد صفقة سريعاً والا سيواجهون حكومة من الليكود". وازاء هذه القناعة لدى الأميركيين انتقلوا من موقع الوسيط الى موقع الشريك الكامل، وكشفوا علانية ما كانوا يضمرونه منذ ثلث قرن وأكثر.
في الخلاصة، ان ما حصل هو مسار طبيعي في السياسة الأميركية. فبوش مجرد مترجم لكلينتون، وشارون هو مجرد مترجم لباراك حتى ولو كان كلينتون ديموقراطياً وباراك عمالياً. فشارون كاستراتيجي وتكتيكي ناجح عسكرياً، استفاد من المناسبة للحصول على التزام أميركي تجاه اسرائيل غير مسبوق وإن لم يكن جديداً او مستغرباً. فأميركا لم تقل يوماً انها مع الخط الأخضر او خط الهدنة لعام 1949 او خط الرابع من حزيران او حدود 1967. لقد طرحت دائماً مبدأ الحدود الآمنة والمعترف بها لإسرائيل على قاعدة التفاوض ثم على قاعدة التبادل ثم على قاعدة التحديد مع بوش دونما اهمال لمبدأ التفاوض بين الجانبين، وهو ما يضعف الموقف العربي حين يصبح "الوسيط النزيه" محسوباً على أحد جانبي الصراع. على ان خطورة طرح بوش تكمن أكثر في تعميم الطروحات من دون ان يحدّد بالأرقام والنسب مساحة ونسبة هذه المراكز السكانية الاسرائيلية الرئيسية المقامة، كما فعل كلينتون حدود 3 في المئة. والأخطر من ذلك، حتى بوجود "تغييرات متبادلة متفق عليها" كما يقول بوش مشيراً بذلك الى تبادل الأراضي، فإن القبول بمستوطنتي كريات أربع والخليل يضع حدود اسرائيل في قلب الجنوب لدولة فلسطين وليس على حدودها. وهذا يفتح الباب أمام صراعات مكشوفة.
... ويبقي على الجغرافيا الحاكم الأبرز للتاريخ!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.