الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة    الدانة يفقد اللقب القاري    1850 متدربا ومتدربة على المانجا في اليابان    فنانو المدينة يستعرضون أعمالهم في جولتهم بجدة    «حلاه يشدف» أحدث أغاني إبراهيم فضل بالتعاون مع محمد الخولاني    ضيوف خادم الحرمين يتجولون في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    دوري روشن: الوحدة يداوي جراحه بفوز هام على التعاون    أرسنال يعود بطريق الانتصارات في الدوري الإنجليزي بثلاثية في فريق نونو سانتو    الحارثي في ذمة الله    الانسانية تحتضر    الالتزام بالمواعيد الطبية: مسؤولية مجتمعية تحفظ الصحة وتُحسن الخدمات    انترميلان يقسو على هيلاس فيرونا بخماسية في شوط    موعد مباراة النصر مع الغرافة في دوري أبطال آسيا للنخبة    ضبط شخص في الجوف لترويجه (3.6) كجم «حشيش»    الدرعية في شتاء السعودية 2024: تاريخ أصيل يُروى.. وحاضر جميل يُرى    ابن وريك يدشن معرض الأمراض المنقولة بالنواقل في مهرجان الدرب    5 مطارات تتصدر تقارير الأداء لشهر أكتوبر 2024    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    اتحاد الغرف يعلن تشكيل أول لجنة من نوعها لقطاع الطاقة والبتروكيماويات    يناير المقبل.. انطلاق أعمال منتدى مستقبل العقار في الرياض    ترمب يرشح سكوت بيسنت وزيراً للخزانة    التحقيق مع مخرج مصري متهم بسرقة مجوهرات زوجة الفنان خالد يوسف    معتمر فيتنامي: أسلمت وحقق برنامج خادم الحرمين حلمي    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    مصدر أمني يؤكد استهداف قيادي في حزب الله في الغارة الإسرائيلية على بيروت    الفنان المصري وائل عوني يكشف كواليس طرده من مهرجان القاهرة السينمائي    "الجامعة العربية" اجتماع طارئ لبحث التهديدات الإسرائيلية ضد العراق    بريدة: مؤتمر "قيصر" للجراحة يبحث المستجدات في جراحة الأنف والأذن والحنجرة والحوض والتأهيل بعد البتر    ضبط 19696 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مشروع العمليات الجراحية خارج أوقات العمل بمستشفى الملك سلمان يحقق إنجازات نوعية    24 نوفمبر.. قصة نجاح إنسانية برعاية سعودية    جمعية البر في جدة تنظم زيارة إلى "منشآت" لتعزيز تمكين المستفيدات    موديز ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "Aa3" مع نظرة مستقبلية مستقرة    وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الملافظ سعد والسعادة كرم    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاصوليون الاميركيون واليهود والجمهوريون المتطرفون يحاصرون البيت الابيض "محور شر" في واشنطن ؟
نشر في الحياة يوم 29 - 04 - 2002

"المعركة حول مستقبل الشرق الاوسط، لا تخاض فقط في القدس وجنين والعواصم العربية، بل أيضا في واشنطن، وبالتحديد في كواليس الكونغرس والبيت الابيض، واستوديوهات شبكات التلفزيون، وعلى اثير الانترنت وأجهزة الفاكس".
هكذا رأى ابراهام ماكلافلين وغيل شادوك، الكاتبان في "كريستيان ساينس مونيتور"، الى "ساحة المعركة" الشرق الأوسطية. فهي، بالنسبة اليهما، معركة داخلية أميركية بالدرجة الاولى، قبل ان تكون صراعاً عربياً - اسرائيلياً.
أطراف هذه المعركة، التي كانت موازين القوى فيها دوماً لمصلحة اسرائيل، هي نفسها الاطراف التي تعاطت مع المسألة الفلسطينية منذ نصف قرن ونيف: الكونغرس بغالبيته، مدعوما بأموال ونفوذ اللوبي اليهودي الاميركي القوي، من جهة، وأقسام من وزارة الخارجية وأجهزة الاستخبارات الاميركية، من جهة ثانية. وفي منطقة الوسط يقف البيت الابيض متذبذباً بين الجانبين، وان كان في غالب الاحيان يميل بقلبه وعواطفه ومصالحه الداخلية الانتخابية نحو مبنى الكابيتول.
بيد ان جديداً طرأ على هذه اللوحة منذ 11 أيلول سبتمبر 2001، فقد دخلت على الخط الشرق الاوسطي بقوة مدرستان: اليمين المسيحي الاميركي أو الاصوليون المسيحيون، واليمين المحافظ الجمهوري او الاصوليون الريغانيون.
وقد أبرمت المدرستان تحالفاً بينهما يرفع شعار الدعم المطلق لاسرائيل "لأسباب اخلاقية واستراتيجية في آن".
المدرسة الاولى تعتبر ان دعم اسرائيل "ضرورة أخلاقية دينياً"، لان الدولة العبرية تعتبر تجسيداً ل"نبوءات" الكتاب المقدس حول التمهيد لقدوم السيد المسيح. فيما الثانية ترى الى اسرائيل بصفتها حليفا ذا أهمية استراتيجية كاسحة في اطار الحرب العالمية ضد "الارهاب".
وقد انضم الى هذا التحالف الآن طرف ثالث هم الاصوليون اليهود في الولايات المتحدة، الذين يقفون حتى الى يمين ارييل شارون في توجهاتهم نحو الفلسطينيين والعرب.
هذا التحالف الثلاثي، الذي يقوده الاصولي المسيحي ومرشح الرئاسة الاميركية السابق غاري باور والاصولي اليهودي وليام كريستول وصقور الحزب الجمهوري في البنتاغون والكونغرس، طوّر استراتيجية مشتركة لخصها الكاتب في "ويكلي ستاندرد" رول مارك غيريشت على الشكل الآتي:
حروب اسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب لا تضعف مواقع الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، بل هي على العكس تعززها. إذ أنها تمهّد الطريق امامها لخوض الحرب ضد العراق، لأنها تضعف القوى التي يمكن ان تقاومها: الاصولية الاسلامية.
الحلف الاسرائيلي - الاميركي المستند الى التفوق العسكري والانتصارات العسكرية الاسرائيلية ضد الفلسطينيين ودول المواجهة، سيؤدي الى زيادة السطوة الاميركية في الشرق الاوسط، من المغرب حتى ايران، لانه سيذكّر العرب بأنه لا يمكن إلحاق الهزيمة بالقوة الغربية.
الفلسطينيون سيقبلون "السلام" الذي يعرضه عليهم شارون، والذي ستكون خطة كامب ديفيد-2 بالمقارنة معه الارض الموعودة بالنسبة الى الفلسطينيين، بعد ان يحقق هذا الاخير نصراً عسكرياً كاسحاً عليهم، وبعد ان تنجح الولايات المتحدة في تحييد العراق وايران ومنعهما من التدخل.
من حسن الحظ أن الرئيس بوش الابن لم يترب في مؤسسة وزارة الخارجية. وغرائزه التي انتجت "محور الشر"، قد تحصّنه ضد الفكرة التي تدعو الى تشكيل تحالف مع العرب ضد صدام حسين. وهو ربما يتساءل الآن: لماذا تحتاج الولايات المتحدة الى تغطية اسلامية او عربية لعملها العسكري ضد العراق؟ في الحرب العالمية الاولى، وحين أيقن الهاشميون ان البريطانيين سيحطمون العثمانيين، قرروا التحالف مع "الكفار" المنتصرين بدل أن يكونوا أشقاء الخاسرين. وهذا قد يتكرر الآن.
أما بالنسبة الى "الشارع العربي" وتلفزيون "الجزيرة" الناطق باسمه الآن، فالامور قد تتغير وقد يبدأ هذا التلفزيون في التركيز على استحالة معارضة القوة الاميركية.
ويزعم رول مارك غيريشيت أنه "كما أن تلفزيون "الجزيرة" خدم من دون قصد منه مصالح أميركا في الحرب ضد "طالبان" و"القاعدة" في أفغانستان، قد يفعل الشيء نفسه اذا ما بقيت ادارة بوش حازمة في تصميمها.
لقد بلور "محور الشر" الاميركي الثلاثي هذا، مواقفه النهائية في الرسالة المشتركة التي بعث بها الى الرئيس بوش في مطلع الشهر الجاري، والتي وقّعها اضافة الى غاري باور ووليام كريستول، وزير التعليم السابق المحافظ وليام بينيت، ومدير ال"سي. أي. آيه" السابق جيمس وولسي ورئيس مجلة "كومينتري" نورمان بوهورتس ودانيال بايب وريتشارد بيرل الذي يطلق عليه في واشنطن لقب "أمير الظلام" بسبب شدة تطرفه ضد العرب، وغيرهم من الشخصيات المسيحية واليهودية المتطرفة.
وقد شدّدت الرسالة على ان "قتال اسرائيل ضد الارهاب هو قتالنا. لم يعد من الممكن للولايات المتحدة ان تواصل سياسة تقوم على حث، ناهيك بالضغط، على اسرائيل لاستئناف المفاوضات مع عرفات، تماما كما انه لم يكن في وسعها قبول الضغط عليها للتفاوض مع اسامة بن لادن او الملا عمر".
وتضيف: "لأسباب أخلاقية واستراتيجية، يجب ان نقف الى جانب اسرائيل في قتالها ضد الارهاب. يجب ألا يشكك احد بأن الولايات المتحدة واسرائيل تتشاطران عدوا واحدا مشتركا هو محور الشر والارهاب".
هذه الرسالة، إضافة الى التمخضات السياسية والاقتصادية التي تلعب الآن دوراً كبيراً في تغيير وجه الحزب الجمهوري الاميركي ودفعه بأتجاه الانحياز المتطرف الى الدولة العبرية، بدأت تغير طبيعة الصراع في الشرق الاوسط وحوله.
فالسؤال الكبير الذي فرض نفسه بعد فشل مهمة الوزير باول في المنطقة، لم يعد متعلقا لا بمصير عملية السلام، ولا باحتمالات انفجار الوضع الاقليمي في الشرق الاوسط، ولا حتى بمستقبل كل من الانتفاضة الفلسطينية والكيان الاسرائيلي نفسه.
إذ على رغم ان كل هذه القضايا كانت حارة، وساخنة، وطاغية الوجود على الاعلام، كما على الاعصاب، الا انها تقزمت امام السؤال الكبير: هل وصلت رحلة الاستقطاب الحاد بين العالم العربي والاسلامي وبين "العالم" الاميركي، الى نقطة اللاعودة، بفعل ضغوط يمارسها تحالف الاصوليين والمحافظين الاميركيين واليهود على بوش؟ واستتباعا: هل باتت حرب الحضارات حقا، "فخاً" حقيقيا لا فكاك منه؟
رب قائل هنا ان جولة باول، وعلى رغم الفراغ الاستراتيجي الخطر الذي خلفه فشلها في الشرق الاوسط، لا تبرر القفز الى هذه المسألة التاريخية الكبرى، للأسباب الاتية:
اولا، أن الصدمة الكبرى الاولى لحدث 11 أيلول، جاءت وذهبت من دون أن يمنح صموئيل هانتينغتون جائزة نوبل للنبوة. فلا الولايات المتحدة اعتبرت حربها على "الارهابيين الاسلاميين" حرباً حضارية على الاسلام، ولا صرخة الجهاد الموحّد اطلقت من عالم اسلامي موحّد ضد اميركا.
ثانيا، على رغم كل جهود صقور البنتاغون والمجلس القومي الاميركي والكونغرس واللوبي الصهيوني والاصولي المسيحي الاميركي، استمر التوازن النسبي في الادارة الاميركية حيال التوجهات السياسية في الشرق الاوسط. فسورية احتفظت بموقعها المميز في الحسابات الاميركية. والرئيس ياسر عرفات لا يزال رئيسا حتى الآن على الاقل، اضافة الى أن بضع دول عربية إستعادت، الى حد ما، حظوتها لدى البيت الابيض، خصوصاً بعد اطلاق مبادرة الأمير عبدالله.
وأخيراً، المجتمع الاميركي، بشطريه النخبوي والمدني، لم ينسق وراء الدعوات الغريزية لخوض حروب صليبية جديدة. وهذا تكرّس في بيان المثقفين الاميركيين الستين، الذي دعا الى استكمال الحرب ضد الارهاب، بسلام متفاوض عليه مع الحضارة الاسلامية.
كل هذا صحيح بالطبع. لكن مهلا. ثمة شيء آخر لا يقل صحة ايضاً: جولة باول الفاشلة، بلورت امام العرب والاميركيين على حد سواء، وللمرة الاولى، شكل الفرسخ الكبير الذي يشطرهما الى معسكرين متناقضين، حيال فلسفة الحرب ضد الارهاب.
الصقور والشرخ السياسي
فالاميركيون، وعلى رغم المحاولات التي بذلوها عبر وزير خارجيتهم لاستعادة دورهم كوسيط بين العرب والاسرائيليين، لم يستطيعوا في النهاية سوى التماهي مع شارون، وفشلوا في الاقتناع بأن حركتي "حماس" و"الجهاد" و"كتائب الاقصى"، هي حركات تحرير مشروعة قانونياً واخلاقياً، وليست تظاهرات "بنلادنية" محظورة إنسانياً ودولياً.
وهذا نبع في الدرجة الاولى من المبدأ المانوي الخطر الذي طوره الرئيس بوش، والذي وضع الارهابيين والمقاومين في سلة جهنمية واحدة، بتشجيع وتصفيق الاصوليين الاميركيين.
والعرب من جهتهم، بما في ذلك حتى الانظمة المعتدلة، لم يكونوا في وارد ولن يكونوا أبدا في وارد بيع جلد المقاومة الاستشهادية الفلسطينية في سوق النخاسة الشاروني، حتى ولو عنى ذلك تصدّع بنى التحالف الاميركي - العربي "المعتدل"، او استئناف الصراع القومي العربي - الاميركي الذي نشب في الخمسينات وتراجع في اوائل السبعينات. هذا الشرخ بين الطرفين بدأ يفرز ايديولوجياته وسياساته المتطرفة الخاصة به.
فصقور البنتاغون ضغطوا بقوة، ويبدو أنهم نجحوا، في تحويل شارون ليس فقط الى "بطل سلام" على حد تعبير بوش، بل الى "بطل الحرب ضد الارهاب" ايضاً على حد تعبير رامسفيلد.
وصقور العرب، في المقابل، يدعون الى اعادة النظر في المواقف السابقة الرافضة لمنهج أسامة بن لادن. ويقول بعضهم الآن، وان سراً، ان هذا المنهج هو الرد الوحيد على ما يسمونه "محور الشر" الاميركي - الاسرائيلي المتمثل بالثلاثي شارون - بوش - رامسفيلد.
والآن، فإن أي تطور كبير آخر في الشرق الاوسط، سواء اتخذ شكل مذابح جديدة في فلسطين، او انفجار اقليمي عبر البوابة اللبنانية - السورية، او عبث بالخرائط إنطلاقا من العراق، سيكرّس نهائيا حال الاستقطاب هذه بين العالمين العربي والاميركي، وسيطلق العنان لغرائز حروب الحضارات.
هذه النقطة الاخيرة بالتحديد هي ما يحذر منه الآن العديد من المحللين والمفكرين الاميركيين العقلانيين، الذين يطالبون حكومتهم بالعمل على تجنب "كارثة" محققة تنزل بكل من اميركا والعالم الاسلامي على حد سواء، ما لم يتم التراجع عن مبدأ بوش ونظرته المانوية.
وعلى سبيل المثال، يطرح غراهام فولر، وهو نائب سابق لرئيس مجلس الاستخبارات الاميركي التساؤلات الآتية: هل كانت هجمات 11 أيلول هي اللهاث الاخير للراديكالية الاسلامية، ام انها كان الصلية الافتتاحية الاولى لمواجهات اكثر عنفاً بين المسلمين المتطرفين وبين الغرب؟ وماذا تحمل الازمة الراهنة بالنسبة الى مستقبل العالم الاسلامي نفسه؟ ثم: هل يتجنب المسلمون العنف والعداء للغرب اللذين اطلقا باسمهما، أم سيسمحون لبن لادن وعصبته بتشكيل طبيعة العلاقة المستقبلية بين المسلمين والغرب؟
ويضيف فولر أن الاجابات على هذه الاسئلة "تقع جزئيا على عاتق ادارة بوش. فالحرب على الارهاب، وجهت بالفعل ضربة قاسية الى البنى التحتية وعمليات شبكة "القاعدة" التابعة لبن لادن وأعضائها، وفجّرت فقاعة الفرح الغامر والشعور لدى المسلمين المتطرفين بانهم قوة لا تقهر، وهي الفقاعة التي نشأت نتيجة الجهاد الناجح ضد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان.
لكن من غير الواضح ما اذا كانت الحرب الراهنة، ستخفف أم ستفاقم التوترات الحالية في العالم الاسلامي. و"لمساعدة هذا الدرس الاخير على الانتصار، سيكون على الولايات المتحدة الذهاب الى ما هو أبعد من المرحلة الاولى من الحرب التي عاقبت أولئك المسؤولين بشكل مباشر عن الهجمات، ومعالجة المصادر الاعمق للعنف السياسي والارهاب في العالم الاسلامي اليوم".
ويشير محللون ليبراليون أميركيون آخرون، مثل تشارلز كورزمان، أستاذ علم الاجتماع في جامعة نورث كارولينا، الى ان الرئيس بوش شدّد مرارا على ان الحرب ضد الارهاب، ليست حربا ضد الاسلام. لكن الغرب، وبسعيه لفصل الاسلام عن السياسة، يتجاهل حقيقة أن هذين الاثنين متشابكان بشكل وثيق عبر رقعة واسعة من العالم، تمتد من شمال افريقيا الى جنوب شرقي آسيا. ويتابعون أن تغيير البيئة الاسلامية ليست مجرد قضية تتطلب العمل على تغيير مناهج التعليم في المدارس، أو وقف الحملات ضد الغرب في الصحافة، إذ ان الحقيقة البسيطة تشير الى أن الاسلاموية، او الاسلام السياسي، تبقى أهم قوة ايديولوجية في ذلك الجزء من العالم.
بيد ان الظاهرة الاسلامية أبعد ما تكون عن التجانس. وثمة اشكال متعددة منها تتكاثر وتنتشر وتتطور وتتنوع. واليوم يقابل المرء اسلاميين يمكن ان يكونوا معتدلين او متطرفين، سياسيين او لا سياسيين، عنيفين او هادئين، ديموقراطيين او استبداديين. "طالبان" الافغانية القمعية والجماعة الاسلامية المسلحة في الجزائر، تقفان في نقطة متعصبة من البوصلة التي تضم ايضاً حركة التبشير الاسلامية الباكستانية "تبليغي جماعت" المسالمة والديموقراطية، وحزب التيار الرئيسي المحافظ في مصر المتمثل بالاخوان المسلمين، وحزب الفضيلة الديموقراطي والتحديثي في تركيا.
الكارثة
أن حركة "نور" اللاسياسية التركية تحتضن كل مناحي العلم بصفتها متطابقة مع الاسلام، لان المعرفة العلمية العلمانية، برأيها، تعزز الايمان بعجائب الله في الكون. والحركة التوفيقية الاندونيسية "نهضة الامة"، تتحاشى اية دولة اسلامية على الاطلاق، في خضم سعيها لابراز وتعزيز دور الله في حياة الانسان. والحركات النسوية الاسلامية تدرس القرآن والشريعة لتفسير التعاليم بنفسها، وللتمييز بين ما تقوله ديانتهم بوضوح وبين التقاليد التعسفية التي فرضها قادة بطريركيون.
وكل هذه مجرد حفنة من مروحة واسعة من الحركات التي تعمل في الاعلام، ومواقع الانترنت، وبرامج الرفاه الاجتماعي الضخمة، وادارة المدارس والمستشفيات. وهي كلها لها تأثير كبير على الحياة الاسلامية.
هذا في ما يتعلق بتلاوين الاسلام.
اما في المسائل اللاهوتية فإن الباحثين الليبراليين الغربيين يشددّون على انه في كل الديانات الكبرى، ثمة عناصر تسامح ولاتسامح مندمجة في تركيبتها: اللاتسامح لأن الاديان تعتقد بأنها تحمل الحقيقة، وربما الحقيقة الوحيدة، والتسامح لأنها تتحدث ايضاً عن الانسانية، والاصول المشتركة للبشر، ومفاهيم العدالة السماوية، والنظام العادل والانساني للجميع. وبعد أي شيء، الاهوال الكبرى وآلآت القتل في التاريخ، نبعت من الايديولوجيات العلمانية الغربية الفاشية والشيوعية.
اضافة الى أن الدين نفسه ليس على وشك الاختفاء من على وجه الارض، حتى في معظم الدول الغربية المتقدمة، وحتماً في العالم الاسلامي. وسيكون على الغرب التعاطي مع هذه الحقيقة والمساعدة على فتح هذه المجتمعات المأزومة. وفي خضم هذه العملية، اما ان تتطور الالوان العديدة من الاسلام أي الحقائق السياسية الرئيسية اليوم في اتجاهات ايجابية بدعم شعبي، واما ان تنحرف الى مسارات أخرى. والرأي العام الاسلامي سيعرف سريعاً الفرق بين هذه التوجهات حين يمتلك حرية الاختيار.
ويضيف فولر أن "الارهابيين يجب ان يعاقبوا. لكن واشنطن تحشر نفسها في مجرد جدول اعمال عقابي اذا ما تعاطت فقط مع ظواهر الازمة في العالم الاسلامي. فالتسوية العادلة للفلسطينيين، ودعم الديموقراطية الاقليمية يظلان الاسلحة الرئيسة الامضى التي يمكنها مكافحة الارهاب. وسيكون أمراً كارثياً بالنسبة الى الولايات المتحدة، كما سيكون فصلاً قاسياً جديداً في تاريخ العالم الاسلامي، اذا ما فشلت الحرب ضد الارهاب في تحرير هذه المجتمعات المأزومة، او اذا ما أدت الى مفاقمة النزعة المعادية لأميركا".
هل تنتصر هذه الأصوات الليبرالية العقلانية على صرخات الحرب المنطلقة الآن من حناجر تحالف الاصوليين المسيحيين والمحافظين الاميركيين والاصوليين اليهود أي "محور الشر" الاميركي؟
الصراع ما زال محتدماً في واشنطن. وكذلك في الشرق الاوسط. ولا أحد في وسعه التكهن بحصيلة هذا الصراع.
لكن ثمة شيء واحد مؤكد هنا: إنتصار "محور الشر" في واشنطن سيؤدي أيضا الى انتصار كل محاور الشر، ليس فقط في الشرق الاوسط بل في كل انحاء العالم.
واذا ما حدث ذلك، سيكون على روما الجديدة الولايات المتحدة أن تتذكر ما حدث لروما القديمة الامبراطورية الرومانية حين سيطر المتطرفون والأصوليون عليها، فعجلوا في سقوطها من الداخل، قبل وقت طويل من تهاوي مواقعها في الخارج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.