أطعمته، وغيّرت له حفاضه، وعملت له حمامه، ومع ذلك لم يتوقف طفلها الرضيع عن الصراخ، وامام هذا الوضع حزمت الام أمرها وقررت حمله الى المستشفى وعقارب الساعة تقارب من منتصف الليل. لكن ما ان دخلت معه السيارة حتى هدأ الصغير. فأخذت تفكر، هل تعود به الى المنزل؟ ام تتابع طريقها الى المستشفى؟ وعلى مفرق الاختيار قررت ان تسير به الى المستشفى، وهناك قام الطبيب بفحصه من رأسه الى أخمص قدميه، فلم يجد عنده اي شيء يدعو للقلق ولكن امام إلحاح الام وإصرارها اتخذ الطبيب قراره بإبقاء الطفل ليلة واحدة للمراقبة، وفي اليوم التالي اكتشف ان الرضيع يعاني من التهاب السحايا حمى الدماغ بالعامية. ان البكاء يمثل اللغة الوحيدة والاساسية لدى الطفل الرضيع التي يعبر فيها عن جوعه وعطشه وألمه وازعاجاته، ايضاً البكاء هو لغة الاتصال بين الاهل والطفل. فلنتصور لو لم يوجد هذا البكاء كيف ستكون لغة المخاطبة بين الطفل وذويه! ان الام هي الخبيرة الاولى في التعرف على صوت رضيعها، اذ بإمكانها تمييزه اعتباراً من اليوم الثالث بعد الولادة وهي قادرة على التفريق بين صرخات فلذة كبدها وصرخات الاطفال الآخرين. الاب ايضاً يستطيع لكن بشكل اقل دقة من الام التي لا احد يعلى عليها في هذا المجال. ان الام الشابة تستجيب لصرخات طفلها بعاطفة معينة وردود أفعال خاصة، وهي غالباً ما تستطيع تحديد السبب او الدافع الذي يقف وراء بكائه، وهل هو جائع او عطشان او مبلّل تحته او مريض او منزعج. ان حدس الام يمكّنها من فهم بكاء طفلها وتفسيره وبالتالي ما هي احتياجاته. وهناك دراسات سمعية انجزت على بكاء الاطفال بينت ان هناك انواعاً لبكائهم، وان لكل نوع معناه وقد استطاع الباحثون من خلال دراساتهم تمييز بكاء الجوع وبكاء الالم وبكاء التعب وبكاء السعادة. لكن السؤال المهم الذي يخطر على بال الامهات مراراً هو: ما العمل عندما يبكي الطفل؟ وهل يجب الرد عليه في كل مرة يبكي فيها! وهل يجب الانتظار حتى يهدأ الطفل من تلقاء ذاته؟ هناك اعتقاد شائع بين العامة يقول بضرورة ترك الرضيع يبكي ويبكي… ويبكي الى ان يهدأ من تلقاء نفسه. والحقيقة ان هذا السلوك ليس سلوكاً جيداً لانه لن يفيد الا في زيادة بكاء الطفل وعويله. الباحثان الاميركيان بيل وأينسوورث اجريا دراسة طاولت موضوع البكاء لدى الرضع وحصلا بنتيجتها على اجابات مهمة على اسئلة طالما طرحها الأهل، فحسب رأي الباحثين فان الاطفال الذين يبكون كثيراً هم اولئك الذين لا تستجيب لهم امهاتهم للرد على عويلهم كما يجب، ووجدا ان الامهات اللواتي يصغين الى بكاء اطفالهن، وبالتالي الرد عليهم، انما يعملن على مساعدة صغارهن، في تنمية وسائل الاتصال مع الآباء والامهات. اكثر من ذلك فقد تبين ان لسرعة الاهل في الرد على بكاء طفلهم دوراً مهماً في انقاص عدد مرات البكاء. ومهما يكن فإن هناك اماً تستجيب لطفلها مظهرة له حنانها وصبرها مهما حاول الآخر استفزازها. وهناك ام اخرى تفقد اعصابها بمجرد اطلاق الطفل لمعزوفته اي البكاء.،على اية حال ان بكاء الطفل الرضيع له دلالات معينة عند الطبيب. فالبكاء الحاد القوي قد يعني وجود اصابة بالتهاب الاذن، او التهاب السحايا، او ازمة بطنية، او وجود ورم دموي. والبكاء المزمن قد يعكس اخطاء في تغذية الصغير من قبل امه، او قد يدل على وجود اضطرابات هضمية مزمنة. وباختصار ان بكاء الطفل يعني انه يريد شيئاً او انه يشكو من شيء ما، او انه يرغب في قول شيء ما فلنستمع اليه بصبر وروية