تمر هذا الاسبوع الذكرى ال 62 لاندلاع الحرب العالمية الثانية التي لا تزال تحطم الرقم القياسي في عدد الضحايا الذين تقدمهم البشرية قرباناً في حروبها من أجل المصالح والبقاء والهيمنة. ورأت "الوسط" أن تخصص حيزاً لمراسلها في واشنطن الزميل راسل وارن هاوي الذي شارك طياراً في معارك الحرب العالمية الثانية ليستذكر أين كان يوم أعلنت الحرب، وكيف التحق بسلاح الطيران البريطاني، وماذا فعل بعد انتهاء الحرب. ولم يكتف هاوي بذلك، بل سأل نفسه سؤالاً افتراضياً مهماً: ماذا كان سيحصل لو لم تنشب تلك الحرب اللعينة؟ يوم الأحد المصادف للثالث من أيلول سبتمبر 1939 اندلعت الحرب العالمية الثانية. كنت في الرابعة عشرة من عمري. كانت لا تزال أمامي ثلاث سنوات لأكمل دراستي في المدرسة الخاصة التي ألحقت بها، قبل أن أبدأ دراستي الجامعية. كنت أعتقد أن الحرب لا بد أن تضع أوزارها قبل إنقضاء تلك السنوات. صباح ذلك اليوم أعلن رئيس وزراء بريطانيا نيفيل تشامبرلين أنه سيوجه خطاباً الى الشعب البريطاني عبر أثير هيئة الإذاعة البريطانية بي.بي.سي. اذ لم يكن للتلفزيون وجود آنذاك. كان والدي ووالدتي قد خرجا لحضور زيجة. أخي الأكبر كان على سفر. جلست وحدي بالقرب من "اللاسلكي" الضخم - هكذا كان يطلق على جهاز الراديو وقتذاك - واستمعت الى رئيس الحكومة يخاطب شعبه. وأذكر أن من العبارات التي قالها وعلقت بذهني حتى اليوم: "توجد الآن حالة عداء بين المملكة المتحدةوألمانيا". كان الزعيم النازي أدولف هتلر قد زج بقواته في بولندا واحتلتها من دون مقاومة تذكر. وكانت ثمة معاهدة للدفاع بين بولندا وكل من بريطانياوفرنسا. ولم تعلن فرنسا الحرب على ألمانيا حتى اليوم التالي، إذ كان يتعين على الحكومة الفرنسية الحصول على مصادقة الجمعية الوطنية البرلمان على قرار إعلان الحرب. ولا تجتمع الجمعية الوطنية الفرنسية أيام الأحد عادة. لذلك كان لا بد لقرار الحكومة من أن ينتظر الى يوم الاثنين. ومن المفارقات أن تلك هي المرة الأخيرة التي تعلن فيها الحرب. فالحروب عادة تندلع بغتة، في عطلة نهاية الاسبوع، أو أثناء إحدى العطلات الدينية، حين يكون معظم الجنود في عطلاتهم، ويكون الجنرالات في ملاعب الغولف وأماكن الإسترخاء الأخرى. حين انتهى تشامبرلين من خطابه، خرجت من منزلنا الى الشارع في الحي الهادئ الذي كنا نقيم فيه جنوبلندن. وجدت أن الجيران سبقوني الى الشارع. كنا نتطلع جميعاً بطريقة لاإرادية الى السماء صوب الناحية الجنوبية، متوقعين في أي لحظة أن تعبر القاذفات الألمانية القنال الانكليزي وتبدأ القصف. إنطلقت صافرة الإنذار. لكننا قررنا أن نتجاهلها، ورجحنا أن الشرطة ربما أرادت تجربة إجراءاتها وإنذاراتها إستعداداً للحرب. بعد فترة وجيزة عاد والداي وذكرا لي أن الشرطة استوقفت سيارتهما مراراً، وكانت تعليماتها على النحو الآتي: "عودا الى منزلكما مباشرة. لقد أعلنت الحرب". وعرفت منهما أن حفلة الزواج التي ذهبا لحضورها ألغيت بسبب إعلان الحرب. لم يحصل شيء خارق للعادة شهوراً عدة بعد إعلان الحرب. وانتظر العالم حتى العام 1940 لتقوم ألمانيا باجتياح فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا والدنمارك والنرويج. وكانت ايطاليا المتحالفة مع ألمانيا قد أقدمت قبل ذلك بكثير على إحتلال الحبشة وليبيا. وبعدما نجح الألمان في سحق القوات البريطانية وما بقي من فلول القوات الفرنسية في معركة دنكيرك في عام 1940، أدركنا - نحن البريطانيين - أننا يجب أن نستعد لمواجهة أطول. ولم يكن لدينا حلفاء سوى دول "رابطة الشعوب البريطانية" الكومونويلث، خصوصاً الهند واستراليا وكندا. ولما كنا قد تلقينا تدريباً في المدرسة على كيفية التعرف على الطائرات الصديقة والمعادية، لأن المدرسة تعرضت العام 1940 لغارتين جويتين، من دون أن تصاب بأضرار كبيرة في منشآتها، فقد كنت الوحيد في بيتنا الذي يقوم بتحديد الطائرات المدافعة والمغيرة لوالديّ من الحديقة الخلفية الصغيرة الملحقة بدارنا، وذلك أثناء معركة بريطانيا. وكان والداي ينتظران بتشوق بالغ إجابتي عما إذا كانت هذه الطائرة المتهاوية المحترقة "من طائراتنا" أم أنها "من طائراتهم". ولا أظن أنني سأنسى ما حييت مشهد لندن ليلاً، تضيئها الحرائق والدخان المتصاعد. ومع أن الاعتراف أمر صعب وشاق على النفس البشرية، إلا أنني أقر هنا بأنني كنت أصلي وأدعو الله كل ليلة أن تستمر الحرب حتى أحصل على ترخيص قيادة المقاتلات من طراز "سبيتفيار". في عام 1943، لما بلغت الحد الأدني من العمر المسموح به للتطوع في الحرب: 17 عاماً وتسعة أشهر، تقدمت الى مركز المتطوعين. كنت حينئذ أعمل "محرراً تحت التمرين" في صحيفة محلية اسبوعية تصدر في مقاطعة سري التي كنا نقيم فيها. كانت فكرة الطيران وقيادة الطائرات تسحرنا جميعاً، وربما لذلك كان الإقبال كبيراً من المتطوعين على سلاح الجو الملكي البريطاني. أجريت لنا إختبارات لتحديد مدى ذكاء كل منا. أذكر أنني حصلت على 161 من 200 نقطة، وتم قبولي على الأثر متطوعاً ضمن الأطقم الجوية. وبعد تمرينات استمرت أقل من 12 ساعة، قررت السلطات المصادقة على إدراجي ضمن برنامج تدريب الطيارين الحربيين. وأخفق أعز أصدقائي في السرب في التحليق بمفرده عدداً من الساعات يكفي لتحويله الى برنامج تدريب الطيارين، ولذلك تم تحويله ليتدرب على وظيفة الملاح الجوي على متن قاذفات القنابل. لم يكتمل التدريب سريعاً مثلما توقعت. فقد تم تأجيله مراراً لأن السلطات لاحظت أن عدد الخسائر في قوات سلاح الجو الملكي وطائراته أقل مما كان متوقعاً. لذلك انصب اهتمامي كله على أن أصبح قائد طائرة مقاتلة، لا قاذفة قنابل ولا طائرة نقل عسكرية. ونجحت في نهاية المطاف في أن أتدرب على قيادة المقاتلات من طراز "سبيتفيار"، وهي المهمة التي ظللت أقوم بها طوال الأشهر الخمسة التي بقيت قبل أن تضع الحرب أوزارها في أيار مايو 1945. وكانت معظم مهماتي تتمثل في مرافقة القاذفات البريطانية حتى تصل الى الساحل الهولندي، ونعود من هناك الى بريطانيا حيث يعاد تموين مقاتلاتنا بالوقود لننضم الى أسراب القاذفات العائدة لتوها من مهمات قتالية فوق الأجواء الألمانية. كانت مهمتنا الرئيسية تنحصر في منع تعرض أي من قاذفاتنا لأي كمين قد ينصبه الألمان الذين اشتهرت طائراتهم المقاتلة من طراز "ميسرشميت - 109". وبعد ثلاثة أشهر فحسب من استسلام ألمانيا، أدت القنبلة الذرية التي ألقتها القاذفات الأميركية على هيروشيما ونكازاكي الى وضع حد للحرب في اليابان، وهي الحرب التي دربنا - نحن المتطوعين - على خوض غمارها من الجو. كان أبي شديد الزهو والفخر بما بلغته. وكنت حين أعود للتمتع بإحدى عطلات نهاية الاسبوع مع أسرتي، كان أبي يتمسك بدعوتي الى إحدى الحانات الشعبية القريبة. ويصرّ على أن أرافقه مرتدياً الزي العسكري الذي يحمل شارة سلاح الطيران. وكان والدي قد تهرب من الإنضمام الى القوات البريطانية بعد اندلاع الحرب العالمية الاولى، ولذلك كان يشعر بشيء من عدم الارتياح الى الماضي. وبعد عودتنا الى المنزل كانت أمي تسألني في براءة: "ألا تخشى شيئاً يا بنيّ"؟ حين يخوض الطيار الحربي إشتباكاً جوياً مع طيران العدو، ويبدأ البحث عن أفضل موقع يتيح له تفادي النيران المعادية، يبدأ جسمه في ضخ كميات رهيبة من الادرينالين. أنا شخصياً كنت أعتقد بأن جسمي يضخ الادرينالين مثلما يضخ الماء في هيئة حبيبات العرق! وصادف كثيراً أن تملكني شعور مفزع بأن القاذفة الألمانية التي تتجه صوبي يقودها ضابط برتبة كولونيل زادت خبرته وتوسعت آفاقة القتالية بمشاركته في الحرب الاهلية الاسبانية! وأخلص - على رغم التوتر والحاجة الى التفكير السريع - الى أن ذلك الكولونيل الالماني يفوقني خبرة الى درجة أن بإمكانه أن يعلمني كيف أقود الطائرة في أسوأ الظروف الجوية أو العسكرية. يعود بؤبؤ عيني سريعاً أثناء القيادة الى الزر الذي يمكنني بضغطه أن أطلق المظلة للهبوط الاضطراري. في عهدنا لم يكن هناك نظام الكراسي التي يتم قذفها بقوة خارج الطائرة قبل تحطمها كما هو شائع اليوم. كان يتعين علينا في أي ظرف اضطراري أن نفتح غطاء الكابينة ونقوم وحدنا بفك الحزام، ثم علينا بعد ذلك أن نحاول تغيير مسار الطائرة قليلاً قبل القفز خارجها، متخذين أقصى الاحتياطات لئلا يصطدم أحدنا بذيل الطائرة وهي تهوي. وعلينا أن نتذكر دائماً أن ننتظر بضع ثوان قبل أن نضغط على الزر الذي يفتح المظلة ليملأها الهواء. وكان ثمة قانون شرف بيننا وبين الألمان: فقد تعاهدنا على ألا يطلق أي من الجانبين النار على طيار أثناء سقوط طائرته أو أثناء محاولته القفز على المظلة. وكان مدربونا وقادتنا يحذروننا من أن اليابانيين قد لا يلتزمون قانوناً أخلاقياً من هذا القبيل. لم أجد نفسي مضطراً الى القفز بالمظلة سوى مرة واحدة انتهت بسقوطي فوق مياه القنال الانكليزي. وقد خف لانتشالي زورق سريع تابع لسلاح الجو الملكي البريطاني. ومن حسن حظي أني كنت مجيداً للسباحة. ومن المفارقات التي مرت بي، أذكر أنني كنت، خلال الفترة من 1972 الى 1975، أشغل وظيفة المتحدث باسم المجموعة الاوروبية هكذا كان اسمها قبل أن تصبح الاتحاد الاوروبي في واشنطن. وكان نائبي ألمانياً. لكنه كان من قادة المقاتلات الالمانية من طراز "ميسرشميت" أثناء الحرب العالمية الثانية. وقاد مقاتلته منذ بداية الحرب الى نهايتها، وقد أسقطت الدفاعات الجوية البريطانية طائرته ثلاث مرات إبان الحرب. وقبل نحو اسبوعين من انتهاء الحرب كان نائبي يقود مقاتلته الالمانية في مهمة تجسسية فوق الاراضي البلجيكية، حين لمح فجأة ثلاث مقاتلات بريطانية من طراز "سبيتفيار" تتجه صوب طائرته. فما كان منه إلا أن اتصل بجهاز اللاسلكي مع قيادته ليبلغهم بأن طائرته تم اسقاطها، وانحدر بطائرته ليلوذ بالفرار. أسر لي الرجل بأنه حسب حساباته على أساس أنه سيؤخذ أسيراً إما لدى القوات البريطانية أو الأميركية، ولم يكن مذعوراً من شيء أكثر من احتمال أن يأسره الروس! وكنا في أحيان كثيرة لا نعثر على أي مقاتلات ألمانية فوق الساحل الهولندي، سواء أكنا في طلعات جوية أو عائدين منها. فقد نجح سلاحا الطيران الأميركي والبريطاني في تدمير معظم القدرات الجوية الالمانية. وكان ذلك دليلاً ومؤشراً الى أن عملية تحرير أوروبا من قبضة النازية قد بدأت تتحقق. وكانت المرة الوحيدة التي أسقطت فيها مقاتلة ألمانية من طراز "ميسرشميت" في معركة جوية نهارية. وما أندر المعارك الجوية التي تدور نهاراً. وقعت تلك المعركة في أجواء المنطقة الجنوبيةالشرقية من انكلترا. ذهبت مساء ذلك اليوم مملوءاً زهواً وخيلاء الى النادي العسكري المخصص لنا SERGENTS' MESS للاحتفال بالنصر الذي حققته نهاراً. وفجأة دخل أحد صف الضباط ليبلغني بأن ضابط الاستخبارات المسؤول عن السرب الذي أعمل فيه يقف أمام الباب طالباً مقابلتي. ولما كان النادي العسكري يعتبر - في النظام العسكري البريطاني - نادياً فئوياً لا يمكن أن يدخله أحد من دون دعوة يتلقاها من أحد الأعضاء، فقد ذهبت الى حيث كان يقف ضابط الاستخبارات ودعوته الى الدخول، وطلبت له مشروباً. بعد قليل أبلغني بأن السلطات تمكنت من الحصول على الاوراق التي كان يحملها الطيار الذي قمت بإسقاط طائرته. وذكر لي أن الطيار الالماني القتيل كان في السادسة عشرة من عمره! وما إن وضع الضابط كوب المشروب على الطاولة، حتى غادرته متجهاً الى مكان إقامتي حيث غرقت في نوبة بكاء محموم. كنت مستغرباً كيف يمكن للألمان أن يدربوا طفلاً دون السادسة عشرة من عمره على قيادة طائرة حربية ويزجون به في أتون المعركة مع البريطانيين والاميركيين. وكان بكائي يشتد حين يطوف بخاطري الحزن الذي سيشعر به والدا الطيار الصغير عندما ينقل اليهما نبأ مقتله. واليوم، ونحن نحتفل بذكرى مرور 62 عاماً على إعلان الحرب العالمية الثانية، لا يزال يطوف بخاطري السؤال الذي أوجهه الى نفسي كل عام أكثر من مرة: ماذا كان سيحصل لو لم تندلع الحرب العالمية الثانية؟ وأقول لنفسي كل مرة: لو لم تندلع الحرب كان التاريخ سيختلف كثيراً: - لو لم تنشب الحرب، ولو لم تتحرك القوات الاميركية والبريطانية وقوات الحلفاء الآخرين لتحتل ألمانيا، ما كان سيصبح ممكناً تحرير من بقي من يهود ألمانيا من معسكرات الاعتقال التي أقامها هتلر. ولن تكون ثمة حاجة الى إتخاذ القرار القاضي بإعادة توطين اليهود في فلسطين التي كانت تخضع لأحكام الانتداب البريطاني. - لو لم تقم الحرب لما اضطرت بريطانيا الى التخلي عن انتدابها لادارة فلسطين، ولما تخلت فرنسا عن انتدابها لحكم سورية ولبنان. وبالطبع لن تكون ثمة حاجة لإلغاء عصبة الامم وقيام الاممالمتحدة. - كان المهاتما غاندي والوطنيون الهنود سيواصلون المقاومة من أجل الاستقلال. صحيح أن بريطانيا كانت منهكة آنذاك، لكنها ما كانت ستتخلى عن "جوهرة التاج البريطاني". ولولا الحرب لما تحقق للهند الاستقلال، ولما ظهرت للوجود دولتا بنغلاديش وباكستان. - لو لم تتسبب الحرب في منح الهند استقلالها في عام 1947، وهو ما أدى الى تسارع تحرير المستعمرات البريطانية والفرنسية والاسبانية والبرتغالية، لكانت حركة التحرر والاستقلال قد تأخرت بضعة عقود بدلاً من أن تؤتي أكلها في الخمسينات والستينات. - ما كانت ستندلع "الحرب الباردة"، وما كانت ستنشأ حاجة الى انعقاد مؤتمر باندونغ الذي أسفر عن تأسيس حركة عدم الانحياز. وربما استمرت سياسة "العزلة المجيدة" في الولاياتالمتحدة. - كانت الأوضاع في الشرق الأوسط ستختلف تماماً عما آلت إليه. إذ إن بريطانيا ليس من السهل أن تتخلى عن مستعمراتها هناك، كما أنها لن تقبل الإنسحاب غرب قناة السويس. - كان تاريخ البشرية سيمضي يإيقاع أشد بطئاً مثلما كانت حركة التاريخ خلال القرن التاسع عشر. ومن مثالب هذا الاحتمال الافتراضي حدوث تأخير زمني كبير في عدد من الانجازات التي تحققت للبشرية بعدما وضعت الحرب أوزارها، كتحرير المرأة وتسهيل دخول الجامعات لأبناء الطبقات الشعبية العادية وليس النبلاء وحدهم. وأذكر أنني حين دخلت الجامعة لم يكن الالتحاق بها ميسوراً لأكثر من واحد في المئة من عموم البريطانيين! وكان يتم اختيار تلك النسبة الضئيلة من أبناء الموسرين والطلبة الذين يحرزون درجات عالية في اختبار الذكاء. - كانت الهزيمة التي ألحقها اليابانيونبفرنسا في جنوب شرقي آسيا سبباً رئيسياً في استقلال المستعمرات الفرنسية، ومنها الجزائر. وكان نجاح القوات الالمانية في طرد القوات البريطانية حتى مشارف القاهرة سبباً لإطاحة الملك فاروق وسطوع نجم الرئيس جمال عبد الناصر، ووضع حد لاتفاق الحكم الثنائي الانكلو-مصري للسودان، وإطاحة امبراطوري ايران واثيوبيا في وقت لاحق. أما بالنسبة لي ... فلو لم تنشب الحرب العالمية الثانية ما كنت سأصبح طياراً. والواقع أنني ظللت أمارس قيادة الطائرات الخفيفة حتى بلوغي سن السبعين. غير أن عدم اندلاع الحرب ما كان سيغير مسار حياتي كثيراً. فقد قررت منذ بلوغي العام السابع من عمري أن أصبح مؤلفاً. وقررت سلفاً أن أتقدم الى جامعة السوربون. وكتبت رسالة الى والتون كول المدير العام لوكالة "رويترز" للأنباء، أسأله كيف يمكنني تأهيل نفسي للإنضمام الى الوكالة. وأذكر أنه في رده نصحني بأن أقضي عاماً في إحدى الصحف لأتدرب على الصحافة. وأوصاني بتعلم الاختزال شورتهاند واللغة الفرنسية. ولو لم تنشب الحرب ربما كنت قد أتقنت الفرنسية، ولربما وافقت "رويترز" على تعييني مديراً لمكتبها في باريس!