تتساءل أوساط فرنسية عن المدى الذي يمكن أن تذهب اليه تركيا في "معاقبة" فرنسا اقتصادياً، رداً على اعتراف البرلمان الفرنسي بإبادة الأرمن، وعلى مصادقة رئيس الجمهورية جاك شيراك رسمياً على القانون البرلماني ومن ثم اعلان مجلس بلدية باريس عن اقامة نصب للضحايا الأرمن. وترى هذه الأوساط ان مبادرة الحكومة التركية الى الغاء بعض العقود العسكرية واستبعاد شركات فرنسية من استدراج عروض لعقود قيد التفاوض، أو الغاء عقود موقعة بالأحرف الأولى، يمكن أن تلحق أذى بالشركات الفرنسية العاملة في تركيا 250 شركة ولا تساهم بتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين. كما ان دعوة النقابات وغرف التجارة التركية والمؤسسات الأهلية الى مقاطعة البضائع الفرنسية، تسيء ايضاً الى هذه الشركات وتسمح بتعزيز فرص المنافسين لها على التمركز في الأسواق التركية. وفي السياق نفسه، فإن الدعوة الى الغاء تسميات الشوارع التي تحمل عناوين فرنسية جادة فرنسا - بولفار شارل ديغول وغيرهما يمكن أيضاً ان تخلق مناخاً سلبياً ولربما تصب الماء في طاحونة المتطرفين، الذين شعروا بأن المبادرة الفرنسية هي بمثابة جرح اصاب "الأمة التركية" التي تعتبر أن ما جرى في الحرب العالمية الأولى كان حرباً أهلية بين الأتراك والأرمن أكثر من كونه مذبحة منظمة عن سابق تصور وتصميم. وتحاول تركيا التعبير عن غضبها بمختلف الوسائل، الى درجة انها تضغط على اذربيجان كي ترفض الوساطة الفرنسية في النزاع على اقليم ناغورني كاراباخ مع ارمينيا. وفي كل الحالات لا يتوقع ان تعيد فرنسا النظر بالقانون الذي صوتت عليه "الجمعية الوطنية" وصادق عليه الرئيس شيراك، ولعل توقيت اعلان بلدية باريس عن اقامة نصب للضحايا الأرمن، مؤشر على تصعيد فرنسي موازٍ، فهو جاء ليؤكد ان باريس ربما تلجأ الى خطوات تصعيدية في كل مرة تبادر فيها تركيا الى تصعيد عقوباتها ضد المصالح الفرنسية، اذ لا يعقل أن تغامر فرنسا بسمعتها الدولية وان تقبل باجراءات عقابية قاسية ضد شركاتها. وفي كل الحالات لا يمكنها أن تبدو أمام العالم وكأنها عاجزة عن حماية قانون اقترع عليه برلمانها وصادق عليه رئيس دولتها. والراجح ان الاعتراف الفرنسي بالإبادة وما سيليه من خطوات سلبية من الجانبين لن يسهل مهمة الداعين الى تطويق الموقف وعدم خلق أزمة مفتوحة تلحق ضرراً أكبر بمصالحهما المشتركة. ذلك ان تركيا لا تستطيع القبول بما تعتبره تهديداً لمصالحها القومية من خلال الاعتراف بمذابح ترى أنها مضخمة وغير مستندة الى وثائق تاريخية ثابتة، وفي المقابل لا يمكن لفرنسا ان تقبل بعقاب اقتصادي ومعنوي في الأسواق التركية من دون أن ترد على ذلك بعقاب مماثل لحماية قانون يستند اصلاً الى السيادة البرلمانية الفرنسية.