مرّ عامان على تولي العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية تبددت خلالهما مخاوف الاردنيين على مصير بلدهم، وهم يرون الملك الشاب متمرساً بالسياسة بعدما عرفوه رجل جندية، كما زادت حركته من ثقتهم بأنفسهم عندما رفع شعار "التغيير في ظل الاستمرارية" مما أنعش الأمل بالقيادة الجديدة التي استطاعت اعادة نسج علاقات الاردن مع العالم الخارجي، تلك التي تضررت بعد حرب الخليج الثانية. فالملك عبدالله لم يكن سوى صفحة بيضاء في التعامل مع العالم، فهو لا يحمل اي ارث من الخلافات او الصراعات التي عصفت بالمنطقة خلال العقود الماضية. لقد جاء الملك الشاب رجل اتفاق وليس رجل خلاف، الامر الذي اعطاه القدرة على تصحيح مسار علاقات بلاده مع جميع دول العالم بعد حملة علاقات عامة ناجحة قادها على قاعدة العلاقات المتوازنة والاتجاه نحو علاقات عربية اكثر "اخوة" رافعاً شعار "الاقتصاد اولاً" للتخفيف من الازمة الاقتصادية في بلاده خصوصاً المديونية الكبيرة ، اضافة الى السعي لتهيئة المناخ الاستثماري لجذب الشركات العالمية للاستثمار وفتح الاسواق الخارجية امام العمالة والصناعات والمنتوجات الزراعية الاردنية وتسويق الاردن سياحياً بطريقة مقنعة. وقد نجح العهد الجديد في التأسيس ل"المملكة الرابعة" داخلياً وأعطت جولاته الخارجية صورة نموذجية عن الحاكم الشاب في العالم الثالث الذي يسعى لبناء بلده على قاعدة من التطور العلمي، في عالم أخلت فيه الايديولوجيا الصفوف الاولى للتكنولوجيا. ويلاحظ المراقبون الانجازات الداخلية التي حققها الملك عبدالله، من قانون جديد للمطبوعات والنشر واحداث نقلة في الاعلام الرسمي بتسليمه لقيادات شابة، وابتعاده عن الخطاب السياسي المبهرج المتكلّف ذي العبارات الانشائية وتركيزه على بناء قاعدة معلوماتية قادرة على قيادة بلده نحو المستقبل الافضل، واستبعد الملك الكثير من القيادات التنفيذية المدنية والعسكرية تماشياً مع خط التحديث لانه يعرف ان 60 في المئة من الشعب الاردني اصغر منه سناً. وقد انجزت الحكومة الاولى برئاسة عبدالرؤوف الروابدة مرحلة الانتقال للعهد الجديد، وجاءت الحكومة الثانية برئاسة المهندس علي ابو الراغب لتبدأ فتح الملفات الاقتصادية وتدخل في تفاصيلها الدقيقة تشريعاً وتنفيذاً. ويبدو ان المرحلة المقبلة تواجه العديد من التحديات والصعاب . تأتي معضلة قانون الانتخاب واجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري في تشرين الثاني نوفمبر المقبل في مقدم القضايا . فالعاهل الاردني اعلن قبل حوالي الشهرين ان الانتخابات النيابية في موعدها، لكن المؤشرات على الارض تعطي عكس ذلك، فمشروع القانون المعدّل لقانون الانتخاب لا يزال يراوح مكانه منذ ثلاث سنوات في مجلس النواب، واللجنة القانونية في المجلس تماطل في السير باتجاه اقراره وتحويله للمناقشة العامة، واحزاب المعارضة تصرّ على الاستمرار في مقاطعة الانتخابات النيابية اذا ما اجرتها الحكومة على القانون الحالي القائم على مبدأ "صوت واحد لكل مواطن"، فيما يبدو ان رئيس الوزراء ابو الراغب هو الاكثر حماساً في السعي الى تأجيل الانتخابات وبالتالي التمديد لمجلس النواب لسنة مقبلة بحجة غموض الظروف الاقليمية المحيطة. ويلاقي موقف رئيس الحكومة تأييداً كبيراً في مجلس النواب، لكن القاعدة الشعبية تظهر ضيقاً من المجلس الحالي، في الوقت الذي لم تتضح فيه الصورة بعد، فالحسم دائماً يكون بيد الملك الذي لا يبدو انه بحاجة الى اي قرار قد يخدش عهده الجديد والديموقراطية الاردنية، لكن اي قرار باجراء الانتخابات او التمديد للمجلس النيابي سيكون مؤشراً على عمر الحكومة. ونشأ التحدي الثاني بعد الصدام المفاجئ بين الحكومة والنقابات المهنية التي اصدرت قائمة سوداء باسماء الشركات والاشخاص "المطبّعين" مع اسرائيل، الامر الذي اعتبرته الحكومة تحدياً لسلطة الدولة وتعدياً على الحرية الشخصية المصونة بالدستور، مما ادى الى اعتقال رئيس واعضاء لجنة مقاومة التطبيع في النقابات المهنية التي تسيطر جماعة "الاخوان المسلمين" على اغلب قياداتها. وقد واصلت الحكومة هجومها على النقابات وسط استمرار التحقيق القضائي مع اعضاء اللجنة، غير ان النقابات سعت للتهدئة خصوصاً بعدما اعلنت الغالبية النيابية دعمها للحكومة ودعوتها لمراجعة أطر العمل النقابي، الا ان اتفاقاً على الحل أُبطل في اللحظات الاخيرة عندما رفضت النقابات تقديم اعتذارها العلني عن "القوائم السوداء" وعاد التوتر بين الطرفين. ولا تزال القضية الاقتصادية وأزمتها المتواصلة تشكل الهمّ الاول لدى الحكومات الاردنية، فالاصلاحات الاقتصادية التي أرضت المؤسسات الدولية لم تلبّ طموحات المواطن الاردني ولم تنتشله من ازمته التي تزداد عاماً بعد عام. ويشير تقرير صادر عن وزارة التخطيط الى ان نسبة الانفاق من المخصصات الرأسمالية على مشاريع الدولة لم تزد على 60 في المئة في العام الماضي، مما يعني ان هناك تأخيراً في انجاز المشاريع بنسبة 40 في المئة فيما كانت نسب الانجاز في العام الماضي 71 في المئة وفي عام 1998 وصلت الى 84 في المئة، ولا يزال تحويل مدينة العقبة على البحر الاحمر الى منطقة اقتصادية خاصة يمرّ بمراحله الاولى والتحدي فيه كبير جداً، ويراهن الاقتصاديون المحليون على توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع العراق في نهاية الشهر الجاري. وقد شهد العام الماضي انسحاب العديد من الشركات الاستثمارية العالمية الكبرى من تنفيذ مشاريعها بسبب وجود ضغوط اسرائيلية، فشركة "هيدرو آجري" النرويجية انسحبت من مشروع ضخم لإنتاج الاسمدة، كذلك انسحبت شركة "أموكو" من تنفيذ بناء خط انابيب الغاز بين الاردن ومصر، ولا تزال شركة كندية تفاوض على استثمار استخراج النفط من الصخر الزيتي، وتبلغ قيمة هذه الاستثمارات الثلاثة اكثر من 3 مليارات دولار