كانت عملية "عبيدة" في اليمن، أول عملية عسكرية تشتبك فيها قوات الأمن والجيش مع مطلوبين ينتمون إلى تنظيم "القاعدة" وأول عملية خلال العام الحالي من حيث حجم الخسائر في قوات الأمن التي بلغت أكثر من عشرين جندياً. على رغم عمليات المطاردة والاعتقالات التي شهدتها اليمن خلال السنوات الثلاث الأخيرة، خصوصاً منذ تفجير المدمرة الأميركية "كول" في تشرين الأول اكتوبر 2000، استهدفت قيادات وعناصر من تنظيمات إسلامية عدة، إلا أن اسم تنظيم "القاعدة" لم يكن موجوداً في اليمن قبل أحداث أيلول سبتمبر الماضي في الولاياتالمتحدة. ولعل ظهوره تنظيماً وعناصر، بحسب مصادر رسمية ل"الوسط"، لا يتجاوز مطلع الشهر الماضي عندما اكتشفت أجهزة الأمن خلايا من هذا التنظيم، بينما كان مسؤولون في وزارة الداخلية يؤكدون خلو اليمن من أي عناصر تنتمي إليه، وان اليمن لم تتلق قوائم من واشنطن بمطلوبين في أحداث أيلول من تنظيم "القاعدة". وبعد خبر اكتشاف الخلايا، نشرت صحف محلية نبأ مفاده أن أجهزة الأمن تمكنت من القبض على أربعة أفراد من هذا التنظيم من دون تفاصيل تذكر، حتى جاءت عملية الاشتباك الأخيرة التي ظهرت أكثر من مفاجأة. وحيال اختلاف روايات وسائل الإعلام عن الحادث، أوضحت وزارة الداخلية أن قوات الأمن تسندها وحدات من الجيش ومروحيات من القوات الجوية، قامت ب"متابعة بعض العناصر المطلوبة للأجهزة الأمنية والمشتبه بانتمائها لتنظيم "القاعدة" التي أكدت المعلومات وجودها في كل من مديرية بلحارث وعسيلان وبيحان محافظة شبوة، وفي منطقة عبيدة محافظة مأرب". وأنه تم "ضبط عدد من الأشخاص الذين يؤوون تلك العناصر في منطقة بيحان"، إلا أن متهمين بإيواء هذه العناصر في منطقة عبيدة أطلقوا النار على جنود الأمن الذين يقومون بالتفتيش، وأسفر اطلاق النار "عن سقوط عدد من الشهداء والجرحى". إلا أن مصادر حكومية كشفت ل"الوسط" عن تفاصيل تتركز في أن مروحيات عسكرية مرت على ارتفاع منخفض في سماء منطقة عبيدة اثناء انتشار الجنود لأداء مهمتهم، فتوهمت مجموعات من قبائل المنطقة أنها جاءت لتقصفهم، ففاجأوا الجنود باطلاق وابل من الرصاص عليهم في هجوم لم يجد الجنود أمامهم فرصة للرد، نظراً إلى تمترس المهاجمين، ما أدى إلى مقتل أكثر من عشرين جندياً، منهم قائد الحملة الضابط صالح ملفي. وأضافت المصادر ان من بين المعلومات التي تلقتها أجهزة الأمن، ان قياديين اثنين من تنظيم "القاعدة"، مصريي الجنسية، يجري البحث عنهما منذ أسابيع، وصلا إلى منطقة عبيدة ضمن مجموعة من العناصر التابعة للتنظيم تسربت إلى المنطقتين، ومن ثم كانت الحملة للتفتيش عن المجموعة والقبض على أفرادها، خصوصاً القياديين المصريين اللذين يطلق على أحدهما "أبو عاصم" وعلى الآخر "أبو عادل". وعللت المصادر عدم العثور عليهما باحتمال أن يكون عناصر وأنصار تنظيم "القاعدة" في عبيدة قد أخرجوهما إلى منطقة أو مكان آخر عندما سمعوا بالحملة، أو أن تكون المعلومات التي تلقتها أجهزة الأمن غير دقيقة. وطرحت هذه الحادثة، نظراً إلى حجمها، جملة من التساؤلات والتوقعات بين مختلف الأوساط. ومن حصيلة ما أجرته "الوسط" من اتصالات مع مسؤولين ومراقبين سياسيين وحزبيين وشخصيات اجتماعية وقبلية، يمكن القول إن معظم المصادر ترى أن هناك مقدمات وعوامل مباشرة هيأت للحادثة ودفعت بها إلى هذا التصعيد من حيث حركة عناصر المطاردة، واسناد القوات المسلحة لقوات الأمن في الحملة وإقدام المهاجمين على قتل جنود قوات الأمن. وازاء هذا طرحت المصادر من جديد ما سبق أن حددته ثم أكدته أوساط صحافية، من تسرب عدد من أتباع ابن لادن والمنتمين إلى تنظيمه، إلى اليمن، هرباً من قصف ومطاردة القوات الأميركية والفصائل الموالية لها في أفغانستان أثناء عملياتها الأخيرة هناك. وأن بين هذه العناصر يمنيين وعرباً وغيرهم. ومن ناحية أخرى، ربطت المصادر بين هذه الحادثة وحادثة الخطف الأخيرة التي استهدفت الخبير الألماني كارل لينارت في منطقة جهم، من حيث علاقة الخاطفين الثلاثة الذين تم القبض على أحدهم عند الافراج عن المخطوف، وهو أحمد ناصر الزايدي، ولا يزال اثنان هاربان تجري ملاحقتهما أمنياً، بمهاجمي قوات الأمن في الحادثة من أبناء منطقة عبيدة، إضافة إلى وجود ما وصفته المصادر ب"السجل الحافل" بتراكمات من أحداث أمنية سابقة بينها عمليات حصار وقصف من قبل قوات الأمن ووحدات من الجيش ضد العناصر المتهمة بهذه العمليات التي كرست بالتالي حالات من الخوف والنفور والتوتر لدى هذه العناصر المستهدفة من أبناء عبيدة وبعض المناطق المجاورة لها في محافظة مأرب. وبهذا فسرت مصادر حزبية تنفيذ الحملة العسكرية ومهمة التفتيش في منطقة بيحان في محافظة شبوه من دون ردود فعل تذكر، على عكس ما حدث في منطقة عبيدة هذه. من جانب آخر، أكدت ل"الوسط" مصادر في قيادة حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، ان المطلوبين الذين استهدفتهم الحملة، هم ثلاثة فقط تلقت صنعاء تحديداً هوياتهم من واشنطن ضمن طلب للقبض عليهم في إطار التعاون الأمني الذي أكده الرئيس جورج بوش مع الرئيس علي عبدالله صالح، أثناء زيارة الأخير لواشنطن. ولفتت المصادر إلى ما عبرت عنه اليمن بتميز عن غيرها من بلدان المنطقة في ما يتعلق ب"مكافحة الإرهاب" ومراقبة قيادات وعناصر الجماعات المتطرفة من تنظيم "القاعدة" وغيره، نظراً إلى أن عملية انتقال هذه الجماعات وعناصرها إلى اليمن بدأت منذ مطلع الثمانينات من أفغانستان ومن أقطار عربية وإسلامية وأجنبية أخرى، وكان اثر هذا الانتقال فاعلاً في اليمن من حيث تشكيل خلايا عملت على توسيع نشاطها وتنظيم اتباعها وشد عناصر من كل التوجهات إليها، بأساليب ومسميات ومبررات متعددة، ومنها بالطبع، خصوصاً في السنوات الأخيرة، أتباع ابن لادن الذين اعتبرت المصادر أن حادثة عبيدة ربما كشفت عن جوانب جديدة من هذه الحقيقة عنهم، تتمثل في وجود المزيد من الاتباع والأنصار المرتبطين بزعيم تنظيم "القاعدة" أكثر مما كان محسوباً أو متوقعاً. وأشارت المصادر إلى سياسة جديدة انتهجتها الدولة لمكافحة هذه التجمعات وإحداث الاختراقات الأمنية عموماً، وهي تبدأ بتنفيذ ما اقتضته توجيهات القيادة السياسية من اجراءات عسكرية حاسمة من دون وساطات أو مفاوضات أو اعتبارات حزبية أو قبلية أو غيرها كانت تتم مراعاتها في الماضي القريب والبعيد. وكان الرئيس صالح في لقائه القادة العسكريين وحديثه إليهم في منتصف الشهر الجاري أكد هذا الاتجاه الذي يتوجب "على القادة العسكريين في كل المواقع والوحدات التمسك به عند مواجهة أي جهة أو شخص يعبث بأمن الوطن والمواطن، بقوة وحسم من دون هوادة أو تهاون..."، لافتاً إلى أن المؤسسة العسكرية "ستعمل على استئصال تلك النتوءات وتجفيف منابعها والتصدي لعناصرها وما تسببه من اختراقات أمنية ألحقت ضرراً بالغاً بالاقتصاد الوطني". وخاطب قادة الجيش بقوله: "عليكم أن تضربوا بيد من حديد كل المخلين بالأمن والخارجين على القانون". إلا أن اللافت في هذه الحادثة هو التلميح إلى أن العناصر التي يطاردها الجيش ينتمون في معظمهم إلى جنسيات غير يمنية، وانهم "يتحملون إثم وجريمة عدم رعايتهم واحترامهم لقيم ومبادئ الضيافة وما تفرضه من الوفاء للبلد الذي أحسن استقبالهم..."