أثار القرار الذي اتخذته وزارة الثقافة السورية أخيراً، لحل مشكلات السينما السورية، ردود فعل متضاربة من قبل السينمائيين. فقد اعتبر بعض المعنيين ان تحويل المؤسسة العامة للسينما الى "هيئة عامة ذات طابع اداري" بمثابة الأسفين الاخير في نعش السينما السورية التي تعيش منذ سنوات في "غرفة الانعاش" بعد ان تعطّل الانتاج فيها، بسبب غياب التمويل عن الافلام الجديدة. ورأى بعضهم الآخر، ان مثل هذا القرار مقدمة نحو خصخصة السينما وسحب البساط من تحت أقدام "سينما القطاع العام" هذه السينما التي ظلت طوال العقود الثلاثة الأخيرة، نموذجاً للصناعة الوطنية، على رغم من الصعوبات والعراقيل البيروقراطية. ويشير أحد البنود الواردة في القرار، الى "الغاء مرسوم حصر الاستيراد بالمؤسسة"، والسماح لأصحاب الصالات السينمائية باستيراد الافلام، في مقابل دفع "عمولة" للمؤسسة العامة للسينما. وفي حال تحقق مثل هذا الشرط، ستخسر المؤسسة أحد مواردها الأساسية، وتكون ضربة قاصمة إذا لم تحصل على دعم كبير من الحكومة. ويؤكد بعض المعنيين في الشأن السينمائي، ان أخطر بنود القرار، هو المتعلق بإنتاج "أفلام ذات نشاط سياحي، وإعلامي، وإعلاني، وتوثيقي". فهذا الامر يعني بالدرجة الاولى، عودة السينما السورية خطوات الى الوراء، حين ينحصر دورها في انتاج هذه النوعية من الافلام التي يتكفل بها عادة الفيديو، وهي في أحسن أحوالها ستكون مجرد "مناظر" تعرض في مقدمات الافلام، او تخزّن في المستودعات. وإذا كان معظم السينمائيين، يتحسّس الخطر في مثل هذه القرارات المرتجلة، فإن بعضهم يرى في تشجيع الانتاج السينمائي الخاص، فرصة لتطوير الحركة السينمائية، وتجديد الصالات المتهالكة، خصوصاً ان القرار يدعو الى "تشجيع" اقامة صالات سينمائية جديدة واعفاءات جمركية على استيراد المعدات السينمائية، واتاحة الفرصة للانتاج المشترك بين المؤسسة والقطاع الخاص المحلي والعربي... لكن مثل هذا الامر، يبدو مستحيلاً في ظل أزمة التمويل وغياب المبادرات الخاصة، واتجاه القطاع الخاص السينمائي الى الانتاج التلفزيوني! ولعل أكثر المتضررين من توقف عجلة الانتاج السينمائي، هو المخرج أسامة محمد الذي ما زال ينتظر صرف التمويل اللازم لفيلمه "صندوق الدنيا" منذ ثلاثة أعوام، وكذلك المخرج غسان شميط الذي حصل على موافقة اللجنة الفكرية في إجازة انتاج فيلمه "زهر الرمان". اضافة الى عشرات المخرجين الذين ينتظرون فرصة للموافقة على سيناريوهات افلامهم، ومنهم محمد ملص الذي تعرّض سيناريو فيلمه "سينما الدنيا" للرفض في عهد الادارة السابقة. ويقول المخرج سمير ذكرى ان فيلمه "تراب الغرباء" لا يزال أسير العلب، ولم يعرض تجارياً الى اليوم، على رغم مشاركته وفوزه بجوائز عدة في المهرجانات السينمائية العربية والدولية في السنتين الماضيتين. ويضيف: "أستغرب حقاً مثل هذه القرارات المجحفة بحق السينما السورية، خصوصاً ان المشكلات المتراكمة لهذه السينما هي نتاج فساد الإدارة السابقة للمؤسسة إدارة المخرج مروان حداد فيما يُطلب من السينمائيين دفع فاتورة الحساب كاملة؟!". أما المخرج نبيل المالح فيرى الحل بإنشاء "صندوق لدعم السينما". وجاء قرار وزارة الثقافة هذا، مواكباً لورقة عمل أعدها السينمائيون السوريون حول "واقع ومستقبل السينما في سورية" وحملت توقيع 48 سينمائياً، واعتبروا ان "أزمة السينما ليست قدراً محتوماً. فهناك كوادر كبيرة ومتميزة، وخبرات كافية للبدء بورشات كبرى، وأساس لبنية تحتية قابلة للتطوير". وطالب السينمائيون الدولة بحماية السينما ودعم هذه "الصناعة الاستراتيجية"، وأن يكون للانتاج السينمائي حصته في توزيع الدخل الوطني، اضافة الى "دعم وحماية وتحديث انتاج المؤسسة" و"الخلاص من عقدة "المؤامرة" في الانتاج المشترك". واقترحت الورقة تأسيس "المجلس الوطني للسينما" وانشاء "المعهد العالي للسينما"، واعادة الروح الى مهرجان دمشق السينمائي، وتشجيع انشاء "النوادي السينمائية"، و"اعادة النظر في قوانين الرقابة وآليات عملها"، لأن "حرية الابداع، شرط اساسي لنشوء مناخ حوار وطني عميق ومسؤول". ويبقى السؤال: الى متى ستظل الأجهزة الرسمية تأكل الحصرم والسينمائيون يضرسون؟!