ضيف الله الحربي يكتب..أندية الصندوق الواقع والمأمول    بنك التنمية الاجتماعية بخميس مشيط في زيارة لجمعية البر بأبها    وزير الدفاع يصل الكويت لرئاسة وفد المملكة في اجتماع الدفاع الخليجي المشترك    الجوازات تصدر 25,646 قرارا إداريا بحق مخالفين لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    كوريا الجنوبية تصدر تحذيرا في أعقاب تسجيل الحالة السادسة بمرض حمى الخنازير    ريمار تختتم مشاركتها في سيتي سكيب العالمي 2025 بإطلاق هويتها الجديدة وتوقيع شراكات دولية    أمير الشرقية يزور جناح أمانة الشرقية بملتقى ومعرض ريادة الأعمال راد 2025    روسيا تطالب بجدول زمني لانسحاب الاحتلال الإسرائيلي    انطلاق أعمال منتدى الأعمال السعودي الفرنسي في الرياض    رئيس وزراء تايوان: "العودة" للصين ليست خيارا للشعب التايواني    كراسنودار الروسية تتعرض لهجوم "ضخم"    اختفاء نجم من السماء مساء الأمس لمدة 28 ثانية    القبض على يمنيين لتهريبهما (12) كيلو جرامًا من نبات القات المخدر    الصين تطلق المركبة الفضائية "شنتشو-22"    الأطفال يتابعون الصقور عن قرب    الإرهابي والعلاقات السعودية الأمريكية    104% زيادة بتوثيق عقود الشركات    الأسواق الرقمية تستجيب لتوقعات خفض الفائدة    60% من قادة الأعمال بالمملكة على دراية بالتهديدات التقنية    اقتصاد المملكة يواصل نموّه القوي    ليلة السقوط الآسيوي للاتحاد والأهلي    الجوف.. مواقع تاريخية تجذب الزوار    فيلق الإبل.. عبور الذاكرة وسرديات الهوية    117 دقيقة لأداء العمرة    الخريف في فعاليات يوم الاستثمار والشراكات ل "اليونيدو" يؤكد ريادة المملكة الصناعية عالميًا    زراعة أصغر منظم قلب لمولودة تزن 2 كجم    إقالات داخل الجيش الإسرائيلي.. الاحتلال يجدد القصف على خان يونس    بعد مقتل الطباطبائي وأربعة من مرافقيه.. استنفار بإسرائيل واحتمالات مفتوحة لرد حزب الله    تحت رعاية عبدالعزيز بن سعود.. تكريم المتقاعدين من منسوبي الأحوال المدنية    الحقيل يزور سويسرا    تقويم التعليم تطلق الرخصة المهنية للمدربين    تطبيق الGPS.. ماله وما عليه    «الداخلية» تدعم الجاهزية الأمنية في «الشمالية»    ميسي يتألق ويقود ميامي لنهائي المنطقة الشرقية    في الجولة الخامسة لدوري أبطال أوروبا.. برشلونة يواجه تشيلسي في قمة كلاسيكية.. ومان سيتي يستقبل ليفركوزن    عمار يا دمشق من غير إيكوشار    ضجيج اللحظة    أحمد السقا يستعد ل «خلي بالك من نفسك»    «عدالة التحكيم وتأخر التجديد في الهلال»    "الشؤون الإسلامية" تسلم 25 ألف مصحف للمالديف    نائب وزير الخارجية يستقبل رئيس البرلمان المجري    من السويد إلى قطاع غزة.. وثائق جديدة تكشف مسارات تبرعات «الإخوان» المشبوهة    الميكروبات المقاومة للعلاجات (1)    قطع غيار    تعزيز قدرات الاكتشاف المبكر للأعراض..«الغذاء»: ربط قاعدة التيقظ الدوائي بمنصة الصحة العالمية    قرعة نصف نهائي كأس الملك تقام 30 نوفمبر في استوديوهات "ثمانية"    لبنان بين ضربة الطبطبائي واستعدادات ما بعد الاغتيال    فيصل بن خالد يُعلن أسماء الفائزين بجائزة الملك خالد لعام 2025    هيئة تقويم التَّعليم والتَّدريب تستعرض الرُّخص المهنيَّة للمدرِّبين في لقاء بجامعة أمِّ القرى    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة    محافظ الطائف يقدم التعازي لوكيل المحافظة البقمي    جامعة أم القرى تحقق مراتب متقدمة في التصنيفات العالمية    القطاع العدلي يواكب التحولات العالمية.. الصمعاني: الجودة القضائية ركيزة أساسية لجذب الاستثمارات    حين يكون العطاء لغة وطن    «الحج»:«نسك عمرة» منصة موحدة وتجربة ميسرة    الناهشون في جسد النجاح!!    117 دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر جمادى الأولى    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد تداعي المشاريع القومية واليسارية ، كتاب جماعي يطرح السؤال . النهضة والتنوير : وعود مؤجلة أم تحديات مفتوحة ؟
نشر في الحياة يوم 03 - 07 - 2000

المسار المراوغ والمتقلب لأفكار الإصلاح والنهضة والتنوير، التي ما انفكت تجرّب، منذ قرن ونصف، فرصتها لكسر الأسس التقليدية التي تقوم عليها مجتمعاتنا، قد يضع بيد المتأمل دليلاً قاطعاً على مدى ضعف عوامل الحتمية التي تسوق تاريخنا نحو بدايات منظورة ومرغوبة. فعلى الرغم من جاذبيتها النظرية الكبيرة، لم ترس تلك الأفكار، المتقاربة في دوافعها والمتباعدة في منطلقاتها وحججه ، على أرض صلبة، ولم تعثر لها على حامل تاريخي يترجمها إلى مفردات واقعية ويؤسسها ضمن منطق الشرعية والإجماع... لذا ظلت عائمة ومؤجلة مثل وعود خائبة أو تحديات مفتوحة.
ولسنا هنا بصدد بحث الأسباب ، إذ يكفي القول إنه على مستوى الفكر الإسلامي استثارت مفاهيم الإصلاح والنهضة اكثر من استجابة وموقف. ففي تراث مفكري نهاية القرن التاسع عشر كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي، اكتسب "الإصلاح" و"النهضة" دلالة مركزية، حيث تمحور اهتمام هؤلاء حول ممكنات تخطي تخلف العرب، واتخذوا من أوروبا نداً ومثالاً في آن واحد. وغلّف هذا الموقف المزدوج نفسه بسلسلة من الثنائيات المعروفة كالأصالة والمعاصرة، التقليد والمعرفة، والهوية والتغيير، وسواها.
المحافظة على الهوية
أما استجابة المنظرين والدعاة الإسلاميين في نهاية القرن العشرين، فقد اتخذت منحى مختلفا نسبياً. فهي بعد أن شهدت تداعي التجارب السياسية القومية واليسارية لفترة نصف القرن الماضي، وفشل نموذج التحديث على الطريقة الغربية، وتعاظم الشكوك حول شمولية الفكر الحداثي الغربي، انجذبت إلى أولوية الخصوصية الحضارية على التقدم المادي. المسألة، بالنسبة إليها، ما عادت تتعلق بالتقدم واللحاق بالغرب، وهو أمر يسرته فعليا نتائج التحديث الواسعة، والتحولات التي مرت وتمر بها مجتمعاتنا. المسألة الأساسية في منظور الفكر الإسلامي المعاصر تتمثل في المحافظة على الهوية وضمان سلامة العقيدة وطمأنة هواجس التمايز والنقاء الذاتي. وبموازاة هذا الفكر تجسدت مفاهيم النهضة والتنوير في دعوات علمانية صريحة عند الكواكبي وقاسم أمين وسلامة موسى وطه حسين على سبيل المثال لا الحصر. لقد نهل هؤلاء الرواد من مصادر المعرفة الغربية، وطرحوا مشاريع نظرية تراوحت بين التقليد التام لحياة الغرب وفلسفته الحضارية، وبين إعادة قراءة التراث ومواءمته مع المعارف والعلوم الوافدة. وكانت لها، بدرجة أو بأخرى، أصداء أيديولوجية كالليبرالية والقومية والماركسية.
أما كتاب "قضايا التنوير والنهضة في الفكر العربي المعاصر" الصادر أخيراً عن "مركز الدراسات العربية في بيروت"، فلا يتوقف عند أي من هذين الوجهين الكلاسيكيين لما يسمى بصدمة الحداثة. يضم الكتاب ثلاث عشرة مقالة سبق أن نشرت متفرقة في أواخر القرن العشرين، وستّ منها تستلهم أفكار محمد عابد الجابري ومحمد أركون وعبدالله العروي، أو تشرحها، أو تعلق عليها، أو تناقشها وتناظرها. فبين أفكار الجابري التي يتكرر ذكرها في ثنايا الكتاب، يشار إلى منهجه في النقد المعرفي، تحليله لبنية العقل العربي إلى حقول ثلاثة هي: البيان والبرهان والعرفان، قراءته التاريخية للتراث، وتقييمه للخطاب العربي المعاصر. وهذه الأفكار شكلت نقاط ارتكاز لبعض المقالات، أو نقاط اعتراض لأخرى، كما فعل لؤي صافي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، حيث أخذ على الجابري استعارته للمفهوم الوضعي الغربي للعقل، وعدم اكتراثه "بمباديء العقل الفطرية ذات الطبيعة الكلية". ويؤكد صافي، في المقابل، على أهمية الوحي في تشكيل العقل العربي، وعلى خطأ استبعاد الجابري للبيان والعرفان من دائرة البرهان، ويعتبر ذلك دليلا على تبعيته للنظرة الغربية الحديثة.
الدعوة إلى "نهضة ثانية"
أما المنهج التاريخاني لعبدالله العروي فيتناوله سيار الجميل في دراسة تفصيلية، يخلص منها إلى اتصاف المنهج المذكور بقدر واضح من القسر والإسقاط، وبقدر أكبر منه من الإرادية والطوباوية. إذ لا يكفي، برأي هذا الباحث، الانحياز لفضائل التاريخانية من حيث هي تسليم بقوانين تطور شاملة متجاوزة للثقافات، لنطالب، كما يذهب العروي، بفرضها مباشرة على مجتمع كمجتمعنا له خصوصياته وتقاليده وإشكالياته السياسية المعقدة. ويعقب الجميل: "إن الاعتماد على المرجعية الأوربية سيفضي، لا محالة، إلى إدخال مجتمعنا العربي في أطر مؤدلجة، وسيضر حتما بعمليات تكوين المستقبل العربي. ويتوصل السيد ولد أباه إلى استنتاج مماثل، إذ يشيد بأهمية اشتغالات الجابري ومحمد أركون من ناحية عدم اعتمادها على نسخة إطلاقية للتنوير، وتأكيدها على البعد الثقافي في تشكيل العقل وبالتالي رفض إمكانية الانفصال التام عن تراث الأمة. لكن السيد ولد أباه، يلاحظ أن التنوير ونقده، على يد الجابري وأركون، جاءا من الخارج، الأمر الذي يفسر الأزمة المزمنة لمشروع التنوير. فما دام المشروع الثقافي العربي يتبنى مناهج التفكير الغربية، فإنه "يصطدم برهانات وإشكالات اجتماعية وفكرية محلية تختلف جذريا عن السياق الغربي الذي يربطنا به زمن ثقافي مشترك" ص 111 .
ولعلّ وراء استنتاج كهذا منطق يدحض نفسه بنفسه، وينتهي من حيث بدأ. فهل التطابق هو الشرط الوحيد لعلاقة الفكر بالواقع؟ من أي زاوية ينبغي رسم حدود العلاقة بين الداخل والخارج؟ وهل سيتيح لنا الانعزال، بوصفه نقيضا للتبعية، ارتياد الفرصة المنتظرة لإدراك واقعنا على حقيقته من دون توسطات خارجية، ومن دون نماذج جاهزة ؟ وهل سيفضي تقويض أصنام الحداثة، وما بعد الحداثة الغربية، إلى إنهاء رحلة اغترابنا الطويلة على هامش التاريخ، فنفهم أنفسنا كما كانت دائما أو كما ينبغي لها أن تكون؟ لو أجبنا بنعم، فسنقترب من موقف الكتّاب المشار إليهم أعلاه، لكننا سندخل، بحكم المؤكد، البهجة إلى قلب جلال أمين الذي لاحظ أن قصة التنوير في بلادنا "قصة محزنة للغاية" ص 90.
ففي مقاله النقدي لتيار التنوير العربي، أخذ المفكّر المصري على دعاته نظرتهم التبسيطية لقيم العقل والحرية والتسامح، وهي النظرة التي جعلتهم يغفلون عن الشروط الثقافية التاريخية النسبية لتحقق تلك القيم. ويذكر جلال أمين هؤلاء، مثلاً، بأن حرية التعبير ليست حقّا مطلقا أو مرغوبا فيه دائما، وأنها لم تتحقق أبدا بصورتها المجردة. ويذكّرهم أيضاً بأن الحكم السلبي المسبق على الدين يسقطهم في التعصب وقسر الرأي الآخر. هذه النسخة المقلدة للتنوير الغربي التي كان طه حسين من أبرز ممثليها هي، برأي أمين، غير ضرورية البتة لفتح الطريق نحو نهضة مجتمعاتنا.
ما المقصود بالنهضة؟
لكن ما المقصود تحديداً بالنهضة؟ يجيب إسماعيل صبري عبدالله أحد مناصريها المعروفين، بأنها "هبة مجتمعية تسعى إلى إكساب الحضارة القومية قدرتها على إنتاج المعارف والمهارات في تعامل متكافئ مع الحضارات الأخرى" ص 257 . وللنهضة، برأيه، ضرورة لا يمكن الالتفاف عليها بمجرد الإدعاء بأصلها الأوربي الغربي، لأنها من حيث الجوهر قوة للانعتاق من انحطاط وتخلف عميقين. ولا أحد بوسعه أن يماري في حصتنا، كمجتمعات عربية، من هاتين الظاهرتين المزمنتين. لذلك يدعو الكاتب إلى الشروع بنهضة ثانية من شروطها تطوير وتحديث نظم التعليم، تنشيط وبرمجة عملية الترجمة، إطلاق مبادرة المجتمع المدني والديمقراطية.
ولكي تتكلل النهضة الثانية بالنجاح، عليها أن تجد المناخ السياسي المناسب، وهو المناخ الذي أعاق النهضة الأولى لما ساده من صراع على السلطة إثر مرحلة الاستقلال. هذا المطلب يكاد يكون صدى لملاحظة سابقة وثاقبة لسلامة موسى، قال فيها: "أسوأ ما أخشاه أن ننتصر على المستعمرين ونطردهم، وأن ننتصر على المستغلين ونخضعهم. ثم نعجز عن أن نهزم القرون الوسطى في حياتنا ونعود إلى دعوة "عودوا إلى القدماء""


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.