البورصة الأوروبية تغلق على ارتفاع طفيف    خادم الحرمين يرعى منتدى الرياض الدولي الإنساني    استضافة السعودية كأس العالم مكسب كبير    تجليات الحسنات    الصحة توقع اتفاقية لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    جامعة الملك خالد تحقق المرتبة الخامسة عربيًا والثانية وطنيًا    المملكة ترأس أعمال الدورة العادية الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة يصلون مكة ويؤدون مناسك العمرة    الأخضر يبدأ استعداده لمواجهة اليمن ضمن خليجي 26    أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    إصدار النسخة الأولى من السجل الوطني للتميز المدرسي    القبض على شخص بمنطقة الحدود الشمالية لترويجه «الأمفيتامين»    لاجئو السودان يفرون للأسوأ    مشروعات علمية ل480 طالبا وطالبة    "كايسيد" يعزز من شراكاته الدولية في أوروبا    الجامعة العربية تعلن تجهيز 10 أطنان من الأدوية إلى فلسطين    اختتام أعمال منتدى المدينة للاستثمار    تطوير واجهة الخبر البحرية    جيش الاحتلال ينتهك قواعد الحرب في غزة.. هل يُفشل نتنياهو جهود الوسطاء بالوصول إلى هدنة ؟    «مستشفى دلّه النخيل» يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    "الشركة السعودية للكهرباء توضح خطوات توثيق عداد الكهرباء عبر تطبيقها الإلكتروني"    كافي مخمل الشريك الأدبي يستضيف الإعلامي المهاب في الأمسية الأدبية بعنوان 'دور الإعلام بين المهنية والهواية    د.المنجد: متوسط حالات "الإيدز" في المملكة 11 ألف حالة حتى نهاية عام 2023م    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ووزير الداخلية بالكويت يزور مركز العمليات الأمنية في الرياض    فعاليات يوم اللغة العربية في إثراء تجذب 20 ألف زائر    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائناً فطرياً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يلتقي بابا الفاتيكان    لا تكتسب بالزواج.. تعديلات جديدة في قانون الجنسية الكويتية    رضا المستفيدين بالشرقية استمرار قياس أثر تجويد خدمات "المنافذ الحدودية"    تجمع القصيم الصحي يعلن تمديد عمل عيادات الأسنان في الفترة المسائية    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    إن لم تكن معي    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    الطفلة اعتزاز حفظها الله    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب المغربي تقاعد عن الوظيفة لا الكتابة وروايته المقبلة عن الطفولة البعيدة . يرفض الكتابة اليقينية ويغازل الأمكنة ... والمرأة عنده نساء إدريس الخوري : أريد أن أحمي أبنائي من لعنة الأدب !
نشر في الحياة يوم 24 - 07 - 2000

"لست كاتباً هامشيّاً" ينبّهنا إدريس الخوري بنبرة كأنّّها تحذير، فهو يكتب عن الهامش بشكل مفتوح ولا يهتم بالفلسفة أو السياسية بمفهومها السائد. والقاص والصحافي المغربي الذي بلغ سن التقاعد على المستوى الإداري، وقرّر التفرّغ التام لأبداعه، يعتبر أن "الكتابة استمرار للحياة. وصراع ضدّ الرتابة... تمارسها عن قناعة واختيار مبدئي، كما تمارسها لأنك مسكون بها كاللعنة" . وعن تجربته الأدبيّة يوضح الخوري الذي يشّكل مع محمد زفزاف ومحمد شكري ثلاثياً على حدة فوق الساحة المغربيّة: "أحاول أن أكون استثنائيا في كتابتي ولغتي ورؤيتي للأشياء والموجودات والعالم، وكذلك في طريقة لباسي وسيري في الشارع العام، وفي الطقوس الحميمية التي تربطني بذاتي وبالآخر". في هذا الحوار يحكي عن علاقته بالسخرية والطفولة والصداقة والمرأة والتبغ، كما يأسف لكون الثقافة "تراجعت وانحسرت في الدار البيضاء، أمام وحش الرأسماليّة الزاحف". كما يأسف لكون "الأكشاك تفيض بسيل من الإصدارات التي لا تمكن قراءتها... في حين أن الأسماء المعروفة التهت عن الكتابة، ولم تعد تهتم بها".
منذ فترة يعيش إدريس الخوري "أيام التقاعد"، بعد بلوغه الستين. لكن الكاتب والقاص المغربي الذي تم تكريمه في مدينة خريبكة وسط المغرب في هذه المناسبة "غير المريحة"، يبدو بعد اجتيازه هذه العتبة الرمزيّة أكثر حيوية ونشاطاً. فهو يعكف حالياً على كتابة رواية عن أيام الطفولة، وقد إختار لها عنوان "العشيرة"، وتدور حول تلك الطفولة التي عاشها في حي "درب غلف" في مدينة الدارالبيضاء. عندما تطلب من الخوري الحديث عن تلك الايام يتحدث بتلذذ ويخوض في أدق التفاصيل. فهو يختزن ذاكرة حادة للأمكنة والناس. مرة سألناه عن سباق للكلاب ما يزال يجري في الدار البيضاء ويراهن عليه الناس كما يراهنون على الخيول، فأجاب ضاحكاً: "ذهبت الى هناك مراراً، لسنوات خلت، وكان أكثر ما أثارني ان أولئك المراهنين يرغبون في جمع "ثروة" من سباق الكلاب، ويشجعونها على الركض بعبارة "أركض ياأخي أركض ..."، ولك ان تتخيل مراهناً يخاطب كلباً بعبارة يا أخي".
ومع ان الخوري يعيش حالياً، ومنذ سنوات طويلة في الرباط، لكن الدارالبيضاء المدينة، والمخيلة، تطفو باستمرار على سطح الذاكرة، كما تكمن في قاعها. يتنقل الخوري بين مدن المغرب يتابع المهرجانات الثقافية بهمّة ابن الثلاثين ونشاطه. عندما تسأله: كيف وجدت أيام التقاعد؟ يكتفي بالضحك، فهو لا يشكو إلا من قلة ذات اليد. وشغله الشاغل تأمين مصاريف ولديه يوسف ومروان. الخوري ما يزال حيويا في جلساته. يطلق النكات الساخرة، ويروقه التقاط القفشات والمواقف الطريفة. يعلق على هذا المقال، أو يبدي وجهة نظر حول ذاك الكاتب. ينتقد بسخرية مريرة أحياناً. ويقول حول بعض ما يكتب: "هذه كتابات الأسهال والانشاء". ويعتقد إدريس الخوري ان الكاتب في الحياة لا يتقاعد الا في قبره، لذلك تراه منشغلاً بيومه، أما الغد فلا يكترث له كثيراً. بين الفينة والاخرى يكتب في صحيفة "الاتحاد الاشتراكي"، عندما يكون المزاج رائقاً. وفي هذا الحوار يتحدث الخوري على السجيّة، كما هي عادته.
هل وصلت كتابة إدريس الخوري الى سن التقاعد؟
- لا أعتقد أن الكتابة مرتبطة بسن معينة، سواء كان عن متابعة الكتابة تقاعداً، توقفا اضطرارياً أو اختياراً. فالكتابة تبقى مستمرة في كوابيسنا، في أحلامنا الكثيرة، وفي ما نعيشه ونشعر به كلّ يوم. أعتقد أن الكتابة بهذا المعنى هي استمرار للحياة، تمارسها عن قناعة واختيار مبدئي، كما تمارسها لأنك مسكون بها كاللعنة. وكوني وصلت سن التقاعد على المستوى الإداري، لا يعني توقفي عن الكتابة سواء في منابر إعلامية شتّى. إن التوقف عن الكتابة أمر لا يحسمه إلا الموت، ومادام الكاتب على قيد الحياة فهو مستمر في الكتابة الى ما لا نهاية.
مدينة مفتوحة
هل ادريس الخوري كائن من كائنات مدينة الدار البيضاء التي تصارع الانقراض؟
- كلنا منقرضون، أنت أيضاً ستنقرض ذات يوم! وباعتباري أنتمي الى مدينة كبيرة مثل الدار البيضاء فهذا يعني أنني مرتبط بها وجدانياً وروحياً على رغم أنني اقطن في الرباط منذ أكثر من ثلاثين سنة. مجيئي الى الرباط العام 1968، كان دافعه مهنياً للاشتغال في الصحافة، كنت مراسلا لجريدة "العلم" في الدار البيضاء بين 6419 و6819، ثم استدعاني عبد الجبار السحيمي لالتحق بجريدة العلم... أما حياتي الروحيّة والمتخيلة، فما تزال تستمدّ نسغها من الدار البيضاء. أنا أصارع حياة رتيبة تحاول أن تهزمنا كل يوم، نصارعها لكنّها لنا بالمرصاد.
برأيك ما الذي يميز الرباط عن الدار البيضاء ثقافياً؟
- الدار البيضاء تتميز بفضاءاتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. وذكرياتي فيها كثيرة، تعود الى سنوات الطفولة. لكن أهمها انها مدينة مفتوحة. كنا نسهر فيها الليل حتى الصباح من دون مشاكل، ومن دون عنف وجريمة كما هي الحال الآن. ولا أنسى، حتّى اليوم، فضاءات بعض المقاهي التي ما تزال تحفظ صولاتي وجولاتي مع أصدقاء الدرب، كما هو الشأن في المسرح البلدي، وبعض القاعات السينمائية التي اندثرت وانقرضت مثل كائنات العصور الغابرة، بفعل التحول الاقتصادي وهيمنة رأس المال على المدينة التي أصبحت تتميز بطابعها الاقتصادي والمالي. ومن ثمة يمكن القول ان الشأن الثقافي أصبح ضئيلاً، أمام وحش اقتصاد "كازابلانكا".
كيف تنظر إلى كتاباتك؟
- لا يمكن أن أحكم على نفسي بنفسي، لكني تمكنت من تنويع مفهوم الكتابة خلال تجربتي. فإذا كان بعض الكتّاب المغاربة ينطلق في تجربته من مرجعيات فكرية وأكاديمية جامعية، فأنا أبدو على العكس، أكتب بشكل مفتوح ولا أهتم بالفلسفة أو العنصر السياسي بمفهومه السائد. أكتب نصوصا قصصية تعبّر عن الذات والقلق، وعن الاقتباسات التي تتكون منها شرائح اجتماعية عريضة. أكتب عن الهامشي واليومي، والأمكنة والرحلات، وعن الأشياء التي أجد فيها ضالتي وملاذي... أما المجالات الأخرى فأتركها لذوي الاختصاصات : اني أكتب الأدب ولا شيء غير الأدب مع انفتاح على أجناس إبداعية أخرى كالموسيقى والتشكيل والمسرح والسينما.
إذاً أنت كاتب استثنائي؟
- لا ادعي ذلك، ولكني أحاول أن أكون استثنائيا في كتابتي ولغتي ورؤيتي للأشياء والموجودات والعالم، وكذلك في طريقة لباسي وسيري في الشارع العام، وفي الطقوس الحميمية التي تربطني بذاتي وروحي، وعلاقتي مع الآخر ومع أسرتي، والأمكنة التي تغازلني وأغازلها، وتحملني وأحملها الى قمم الشوق الأدبية الجميلة... فأنا لست كاتبا هامشياً، أكتب عن الآخرين من خلال الأفكار والضحك، وطقوس الحياة اليومية التي تعجب بعضهم، وقد لا ترضي البعض الآخر. فاستثنائيتي نابعة من كوني اكتب عن أشياء أبدو غير مهتم بها، أو يبدو الآخرون متعالين عليها. فالكتابة بالنسبة إليّ، تعني القرب الدائم من الذات والمجتمع.
تعجبني السخرية وأعجبها
لكن كتابتك أكثر سخرية ؟
- أنا أصلا تعجبني السخرية وأعجبها، نحن نتفاهم مع بعضنا البعض في كل الأحوال والظروف، ولذلك فهي شغفي، وتجعل كتابتي أكثر تأثيرا على المتلقي. وأنا على كل حال ارفض الكتابة الجامدة، المتخشبة وضد الكتابة اليقينية التي تريد أن تخلق فضيلة مزعومة، فأنا كائن أميل الى السخرية، وإن كانت مُرّة فهي بناءة وهادفة، وليست ضد الآخرين. إنها سخرية سوداء تحاول ان تقارب الكائن الحي في إطاره اليومي والاجتماعي.
وما حظ سيرتك الذاتية "درب العشيرة" التي تعمل عليها حالياً، من هذه السخرية؟
- لا أعتقد أن سيرتي الذاتية التي ستصدر قريباً، هي رواية لحياتي منذ الطفولة. روايتي الجديدة فيها بُعد، لا أقول تاريخياً، بل هو عبارة عن محطات في حياتي. ولا أعتقد أن السخرية حاضرة فيها بشكل طاغ... وهي على كل حال سرد لمجموعة من الوقائع المهمّة في حياتي الشخصية.
الى أي حد تعتبر نفسك صادقا في سيرة "درب العشيرة"؟ وما نسبة اعتمادك على الخيال في سرد الوقائع والأحداث ؟
- أظن أن السيرة الذاتية تركز على المحطات الأساسية في حياة الإنسان، وفي ذاته ومحيطه وعلاقته بالآخر... لذلك فأنا لم أشأ تغليب الجانب التخييلي في السرد التاريخي، بل حرصت كل الحرص على أن أكون صادقا مع نفسي ومع الآخرين، في تدوين هذه الأحداث. ليس هدفي افتعال التخييل حتى يقال عني أني أمزج الواقع بالمتخيّل. لكنّ السيرة تدخل في قالب روائي، والجانب الروائي فيه بعد تخييلي، ليس بالمفهوم الفانتاستيكي بل بالمفهوم التخييلي الجمالي والانتولوجي، وحتى السياسي بحكم المرحلة التي عشتها في الدار البيضاء.
مشهد مفتوح
هل هناك تقنية محددة يقوم عليها أسلوبك في الكتابة القصصية؟
- ليست هناك تقنية محددة، أكتب انطلاقا من إحساسي العميق بالحياة وبالوجود. لن تجد في أعمالي ما يسمى بوحدة الموضوع كما هو الشأن عند بعض القصاصين، بل أكتب انطلاقا من المشهد كما يبدو لي. وهذا المشهد ينعكس على أوضاع إنسانية أو مكانية... نصوصي مفتوحة على كل الاحتمالات ولا عقدة فيها. وهكذا فتقنية الكتابة في ظني هي كيف تشخص حالة ما، وكيف تحكي فليست لدي قواعد كلاسيكية للكتابة القصصية، فما يهم هو كيفية تناول المشاهد اليومية، بأسلوب بسيط، ولغة ساخرة تنفذ الى أعماق القارئ مثل الأبد.
يقال إن الأدب القصصي تراجع لمصلحة الشعر...
- لا أعتقد ذلك. في السنوات الأخيرة بدأت الرواية والقصة في المغرب تنتعشان، وتخلقان حالة من التواصل والاستمرارية والتراكم... وكذلك بالنسبة إلى الشعر. ليس هناك تراجع في هذا المجال، بل توقفات ليس إلا... لا تلغي الجانب الفني لتلك التراكمات. ونلاحظ زخماً في الكتابات الابداعيّة لدى الجيل الجديد من مختلف الأجناس. لكن المشكلة أن الشعر الراهن في المغرب أغلبه رديء، خصوصاً قصيدة النثر، والأمر نفسه أصاب القصة القصيرة والرواية. فالأكشاك أصبحت تفيض بسيل من الإصدارات التي لا تمكن قراءتها، وهذا شيء غير محمود. أما الأسماء المعروفة فاشتغلت بأشياء أخرى، والتهت عن الكتابة،ولم تعد تهتم بها للأسف.
أنت من رواد الكتابة القصصية في المغرب. فهل أنت راض عن هذا التصنيف الذي يضعك في خانة واحدة مع محمد زفزاف ومحمد شكري؟
- إذا كنا زفزاف وأنا، قد كتبنا قبل محمد شكري، فهذا لا يلغي كوننا ننتمي الى جيل واحد... وكثيرون يضعوننا نحن الثلاثة في خانة واحدة، مع العلم أن لكل واحد خاصيته : شكري ينتمي الى فضاء طنجة، زفزاف ينتمي الى فضاء القنيطرة والغرب، وأنا أنتمي الى فضاء الدار البيضاء، ولكل طقوسه وإشكالياته، ما يجمع هذا "الثالوث المحرم" لدى بعضهم، هو أننا نشكل بكتابتنا حالة استثنائية في الحقل القصصي المغربي، باعتبار أننا اخترنا الكتابة عن الناس البسطاء، وربما كان ذلك ما جعل صدى إبداعنا يصل الى الآخر في العالم العربي وغير العربي. فإذا كنا نكتب عن البسطاء وعن النساء البسيطات والمعقدات والزوجات العاشقات المتصابيات او الساقطات، فهذا لايعني أننا نكتب عن الهامش، بل نعكس الحياة اليومية والاجتماعية، هذا هو القاسم المشترك الذي يجمعنا نحن الثلاثة. لكن لماذا ننسى عبد الجبار السحيمي ومحمد الهرادي وأمين الخمليشي، وأحمد بوزفور الذين يكتبون نصوصا تنتمي الى الهامش؟
لست زوجاً مثالياً!
كيف تعيش حياتك مع أسرتك الصغيرة؟
- مثل سائر عباد الله: بشكل بسيط. لست مثاليا. حاولت المزاوجة بين حياة أسرتي الصغيرة وحياتي الشخصية، فأنا مسؤول عن هذه الأسرة، لكني لست الزوج المثالي الذي يدخل البيت في الوقت الذي تفرضه الزوجة، ما زلت أشرب القهوة خارج البيت، وأسهر الليل مع بعض الأصدقاء، وما زلت أعود متعبا مثل حصان، ليست لدي أخلاقيات معينة، مازلت أحافظ على طقوسي الشخصية كما كنت قبل ان اتزوج فأنا داخل البيت رجل آخر، وخارجه رجل آخر.
هل ستلقن درسا في الكتابة القصصية ليوسف ومروان ؟
- لا أريد أن يقتفيا أثري، في المغرب لا ضمانات للمشتغلين في الأدب. فقد كتبت كثيرا لكني لم أستحق ولو كلمة شكر من هذه الدولة. أريد لطفليّ أن يختارا أي مهنة غير مهنة والديهما، إذ يكفيهما ما عانيت كل هذه السنين مع لعنة الكتابة التي ما تزال تطاردني وتعذّبني بكوابيسها وترهق كاهلي بأعبائها.
وماذا عن أصدقائك القدامى والجدد؟
- في السنوات الأخيرة، لم يعد هناك مفهوم حقيقي للصداقة، فهناك فقط تحية ومعرفة. سابقا كان لي عدد من الأصدقاء بعضهم توفي وبعضهم انشغل بهموم الدنيا. حالياً لا يسأل أحد عني، فالكل اصبح منشغلا بمشاريعه الخاصة، وبجمع النقود، مفهوم الصداقة الذي عشته في الستينات لم يعد قائماً.
المرأة سراب
وهل انتهت حكاياتك مع المرأة؟
- ما زلت أكتب عن المرأة. والمرأة عندي مجموعة من النساء المتبرجات، فيهم الموظفة والعاشقة، والساقطة. المرأة ملتبسة، هي كائن مغر مثل السراب، ما ان تصل إليه حتى يهرب منك الى ابعد الحدود. فأنا أحاول أن أكتب عن النساء العاديات، واحيانا عن النساء البورجوازيات المنعزلات. والمجتمع المغربي مليء بهذا الصنف الذي يتلون من حين لآخر. المرأة عندي كائن حي دوني في مجتمع ذكوري، والجمعيات النسائية المغربية بدأت ترفع صوتها عاليا ضد الرجل، وكأنه عدو لهذا الكائن اللطيف.
متى ستزف لنا خبر إقلاعك عن التدخين؟
- أرتبطت بالتدخين لاكثر من أربعين سنة ارتباطا حميما، أدخن نوعا واحدا هو "كازاسبور" ، إنها نشوة عابرة، والسيجارة سم لذيذ، حاولت أكثر من مرة التخلي عنها لكنها تزوجتني الى الأبد ولا أستطيع عنها فكاكا. أحيانا اهجرها لمدة شهر أو شهرين لكني أعود إليها طائعاً فتمطرني بالقبلات. فهي تعوضني عن حالات عصيبة أعيشها يوميا، لدي خاصية واحدة، وهي انني لا أدخن في البيت احتراما للزوجة والأطفال، أدخن فقط أثناء الكتابة وفي المقهى وفي حالات عصيبة جدا.
وهل تنام معك الصحافة في الفراش؟
- كنت متفوقا في مادة الانشاء، فصرت صحافيا أديبا! الصحافة حالة من الحالات المتميزة في حياتي الشخصية، فيها أعيش، جئتها من الأدب، فلم أدرس في معهد، على رغم انني درست في تونس في معهد ألماني للصحافة من دون أن أظفر بشهادة لأسباب عدّة. الصحافة تنام حيث أنام، وترافقني كل الوقت مثل ظلي.
الكتابة للعيش
لماذا تكتب، ولمن تكتب؟
- أكتب إذاً... وماذا بعد، أكتب للناس، ولذاتي واكتب للجميع. لا أدعو الى كتابة شعبوية بل انا ضدها. إنني أدعو الى كتابة بسيطة، من دون التخلي عن جماليتها. أكتب لأعيش واكتب لنفسي وللاخر الذي يفهمني ويريد فهم سخريتي وأسلوبي ولغتي ورؤيتي للعالم وللوجود.
لماذا وصفت الثقافة المغربية بثقافة "الياجور" أي الطوب؟
- قلت ذلك عن بعض المثقفين الذين أصبحوا يكتبون هنا وهناك من أجل حفنة من الدولارات، بدلاً من الاهتمام بقضايا الناس وذلك ما يجعل ثقافتهم عبارة عن "ياجور" طوب .
ماذا يعشق إدريس الخوري بعد القصة والصحافة؟
- أحب الموسيقى والتشكيل والسينما والمسرح. أحب الجاز والروك، خصوصاً ذلك الذي ينحدر من ثقافة الستينات. أحب الامريكي بوب ديلون. أهوى الموسيقى المستوحاة من الشعر والثقافة بشكل عام، كما أحب ألوان الموسيقى المغربيّة العيطة الشعبية الحوزية المرساوية والملحون، وأحبّ التصوير الفوتوغرافي.
وهل ترقص أحيانا مع الموسيقى؟
- ليست لدي صحة للرقص، ثم أنني كبرت على الرقص، أنا أستمع فقط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.