ماركسية الصين نشر اكاديمي صيني أخيراً، عبر جهاز الانترنت، مقالة تدعو الى الاصلاح السياسي، فردّت السلطة بحملة تطهير طالت عدداً من الاكاديميين. هذا ليس جديداً في الصين. الجديد ان السلطة، في سياق الرد، نشرت وعمّمت نصين، احدهما خطاب للرئيس جيانغ زمين، والثاني مقال عُدّ من الادبيات السجالية للثورة الثقافية في حينه. فالمقال المذكور كُتب في 1970 على شكل افتتاحية صحافية تدعو الى التمسك بالماركسية في الاقتصاد والتعليم وجوانب الحياة الاخرى. وهذه الاستعانة بالترسانة الايديولوجية للثورة الثقافية، ومن خلال مقال كتب قبل ثلاثة عقود، جاءت لتحيّر مراقبين كثيرين: فالماركسية، في الصين، لم تبق الايديولوجيا المعتمدة في الاقتصاد الذي شرع، منذ سنوات، يواجه الليبرالية والتخصيص. لكنها، مع هذا، بقيت الايديولوجيا المعتمدة في السياسة والاجتماع، اي بصفتها ذريعة للابقاء على حكم الحزب الواحد. وهذا اذا ما بدا مفهوما في سياق الثنائية الصينية الشهيرة اقتصاد ينحو الى الليبرالية وسياسة حزب واحد، الا ان غير المفهوم هو استعادة ادبيات الثورة الثقافية علماً انها التعبير الاشد جموحا وتطرفا عن الماركسية الصينية. فهل ذاك من قبيل الافلاس الايديولوجي لنظام لم يعد يجد ما يبرر به، او حتى ما يفسر، ثنائيته الراهنة؟ اندماج أوروبا الإعلامي في محاولة منها للاستجابة للتحدي الذي طرحته الاندماجات الاعلامية الاميركية، وافقت بيرسون بي. ال. سي. على ان تدمج انتاجها التلفزيوني الذي يقدّم برامج ذائعة الصيت، ب سي. ال. تي. - يو. إف. آي.، وهي الاذاعة التي تملكها بيرتلسمان الالمانية ومجموعة بروكسيل لامبرت البلجيكية. الشركة الجديدة ستكون اضخم محطة اعلامية في اوروبا، اذ ستنتج برامج تمتد على اكثر من 10 آلاف ساعة في السنة، وتسيطر او تملك حصصا في 22 محطة تلفزيونية عبر اوروبا، ما يعني اكثر من 120 مليون مشاهد. والمشروع الجديد مرشح لأن يتمدد الى كل مجالات التلفزيون الرقمي والانترنت، فضلا عن احتمال تجاوزه المساحة الاوروبية من خلال تحالفات جزئية مع مؤسسات اميركية. وتبلغ مبيعات الشركة الجديدة التي لم تُسمّ بعد، ما قيمته 64،3 بليون دولار، كما بلغت ارباحها في 1999 قبل حذف الفوائد والضرائب 445 مليون دولار. اما توزّع الحصص في هذا المشروع العملاق فسيكون على الشكل الآتي: 37 في المئة لبيرتلسمان، و30 لمجموعة بروكسيل، و22 لبيرسون، وحوالي 11 في المئة ستبقى حصصاً عامة متناثرة. وهذا العقد يُعدّ آخر المحاولات واوفرها طموحا لايجاد مؤسسة اعلامية قارية، بعدما كانت تليفونيكا الاسبانية للهاتف قد وافقت في الشهر الماضي على شراء إندمول الهولندية للانتاج التلفزيوني بقيمة 2،5 بليون دولار. عالم من المدن كثيرون هم القائلون ان احدى نتائج العولمة أن عالمنا لم يعد عالم دول، بل غدا عالم مدن. والحال ان المدينة تتحول لاعبا مستقلا في الاقتصاد الدولي، وربما كانت الآن في طور يفضي بها الى عصرها الذهبي. فرئيس بلدية المدينة الكبرى اليوم لا يستطيع ان يكون كذلك من دون ان يمتلك سياسته الخارجية. وهناك الآن ما بات يشبه الرابطة الدولية لرؤساء البلديات، بدليل المؤتمر الذي انعقد أخيراً في مدينة ليون الفرنسية وضم اكثر من ثلاثين رئيس بلدية من فرنسا والمانيا والولايات المتحدة، لكي يناقشوا تجاربهم وخبراتهم في ما خص الفرص التي تتيحها العولمة. ذاك ان السياسات التي كانت محلية في الماضي، تغدو في القرن الواحد والعشرين كونية. فالمدن الآن تنسّق في ما بينها مثلما تتنافس كتنافس الشركات في الاقتصاد العالمي، فتبحث كل منها عن جذب الاستثمار والعمالة اليها. كذلك فهي معنية مباشرة بآثار العولمة لأن الحكومات صارت "أصغر من ان تتعامل مع المشاكل الكبرى واكبر من ان تتعامل مع المشاكل الصغرى"، بحسب تعبير آلان جوبيه رئيس بلدية بوردو ورئيس الحكومة الفرنسي السابق. واذا كانت الحظوة تعود الى الدول والحكومات، الا ان بلديات المدن هي التي تنجز العمل الحقيقي، أتمثّل في التجارة والمواصلات ام في التعليم والثقافة. ولأن بعض المدن اقرب الى مدن اخرى في بلدان اخرى، مما الى مدن البلد نفسه، صار التنسيق بين المدن ذا طابع كوني. وصار كل مطار من مطارات البلدان الكبرى يعقد اتفاقات خاصة به، من خلال مجلس بلديته في الاغلب، مع شركات الطيران. لا بل يبدو في مرات كثيرة ان الدول وحكوماتها عنصر اعاقة لعمل المدينة، وللمرونة التي يحتاجها رؤساء البلديات في مناخ الاقتصاد الدولي. ولهذا تقوم الدول بالتنازل للمدن وبلدياتها عن صلاحيات متزايدة في مجالات الصحة والرعاية والتعليم. الا انه اذا كان الاقتصاد العالمي يمنح الناس فرصة العمل حيث يختارون، فهذا ما يهدد بافراغ الارياف وتعاظم الازمة الديموغرافية في المدن. وهذا بدوره يفاقم ازمات التمديُن والامن في المدينة، ومن ثم ضرورات التنسيق. انتصارات الفن البدائي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت موجة اعادة الاعتبار للفن البدائي. فقد اكتشف بعض كبار المثقفين الأوروبيين، بسبب الحرب وويلاتها، ان الحداثة يمكن ان تكون قاتلة بكفاءة اعلى من كفاءة العهود السابقة عليها. وذهب غيرهم، في فرنسا وفي غيرها، الى أن البدائيين اسسوا ابداعات فنية وجمالية، استلهمها كثيرون من الفنانين والنحّاتين الأوروبيين المعاصرين. في الفترة الأخيرة حدثت نقلة كبرى على هذا الصعيد يمكن عدّها انتصاراً نوعياً للفن البدائي. ففي فرنسا، وافق متحف لوفر الشهير على ضم اعمال بدائية اليه، وكان المعني بالموضوع مباشرةً رئيس الجمهورية جاك شيراك شخصياً. فقبل خمس سنوات كان شيراك قد عبّر عن رغبته الشخصية في ان يكون لتلك الاعمال موقع دائم في المتحف العريق. واعترض مسؤولوه بشدة بذريعة ان لوفر متحف فرنسي وليس كونياً، وانه ينبغي وضع المجموعة البدائية في امكنة اخرى. لكن قبل ايام افتتح شيراك بنفسه اربع غاليريات تم تجديدها لاستضافة تلك الاعمال الوافدة من افريقيا وآسيا وأوستراليا القديمة والأميركتين. وهذا ليس الجهد الوحيد الذي بذله الرئيس الفرنسي في هذا المضمار، علماً بأن لرئيس فرنسا تقليدياً وجهة نظر في الشأن الثقافي. فهو يُعدّ الآن لمتحف كامل متخصص بعرض اعمال الحضارات القديمة. وفي العام الماضي كان قد اختير مهندس العمارة جان نوفيل لوضع مخطط لمبنى المتحف الجديد، بكلفة 190 مليون دولار. ويقع المشروع الذي سيُفتتح في 2004، بمحاذاة نهر السين قريبا من برج ايفل. فيتنام تتحدث الانكليزية في قطيعة اخرى مع الماضي القومي والنضالي، اختارت فيتنام الانكليزية، لا الفرنسية او الروسية، بصفتها اللغة الاجنبية المفضّلة للتعليم. كما توجهت الى خصومها السابقين في واشنطن طالبةً منهم ان يساعدوها في اعادة صوغ برامجها التعليمية. وكانت كتب الانكليزية القليلة التي دُرّست حتى الآن من وضع اساتذة روس، وقد جاءت مليئة بالاخطاء: من المعاني وضروب الاستخدام وتركيب الجمل وصولاً الى النحو والاملاء. وهذا ما يفسر حقيقة ان اساتذة الانكليزية الفيتناميين اليوم، والبالغ عددهم 35 الف شخص، لا يجيدونها! اما الكتب التي ستُستخدم الآن في الصفوف ما بين السادس والثاني عشر، فساهم الاساتذة الاميركان مساهمة اساسية في وضعها وبلورتها، فيما تولّت بضع شركات اميركية، مثل كوكا كولا، تمويل المشروع. واللافت ان معظم الشركات الممولة كانت حتى سنوات قليلة خلت، مدانة وممنوعة في فيتنام بوصفها تعبيرا عن "الامبريالية الأميركية" ورمزا لها. بيد أن وزارة التعليم الفيتنامية لم تتخل عن سيطرتها على ما يجري. فهي احتفظت لنفسها بسلطة الرقابة والاقرار النهائي. وفعلا راقبت كل فاصلة ونقطة كي تضمن "عدم تسلل السياسة" من خلال التعليم. وهذا ناهيك عن الالحاح على تغيير بعض التسميات بما يلائم القراءة الرسمية الفيتنامية للتاريخ: بهذا المعنى حذفت الوزارة كل ذكر ل"بحر الصين الجنوبي" لتُحلّ محله "البحر الشرقي" تدليلا على الخلاف مع الصين حول جزر سبراتلي. كما أصرّت على أن لا يُحذف من البرنامج اسم الجنرال فونغويان جياب الذي يعتبره الفيتناميون بطلاً وطنياً. لكن المهم ان الممانعة الثقافية سقطت. والحال انه حتى قبل قرار الحكومة في شباط فبراير الماضي باستخدام هذه الكتب، بل قبل مرسوم 1998 القاضي بان يكون جميع الموظفين الذين دون الخمسين مُلمّين بالانكليزية، راح عشرات آلاف الشبان الفيتناميين يدرسون هذه اللغة. وقد فعل معظمهم بمبادرة فردية موّلوها بأنفسهم. فالروسية التي سادت في فترة ما في الشمال، فقدت كل منافعها مع توقف الدعم الروسي لفيتنام. اما فرنسا التي لا تزال حكومتها تدفع معاشات مُدرّسي لغتها في ذاك البلد، فلم تستطع احداث اختراق لساني يُذكر. لكن أهم مما عداه كان التغييرات التي طرأت على أنظمة التعليم، تبعاً لبرنامج موّله البنك الدولي واستراليا وبريطانيا والشركات الاميركية المذكورة. فهذا البرنامج لم يكتف بفتح الباب واسعاً امام الانكليزية التي تحتاجها الاصلاحات الاقتصادية على نحو قاهر، بل اطاح فلسفة التعليم السابقة ومؤداها: "أجلس واسكت واسمع واحفظ"، لتسود فلسفة أخرى مفادها: "إسمع وفكّر وناقش واعترض".