البديوي: إحراق مستشفى كمال عدوان في غزة جريمة إسرائيلية جديدة في حق الشعب الفلسطيني    منع تهريب 1.3 طن حشيش و1.3 مليون قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    جمعية(عازم) بعسير تحتفل بجائزة التميّز الوطنية بعد غدٍ الإثنين    مراكز العمليات الأمنية الموحدة (911) نموذج مثالي لتعزيز الأمن والخدمات الإنسانية    الهلال يُعلن مدة غياب ياسر الشهراني    جوائز الجلوب سوكر: رونالدو وجيسوس ونيمار والعين الأفضل    الفريق الفتحاوي يواصل تدريباته بمعسكر قطر ويستعد لمواجهة الخليج الودية    ضبط 23194 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.. وترحيل 9904    بلدية محافظة الاسياح تطرح فرصتين استثمارية في مجال الصناعية والتجارية    حاويات شحن مزودة بنظام GPS    الأونروا : تضرر 88 % من المباني المدرسية في قطاع غزة    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب الفلبين    مهرجان الحمضيات التاسع يستقبل زوّاره لتسويق منتجاته في مطلع يناير بمحافظة الحريق    سديم "رأس الحصان" من سماء أبوظبي    أمانة القصيم توقع عقد تشغيل وصيانة شبكات ومباشرة مواقع تجمعات السيول    «سوليوود» يُطلق استفتاءً لاختيار «الأفضل» في السينما محليًا وعربيًا خلال 2024    الصين تخفض الرسوم الجمركية على الإيثان والمعادن المعاد تدويرها    المكسيك.. 8 قتلى و27 جريحاً إثر تصادم حافلة وشاحنة    بعد وصوله لأقرب نقطة للشمس.. ماذا حدث للمسبار «باركر» ؟    الفرصة مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    انخفاض سعر صرف الروبل أمام الدولار واليورو    أدبي جازان يشارك بمعرض للتصوير والكتب على الشارع الثقافي    دبي.. تفكيك شبكة دولية خططت ل«غسل» 641 مليون درهم !    «الجوير».. موهبة الأخضر تهدد «جلال»    ابتسامة ووعيد «يطل».. من يفرح الليلة    رينارد وكاساس.. من يسعد كل الناس    رئيس الشورى اليمني: نثمن الدعم السعودي المستمر لليمن    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    السعودية تقدم دعمًا اقتصاديًا جديدًا بقيمة 500 مليون دولار للجمهورية اليمنية    ضبط 3 مواطنين في نجران لترويجهم (53) كجم "حشيش"    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    رفاهية الاختيار    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عربيان مشاركان : فنانة تصور باطنها ومسرحي لا يعرف لغته الأم . مهرجان ادنبره سيمفونية الصخب العاطفي والحب الأفلاطوني
نشر في الحياة يوم 21 - 09 - 1998

أطفأت مهرجانات ادنبره اضواءها وخفتت الضجة التي سكنت شوارع العاصمة الاسكتلندية الصغيرة على امتداد حوالي خمسة اسابيع، ولم يبق "سوى سكون الليل" كما قال كورس اوبرا "داليبرو". وكانت الخلافات التي تفجرت بين المهرجانين الدولي والجانبي تسببت في متاعب اضافية للمكان وضيوفه، وفتحت باب التكهنات على مستقبل التظاهرة.
دأب المهرجانان طيلة 51 عاماً على البدء في وقت واحد وإسدال الستارة معاً آخر الموسم. وهكذا كانا منذ تأسيسهما اثر الحرب العالمية الثانية في محاولة لدمل جراحها، بمثابة مهرجان واحد يستمر حوالي 3 أسابيع. ولم تلبث مهرجانات اخرى ان تفرعت عنه، وكرست للسينما وللكتاب والجاز والتاتو العسكري...
غير ان منظمي المهرجان الجانبي قرروا العام الماضي ان يبدأوا قبل التوأم الدولي بأسبوع كامل ما يتيح لهم الانفراد بالجمهور اول الموسم. لكن الترتيبات الجديدة قوبلت بدهشة واستنكار، كما تدل نتائج استفتاء اجراه القائمون على المهرجان الدولي. والاخير يتباهى بأنه اكثر عراقة وتنوعاً والاضخم بين المهرجانات المماثلة التي تقام في انحاء العالم. ولذلك فان التلويح بتصعيد "حرب المواعيد" لن يؤدي الى احداث تغييرات سريعة في برنامجه، اذ ينبغي اولاً ان نستشير جهات كثيرة في طليعتها الممولون وسوق البورصة، كما قالت رئيس المكتب الاعلامي جاكي ويستبروك ل "الوسط".
والحديث عن شرخ في مستقبل المهرجان الدولي بسبب هذه الخلافات لا يلبث ان يبدو حكاية ميلودرامية نسجت خيوطها صحف تلهث وراء الاثارة، فكيف يصدق المرء ان التظاهرة صارت على سرير الموت وهي بدأت تؤسس بيتها الفاخر الذي تتجاوز كلفته 7 ملايين جنيه؟ والمبنى الجديد هو عبارة عن كنيسة تاريخية تخضع حالياً لكثير من التعديل والتحسين، وتقوم في قلب الحي المركزي من ادنبرة، والمتوقع ان يتم افتتاحها في الصيف القادم.
أصدقاء... ونجوم
والامل بمستقبل المهرجان لا ينبع اساساً من الارقام والاسمنت المسلح، بل يستمد المهرجانان اللذان تقوم عليهما حياة ادنبره، زخمهما الاساسي من اصدقائهما الموزعين في انحاء الدنيا. من هنا لن تغيب شمس المهرجان لأن جمهورها لن يسمح لغمامة صيف ان تحجب نور التظاهرة. والحديث عن اصدقاء المهرجان الدولي، خصوصاً، ذو شجون. فالتظاهرة برعت في العناية بجمهورها، لا بل "اختياره، في شكل ما" على حد تعبير جاكي.
واذا غاب مصمم الرقص الأميركي المعروف مارك موريس هذا العام، فكثيرون غيره من الاصدقاء النجوم حضروا. وبعض الاسماء التي سنتوقف عندها، كانت هنا مرة ومرتين، او مرات عدة في السنوات الاخيرة. وهؤلاء اخذوا، بطبيعة الحال، مكان نجوم آخرين في المسرح والموسيقى والباليه... فلماذا "استبعاد عدد من المشاهير والاصرار على ترك حفنة من النجوم يحتكرون التظاهرة، مما يهدد بتحويل المهرجان الى مناسبة نخبوية لا تني تكرر نفسها!؟ وما سبب عدم توجيه دعوة لمسرحيين مشهورين مثل هارولد بنتر وبيتر بروك وبيتر هول، او موسيقيين كبار، مثل دانيال بارنبويم... علماً انهم جميعاً قدموا أعمالاً جديدة خلال العامين الماضيين؟ لم تجد الاعلامية المتمرسة جواباً سوى القول ان امر الاختيار متروك اصلاً لمدير المهرجان برايان ماكماستر، الذي قاد هذه التظاهرة، بنجاح منذ 1992. والحق، ان ماكماستر صاحب باع طويلة في عالم الموسيقى والفن، غير ان اختياراته - في رأي جاكي - لا تمليها عليه علاقاته ورغباته الشخصية، بل يتبع خططاً معنية بهدف تأسيس مجموعات جديدة من الجمهور او متابعة نتاج فنان معين وإزاحة النقاب عن اعمال شبه مجهولة.
اوبرا الحب والسياسة
وسواء كان مدير المهرجان يعوّل على ذوقه الشخصي وحده، أم لا، فثمة مبرر اساسي لبعض اختياراته. وأوضحت ان ماكماستر يسعى الى الحفاظ على صداقات المهرجان العتيقة مع نجوم من نسيج المؤلف الموسيقي الفرنسي والمايسترو بيار بوليز 73 عاماً الذي يأتي في طليعة من ترعرعوا في كنف مهرجان ادنبره الدولي، وكبروا معه. وقد احتضنه المهرجان في دورته الثالثة العام 1948، حين وقف على خشبة مسرح "لايسيوم" وهو بعد شبه مجهول لم يسمع بمقطوعاته القليلة، مثل "سوناتا للبيانو"، سوى حفنة من جمهور ادنبرة، وقلما غاب عن المهرجان منذ ذلك الحين. قدمت مقطوعته الشهيرة: Pli Selon pli طية وفق طية هذا العام ضمن الحفلات الاستعادية، وتعتبر من عيون الموسيقى الحديثة. وفيما افتتحت مقطوعته الجديدة Sur Incises جملة اعتراضية المهرجان، عُزفت بعض الالحان التي كتبها فضلاً عن انه ظهر على المسرح قائداً للاوركسترا التي قدمت اعمالاً لسترافنسكي وشونبرغ، كما القى محاضرة المهرجان، بالانكليزية، تحت عنوان "مستقبل صالة الحفلات الموسيقية".
والمهرجان اتخذ من الموسيقى ركيزة اساسية له منذ البداية الاولى، فهو اطلق قادة اوركسترا من قماشة دانيال بارنبويم وكلاوديو آبادو اللذين اصبحا من نجوم هذا الفن. وأحاط موهوبين مثل عازفي البيانو الفريد بريندل واندرياس شيف برعايته منذ كانا في اول السلم الذي كادا يبلغان قمته.
اقتصر برنامج صالة "كوينز هول"، على عادته، على الحفلات الصباحية المكرسة للغناء والمقطوعات الصغيرة من سوناتات ورباعيات وثلاثيات. اما السيمفونيات والألحان التي تتطلب اوركسترا كاملة فقدمت في "أشر هول". وحصة الاسد من الريساتيال الكلاسيكي كانت لاثنين اولهما هيوغو وولف ويعد من اشد الموسيقيين الألمان الرومانسيين بؤساً وصخباً عاطفياً، وصاحب القسط الاكبر من تجاهل الجمهور في اواخر القرن الماضي. والثاني هو التشيخي بيدريتش سميتانا، الذي عاش اواسط القرن الفائت حياة مليئة بالألم الشخصي والمهني وفقد سمعه في سنواته الاخيرة. وعدا مجموعة من الاغاني والمقطوعات التي عزفت في حفلات عدة، مثلت اعمال سميتانا واحدة من محطتين في برنامج الأوبرا.
"ليبوش" كانت الاوبرا التي شاهدها جمهور ادنبره هذا العام للمرة الاولى، مع انها تقدم في تشيخيا مرة في السنة، على الاقل. وتعود اهميتها في الثقافة الأم، الى القصة التي تسرد تجربة الأميرة ليبوش في البحث عن العريس المناسب لمساعدتها في حكم البلاد والعثور على الرجل الكفوء القادر على قطع دابر العصيان. ويصبح العنصر السياسي اشد بروزاً في الاوبرا الثانية "داليبور" التي تعتبر المسرحية الغنائية القومية بامتياز في تشيخيا. وتحكي قصة الثائر الذي حملت اسمه. ووقائع محاكمته بتهمة قتل قائد قلعة تشيخي انتقاماً لصديقه عازف الكمان الذي أعدمه الضابط المتسلط. يزج بداليبور في السجن بعد ادانته، وعندما تحاول ميلادا شقيقة قائد القلعة المغدور، ان تنقذ قاتل شقيقها تخفق المحاولة وتموت مع حبيبها داليبور على ايدي جنود الملك.
تمجد "داليبور" الموسيقى وتضيء وجهها السياسي. فانتفاضة الثائر جاءت اصلاً انتقاماً لمقتل عازف فنان، لا يكاد يغيب عن بال داليبور. والاخير توسل الى السجان كي يأتيه بكمان يؤنس وحدته ويشد من أزره. وهكذا تبدو الموسيقى كامنة في قلب الفعل السياسي وليست حافزاً له فحسب. الموت يخيم على الانتاج الجديد الذي قدمته فرقة دار الاوبرا الاسكتلندية، خصوصاً بفضل الديكتور الذي تأخذ القطعة الاساسية فيه شكل التابوت الضخم المتحرك كإبرة البوصلة.
وحظي الموسيقار الايطالي فيردي باهتمام مميز، اذ عُرضت اربعة من اعماله الاوبرالية في المهرجان. وهي مستقاة من نصوص للشاعر والمسرحي الالماني فريدريخ شيلر، الذي كان بدوره موضع حفاوة على جبهة المسرح ايضاً. وفيما قدمت فرقة الاوبرا الاسكتلندية "جيوفانا وآركو" بالايطالية أدت فرقة الاوبرا الملكية الانكليزية "لويزا ميللر" و "ماسنا دييري" بلغة ملحنها اضافة الى "دون كارلوس" وكانت الاخيرة لقيت استقبالاً حاراً لدى الجمهور والنقاد. ولا يعود ذلك الى طول العرض الذي قُدم بالفرنسية على امتداد حوالي خمس ساعات، وهذا يعادل ضعف الوقت الذي استغرقه اي من الاعمال الاوبرالية الاخرى. قاد الاوركسترا المايسترو الشهير برنارد هاتينيك، وأخرج العرض المخرج السويسري المعروف لوك بوندي، فيما لعبت السوبرانو الفنلندية الاصل كارتيا ماتيلا دور البطلة. جميع هؤلاء ساهموا في نجاح العرض، الا ان الفضل الاساسي يعود الى فيردي، الذي قدم في "دون كارلوس" افصح معالجاته لموضوعات سياسية، مستفيداً من ثراء النص الاصلي حيث رسم شيلر سلسلة من الشخصيات النابضة بالحياة والموزعة بين السياسي العام والشخصي. تدور الاحداث في فرنسا واسبانيا العام 1559 اثر توقيع البلدين اتفاقية لحل نزاعهما الدامي. ويتوج السلام بزواج ملك اسبانيا فيليب الثاني من ابنة نظيره الفرنسي اليزابيث دي فالوسي، غير ان دون كارلوس ابن الملك الاسباني عشق الاميرة التي بادلته الحب الافلاطوني وأرادها لنفسه، مما يفجر الخلاف بينه وبين ابيه. وفي سياق الوقائع المتلاحقة يقف دون كارلوس مع الثوار ضد ابيه ويخضع الملك لابتزاز رئيس محاكم التفتيش.
والاناشيد التي تجسد النزوع التراجيدي الى الحرية والصراع على القوة، والحنين الجارف، تضم اغنية "مغربية" عن امرأة ترتدي الحجاب. ومن جهة اخرى، قدمت فرقة "ستيزن" مسرحية "السارقون" لشيللر. ويذكر ان الفرقة التي تتخذ من غلاسكو مقراً لها، أدت قبل ثلاث سنوات النسخة المسرحية ل "دون كارلوس" في انتاج حظي بالاهتمام.
الموت والدراما العائلية
ولئن أسبغ المخرج لوك بوندي على اوبرا "دون كارلوس" قسطاً اضافياً من النجاح، فإن الحظ لم يبتسم له تماماً على الجبهة المسرحية حيث اخرج رائعة راسين "فيدرا" التي قدمتها بالفرنسية فرقة Vidy-Lausanne المسرحية. ولعل اجمل ما تلك الليلة كان اطلالة المخرج الكبير على المسرح في نهاية العرض بوجهه الطفل وأناقته غير المعهودة، وهو يشجع ممثليه، في شيء من الارتباك، على تقبل تحية الجمهور. صحيح انه اختار الاسلوب النثري لأداء المسرحية، لكن المخرج السويسري جردها من الحياة. وجاءت حواراتها الطويلة هادئة رتيبة، ترجمت الى الانكليزية على نحو غير موفق، مما دفع كاتب هذه السطور الى التثاوب مراراً وسط العرض. ومضى على بداية المسرحية حوالي ساعة كاملة قبل ان يطل ممثل "حقيقي" على الخشبة، هو ديدييه ساندر الذي أدى دور الملك ثيسيوس.
واللافت ان هناك ترجمتين جديدتين لمسرحية راسين تحملان توقيع اثنين من كبار الشعراء البريطانيين المعاصرين، شاعر البلاط تيد هيوز وتوني هاريسون. وقد افتتح عرض جديد للمسرحية بالانكليزية في مسرح "ألميدا" اللندني تلعب بطولته الممثلة الفذة ديانا ريغ. وهذا كله يدل الى المكانة التي تحظى بها رائعة راسين في الثقافة البريطانية.
معروف ان بوندي لا يفتقر الى الموهبة، وهو صاحب العرض المذهل "ساعة لم نعرف شيئاً بعضنا عن بعض" الذي شاهدناه قبل حوالي ثلاث سنوات، في مهرجان ادنبره الدولي. وهو تواق عادة الى تأمل القضايا المعاصرة عبر المسرح، فلماذا عجز عن استثمار الجانب السياسي الجنسي باسقاطاته المعاصرة في حكاية الملكة التي تكويها الرغبة ويحرقها الشبق ازاء ابن زوجها المسافر؟ تعلن فيدرا عن رغبتها صراحة حين تعتقد ان الملك قد مات، مما يضعها في مأزق لا تنجو منه عندما يظهر الغائب فجأة وتبدأ عملية الاقتصاص.
وخلافاً للمخرج السويسري الذي تكاد اعماله تكون جزءاً ثابتاً من برامج المهرجان الدولي سنوياً، حل زميله البلجيكي المعروف ايفوفان هوف ضيفاً على ادنبره للمرة الاولى. ومن سوء حظ كاتب هذه السطور انه فضل حضور "فيدرا" على عرض "كاليغولا" الذي قدمته فرقة "المسرح الجنوبي" الهولندية، لتضارب مواعيدهما. وهكذا لم تسنح الفرصة لمشاهدة الانتاج "ما بعد الحداثي" الذي اخذ عليه بعض النقاد عدم تسليط ضوء جديد على نص ألبير كامو، وعجزه عن استثمار ممثليه جيداً. ومن أبرز هؤلاء الشاب رمزي نصر الفلسطيني الأصل، الذي أدى شخصية سكيبيو راجع المقابلة في الصفحة التالية.
اما العرض الثاني الذي اخرجه ايفوفان هوف فكان "بيوت اكثر فخامة" الذي مثلته فرقة "نيويورك ثياتر وركشوب" في شكل مليء بالحيوية فلقي ثناء عظيماً. تصرف المخرج بنص يوجين اونيل الذي يعتبر دراما عائلية مسكونة بالموت والرغبة، مثل "فيدرا" و "كاليغولا"، فحذف الجنازتين اللتين تبدأ بهما المسرحية الاصلية وتنتهي. وتجري وقائع العمل في ثلاثينات القرن الفائت في ماساشوسيتس الاميركية. وتقوم الحكاية الرئيسية على صراع تشتد حدته بين سايمون وأمه ديبورا وزوجته ساره. وعبر المواجهة التي تدور بين الثلاثة تتكشف خصال المجتمع الاميركي التجاري وقيمه الاخلاقية والعائلية، فضلاً عن موقع الغرباء فيه، وهؤلاء تمثلهم ساره ابنة المهاجر الايرلندي.
في عرض مسرحية "المتشابهون" التي اخرجها الألماني بيتر شتاين عن نص كتبه مواطنه بوثو شتراوس، نقترب اكثر فأكثر من اللحظة الراهنة. وشتاين الذي يعتبر الاكثر شهرة وخبرة بين مخرجي المهرجان قدم في ادنبره خلال السنوات الخمس الاخيرة اعمالاً لشكسبير وتشيخوف، قرر هذا العام ان يتأمل المجتمع المعاصر. ولم يجد منظاراً أدق من عيون شتراوس، لتسليط الضوء على سخف الحياة الراهنة في ظل قيم وأجهزة ووسائل اعلام تحول الناس دمى لا تكاد احداها تختلف عن الاخرى، وسط خراب روحي اجتاح المانيا، خصوصاً خلال هذا القرن. بقي ان العرض، لم يقابل بحماس نقدي، كالعادة مع عروض شتاين في ادنبره. لقد كان "الاستاذ" مالئ الدنيا وشاغل الناس العام الفائت حين قدم "بستان الكرز" في انتاج بالغ الجمال. وأعرب كثيرون عن اسفهم لدى رؤية شتاين على المسرح في دور السارد في مغناة بيتهوفن "ايغمونت" اذ كان صوته خافتاً يفتقر الى الدرامية او ضاع وسط صخب الموسيقى.
رقص الحلم والواقع
القادم الجديد الآخر هو المخرج الكاتالوني كاليكستو بيتيو. وقد اخرج للمهرجان النسخة الانكليزية من مسرحية "الحياة حلم" التي أدتها فرقة "رويال كاليسيوم". ومع ان عرض العمل الذي كتبه بيدرو كالديرون دي لاباركا في القرن السادس عشر، كان تقليدياً من حيث الاداء والديكور البسيط، استطاع بيتيو القبض على روح القصة. وهذه تتناول ايضاً، صراعاً عائلياً يدور في قصر مسكون بالموت والخوف من مستقبل تنذر به توقعات المنجمين. يلقي الملك بإبنه في سجن بعيد كي لا يقوّض اركان الحكم ويخرب البلاد، كما تقول توقعات وصل اليها الملك عن طريق التنجيم. لكن الشعب ينتفض ويضع الأمير على العرش بعد سلسلة من المفارقات والوقائع يفقد معها تقريباً القدرة على تلمس الفرق بين الحلم والواقع. دور المهرج "الشكسبيري" الحكيم لوّن العرض بشيء من البريشتية لكن بيتيو لم يحاول صدم الجمهور، على الطريقة الاسبانية - الكاتالونية.
وكان المخرج الشاب ترك مهمة تقديم المغاير الغريب لمواطنه كارليس سانتوس كاتب ومخرج عرض "لا بانتيرا ايمبريال" الذي ينضح بالطرافة. وفي السنة الماضية أثار الكاتالونيون اهتماماً واسعاً بعرضهم "المجنون" الذي حمل عنوان "أعماه الحب". وأثبت أحفاد سلفادور دالي، مرة اخرى، هذا العام، من خلال عمل يجمع بين التمثيل والموسيقى ويتناول باخ موسيقياً وفيلسوفاً، انهم بارعون بالجنون المحبب. وقد نجح سانتوس هذه المرة بامتاع الجمهور في اسلوب تتوافر فيه الصرامة والخفة على مرأى من باخ الذي كان حاضراً بقوة على شكل دمى مطاطية زنّرت خشبة المسرح.
وكاتالونيا التي ترسخ دورها في المهرجان عاماً اثر عام، قدمت ايضاً عرضاً ثالثاً هو باليه "زومزوم كا Zum Zum K". وأدته الفرقة الكاتالونية في براعة واسلوب يطمح الى تحري المسافة بين الصامت والمنطوق والواقع والفانتازيا من خلال تشكيلات تفيض بالجمال. وكاد العرض يخطف الضوء من باليه "حلم ليلة صيف" الذي قدمته فرقة "باسفيك نورثويست باليه" الاميركية. ثم جاء دور رقصات "باليه الفرقة الوطنية الهولندية ونثرلاند دانس ثياتر" التي صممها الكوريغرافر الشهير هانس فان مانن فكادت تحتكر الاعجاب كله بتميزها وحركاتها الساحرة التي استوحاها من مقطوعات كلاسيكية وموسيقى جاز معاصرة، في اسلوب حديث مرصع بلمسات تقليدية.
وبعيداً عن أجواء المهرجان الدولي الراقي كان مهرجان الكتاب هذا العام اكثر تواضعاً منه في الماضي، مع ان التظاهرة حظيت برئيسة جديدة في فيث ليدل المعروفة بنشاطها وحماستها. وخلال المهرجان الذي تقام فعالياته في خيم تنصب موقتاً في "ساحة شارلوت الرئيسية" من اسماء ذات شهرة واسعة خارج بريطانيا. لا بل غاب كثير من "نجوم" اسكتلندا عن الندوات والمحاضرات المكرسة لمناقشة الكتاب وشجونه واستُقبل آلان سيليتو صاحب الاعمال النثرية ال26 بالترحاب، خصوصاً ان اطلالته ترافقت مع عيد ميلاده السبعين. وغصّت القاعة بالحضور الذي جاء للاستمتاع الى جانيس غالاوي وهي من أبرز كاتبات اسكتلندا ووقفت على منبر المهرجان الكاتبة جيتا سيريني للحديث عن تجربتها المثيرة للجدل في توثيق سير حياة بعض النازيين والقاتلة ماري بيل. واستهجن كثيرون دور سيليني واستعدادها لاصدار كتاب سيعود على المجرمة بقسط جيد من الربح. لكن هذا لا يعني بالنسبة للمؤلفة ارتكاب خيانة اخلاقية، لأنها تعتقد ان "الكتب تؤلف كي تساعدنا على التفكير معاً".
صابون نابلس
ولم تقتصر إثارة الجدال على الكتب والكتاب، اذ استضاف "الغاليري الوطني الاسكتلندي للفن الحديث" الذي ينتحي جانباً غير قريب من منابر مهرجانات ادنبره، معرضاً لأعمال الفنانة الفلسطينية منى حاطوم. وتختلف الآراء في نتاج الفنانة المقيمة في بريطانيا منذ 1975 اختلافاً واسعاً. وفيما احتفى بها مركز بومبيدو الباريسي المعروف، وكادت بريطانيا تخلع عليها قبل سنوات ارفع جوائزها الفنية: "جائزة تيرنر" لا يتردد كثير من النقاد في اتهامها مع زملائها المجددين بالضحالة. ويبدو ان الحوار مع تشكيلاتها المعدنية والهياكل التي صممتها من مواد شتى، فضلاً عن افلام فيديو اعدتها، غير ممكن عبر الاساليب التقليدية للتعاطي مع الاعمال الفنية.
لذلك حظي فيلم "جسم اجنبي" 1994 الذي يضم صوراً التقطتها لجسدها من الداخل بواسطة عدسة طبية ابتلعتها، ردود فعل متباينة، شأنها في ذلك شأن الاشكال التي رسمتها بالدبابيس على قطع من صابون نابلس، وهي المدينة التي يعود اليها اصل عائلة الفنانة. واستحضار الارض الاولى يتم عندها عبر القضبان المعدنية والاسلاك والاضواء التي توحي بالمنفى والحنين المستباح. وقد ضم معرضها الجديد هذه الاعمال القديمة نسبياً، اضافة الى "طاولة المؤامرات" التي عرضت للمرة الاولى في ادنبره، وهي عبارة عن طاولة رسمت عليها خارطة العالم بدبابيس مشعة. والعمل الآخر الذي انجزته هذا العام عبارة عن كرسي متحرك يحمل اسم "بلا عنوان" ويثير في مخيلة المرء مشاهد الضعف والمريض المتهالك على معدن ينضح بالبرودة والعزلة.
رمزي نصر
الفوضى الجميلة التي عشناها في ادنبرة، حيث يسلمك المسرح الى صالة الباليه وتضيع المسافة بين سهرة الاوبرا وصباح الموسيقى، فوتت علي فرصة لقاء رمزي نصر. ولم اسمع بالاسم إلا الليلة قبل الاخيرة، حين قال الصديقان رجا وبيني شحادة ان ممثلاً ذا اسم عربي يلعب دوراً رئيسياً في عرض كاليغولا. لم يكن لدى المحامي الفلسطيني وزوجته الاكاديمية اي معلومات اضافية. ولما كان الجميع منهمكين بحزم حقائبهم، لم يستطع المكتب الاعلامي ان يقدم مساعدة تذكر عن الشاب الذي ادى شخصية سكيبيو، وهو ثاني الادوار المهمة في "كاليغولا". ولم تكف لباقتهم البالغة لإضاءة طريق العثور على رمزي. ففرقة "المسرح الجنوبي" Het Zuidelijik Toneel التي يحتل فيها موقعاً مميزاً كانت قد غادرت العاصمة الاسكتلندية الى أمستردام. هكذا لم يكن هناك بد من اللجوء الى الهاتف لاكتشاف الممثل المجهول. ولم يطل الوقت حتى أتى صوته الدافئ فبدا قريباً كصديق قديم. وكان هذا الحوار السريع.
* من أين لك هذا الاسم العربي؟
- جاءني من والدي الفلسطيني الاصل الذي هاجر الى هذه البلاد وتزوج أمي الهولندية فأتيت الى الدنيا قبل حوالي 24 عاماً.
* هل تعرف مسقط رأس أبيك، أو لغتك الأم؟
- للأسف لم تسمح لي ظروف الحياة في هولندا بتعلم العربية حتى الآن، لكني على وشك البدء ببرنامج دراسي مكثف ارجو ان اصبح في نهايته قادراً على التخاطب بهذه اللغة. الا انني استطعت قبل سنتين ان أحقق رغبة قديمة بالتعرف على مسقط رأس والدي في منطقة قريبة من نابلس، والتقيت بعض اعمامي وعماتي واقرباء آخرين موزعين على نابلس وسلفيت وعمان...
* وكيف بدأت علاقتك بالمسرح، وب "المسرح الجنوبي" ومخرجه ايفوفان هوف؟
- درست التمثيل المسرحي أكاديمياً، اذ تلقيت التدريب في Studio Herman Teirlinck على امتداد اربع سنوات. وشاءت الفرص ان اشترك في تقديم "دون كارلوس" عندما كنت طالباً في السنة الاخيرة، وان يكون فان هوف بين الجمهور. ولم تمض ايام على العرض حتى رن جرس هاتفي وكان المخرج المعروف على الطرف الآخر يعرض علي عقداً للعمل. وأصبحت بموجب ذلك العقد عضواً ثابتاً في الفرقة منذ 1995.
* استمرارك مع الفرقة كل هذه المدة يدل الى ان تعاونك مع فان هوف كان مثمراً.
- بالتأكيد. فقد لعبت مع "المسرح الجنوبي" باشراف هوف دور سكيبيو في "كاليغولا"، وشاركت في أداء مسرحية شكسبير "العين بالعين"، ومثلت في "وجوه". وها هو يعطيني دور روميو في "روميو وجوليت" الذي بدأنا تقديم عروضه اثر العودة من ادنبرة.
* لكنك بدأت تحقق النجاح قبل تعرفك الى فان هوف.
- قبل التحاقي ب "المسرح الجنوبي" كتبت وأخرجت وأديت مونو دراما بعنوان De Doorspeler رغبتي في اللعب. وقد كوفئت عليها بجائزة "فيليب موريس الدراسية"، وهي جائزة دولة تمنح للمواهب المسرحية الشابة. واللافت ان المسرحية تُرجمت الى الانكليزية التي يتحدث بها رمزي بطلاقة، والعربية. وأديتها في رام الله وشفا عمر والقدس خلال زيارتي الاولى لفلسطين. والحقيقة ان تقديم هذه العروض التي رعتها جهات اجنبية وفلسطينية منها فرقة "الحكواتي"، كانت السبب المباشر للزيارة. وأنا سعيد للغاية بالاستقبال الذي لقيه العرض هناك، والاثر الذي تركته لدى النقاد والجمهور، وسررت كثيراً لأن فرصة التعرف على "الوطن الأم" سنحت اخيراً.
* وهل أطلعت على بعض نتاج المسرح او السينما خلال الزيارة او بعدها؟
- التقيت بعض الممثلين والمخرجين المعروفين مثل محمد بكري وميشال خليفي وآخرين. ورأيت نماذج قليلة لكنها لا تكفي للقول إني اعرف ما يشاهده الجمهور العربي من مسرحيات وأفلام حالياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.