قبل سنوات طويلة اشتهرت في الغرب دعاية تلفزيونية تبدأ بالقول "سيأتي يوم تصبح فيه ثرياً ومشهوراً…". وتكمل بالقول إنه في غضون ذلك فالبضاعة المُعلن عنها رخيصة، وأنت تستطيع ان تستمتع بها الآن. كان هذا قبل سنوات طويلة، ولا بد ان القارئ أصبح ثرياً ومشهوراً، من دون ان يزيد عمره سنة واحدة او يبدو عليه ذلك، وهكذا فعندي له اليوم بضائع لا يشتريها سوى الأثرياء، حتى لا نقول البسطاء. كانت مجلة ملوّنة لأحدى جرائد الاحد اللندنية نشرت الشهر الماضي تحقيقاً عن الموضوع، ووجدت قبل اسبوع في احدى الجرائد الواسعة الانتشار تحقيقاً مماثلاً أذكى من سابقه لأنه لم يكتف بأغلى البضائع، بل قدّم أفضلها بالمقارنة. لكن القارئ ثري، ولا يهمه السعر لذلك فعندي له نظارات شمس إطارها من الذهب الخالص وثمنها 1.090 جنيهاً استرلينياً، اي مرتّب وزير عربي من دون العمولة طبعاً. وبما ان هذه النظارات من صنع "بولغاري" فأنا أرجح انها أرخص ما في المحل لذلك أنصح القارئ ان يكتفي بها. ولكن اذا كان القارئ مصراً على تهوئة امواله فهناك عند الجوهرجي ديفيد موريس ساعة مطعّمة بالالماس الابيض والاصفر ثمنها 580 ألف جنيه، اي ما يعادل ثمن شقة كبيرة. وربما كان القارئ قارئة، وعندي لها حافظة صغيرة من "إرميس" ثمنها ثمانية آلاف جنيه تستطيع ان تضع بداخلها مفكرة ثمنها 865 جنيهاً وقلماً ثمنه 620 جنيهاً، مع العلم ان هذين من صنع "لوي فيتون" ولا أدري ان كان كبار المصمّمين يسمحون باختلاط بضائعهم. ايضاً لا أعرف اذا كان بنطلون "جينز" ثمنه 350 جنيهاً يتناسب مع حذاء من جلد التمساح ثمنه 1350 جنيهاً. ولكن اعرف انه اذا لبس الثري مثل هذه الاشياء تصبح "موضة" متبعة، لأن الثري صاحب ذوق دائماً وخفيف الدم بالوراثة. هل يصدّق القارئ ان ثمة شموعاً ثمن الواحدة منها 55 جنيهاً، في حين ان الشموع العادية ثمنها من جنيه الى جنيهين او ثلاثة. شخصياً، أفضّل العتمة على احراق 55 جنيهاً في الساعة، فليس عندي شيء أعمله يستحق هذا المبلغ. غير انني لست ثرياً او مشهوراً، لذلك أعود الى هؤلاء، وأقدّم صحناً للكلب عدم المؤاخذة ثمنه 1150 جنيهاً. وهو ليس صحناً عادياً، وانما من الفضة الخالصة وموشّى، ومن انتاج "أسبريز". ونعود الى البشر، فقد تعوّدت ان أعامل أظافري بما أجد من مبرد خشن على الطائرات. ولكن هناك في المقابل مبرد أظافر من نترات الالماس ثمنه بين 29 جنيهاً و35جنيهاً. أغرب ما و جدت هو كرة قدم، من انتاج لوي فيتون، ثمنها 310 جنيهات، ولو كانت عندي كرة ثمنها فوق ثلاثمئة جنيه وركلها احد لضربته. ولكن أقدام الأثرياء وابنائهم تستأهل ما لا تستأهله أيدي غيرهم. وكلمة جد، فلا بد ان هناك ناساً تشتري مثل هذه البضائع، وهؤلاء ليسوا فقط سلطان بروناي وأخاه جيفري. وأنصح القارئ ألا ينتقد الاثرياء، لأنني لا اعتقد بأن فقيراً عرض عليه وظيفة يوماً. وأعرف امرأة ساحرة لأنها استطاعت ان تستخرج معطف فرو فيزون من حمار. ولكن هذا مجرد حسد، لأنه اذا كان حماراً فمن أين جاء بالمال. هي أما ورثت مالها او تزوجته، والحقيقة ان ابتسامتها تساوي مليون دولار… يعني انها لا تبتسم لأحد الا اذا كان يملك مليون دولار. وهي تشتري الفستان بالتقسيط، ولكن لا تخلعه الا "كاش". الحسناء هذه طلب يدها عجوز ثري قال: كيف أعرف انك لن تتزوجيني من اجل فلوسي؟ وردّت: اسمع، نحن الاثنين سندخل مغامرة، فكيف أضمن انك لن تفلس السنة المقبلة. هو لم يفلس، وهي لا تزال تشتري بالألف والمئة الف، لا عن حاجة، وانما لدفع عجلة الاقتصاد الوطني، فالثري والثرية ليس مثقفاً وخفيف الدم فقط، وانما وطني جداً0