هل الوعي ضروري ليكون الفن فناً، وهل الانسان وحده قادر على ان يكون فناناً؟ نيويورك تقول لا وتعرض رسوماً تجريدية لفيلة أفريقية وآسيوية يعود ريعها الى تحسين معيشتها وانقاذها من الانقراض. تفتح تايلاند هذا الشهر اول مدرسة في العالم لتعليم الفيلة الرسم. سمعنا نكاتٍ كثيرة عن الفيل والنملة لكنها لم تتطرق بتاتاً الى موهبة ما لدى هذا الحيوان الذي نقتله لنسرق عاجه في وقت نسخر من ضخامته التي تبدو غير صالحة للحياة. تايلاند منعت قطع شجر الساج حماية لغاباتها ففقدت آلاف الفيلة عملها، واتجهت مع سائقيها الى المدن الكبرى تتسول في شوارعها، او انضمت الى السيرك تؤدي الألعاب فيه. اليوم يشارك روسيان مهاجران الى نيويورك في الانقاذ. بعد رحلة الى تايلاند اكتشفا فيها مئة فيل "موهوب حقاً" قرّ الرأي على فتح المدرسة لصقل موهبتها. فيتالي كومال وألكس ميلاميد لا يؤمنان كثيراً بتقديس الفن، وكانا أجريا تجارب في رسم الحيوانات، لكن الكلاب التي تعاونت معهما لم تعد بالكثير. وعندما امسكت رينيه، الفيلة الافريقية ابنة السادسة عشرة غصناً بخرطومها ورسمت خطوطاً في الرمل وجدا ضالتهما. وكانت رينيه تلميذة نجيبة اذ لوّنت تمثالاً لجورج واشنطن، بطل استقلال الولاياتالمتحدة واول رئيس فيها، بخطوط زرقاء وكانت قادرة على رسم دائرة من وقت الى آخر. كان يمكن ان يبقى كومار وميلاميد ضمن حدود الافتتان باكتشافهما، لكن مقالاً عن تناقص الفيلة الداجنة في تايلاند الى الربع وتبطلها وضعهما امام قضية. ركزا ايمانهما على خرطوم الفيلة الموهوبة وكرّسا ما يعود عليها من رسمها لانقاذها من الموت جوعاً. لكن هل تتعلق المسألة بمبادلة تجارية يشتري فيها الانسان شيئاً من الحيوان بدلاً من ان يحسن اليه؟ يقول الروسيان ان الفيلة ترسم فعلاً وان كان عملها بريئاً كفن الاطفال. لكن غيرهما يشبّه خربشتها بلوحات الفنانين التجريديين المعروفين ويلم دي كوننغ وجاكسون بولوك وفرانتز كلاين مع الفارق ان لوحة الواحد من هؤلاء قد تباع بالملايين بينما تنحصر لوحة زملائهم الفيلة بالمئات. لا نزال نبحث عن الحلقة المفقودة في علاقتنا بالقردة لكننا لا نخفي حس الهزل عندما نتحدث عن قدرات او مشاعر لدى الحيوان كأننا نستغرب اشتراكه معنا فيها. كانت التسلية واضحة في تغطية الصحافة البريطانية اكتشاف دراسة حديثة قدرة القردة على العدّ الى الخمسة، ولا شك في انها كانت مشتركة مع قرائها والصحافة في سائر البلدان وقرائها. تايلاند تعامل فنانيها الفيلة بجدٍ كافٍ اذ ان عائدات مجهودها تعيل اصحابها وتطعم قطيعاً كاملاً. لكن هل هناك قيمة حقيقية لعمل فني يجهل صاحبه ما يقوم به، وهل يمكن ان نهب الحيوان امتياز الاعتراف بموهبة راقية قد نضفي عليها ايضاً الشفافية والرهافة؟ بعض العاملين مع الفيلة يشير الى احتمال تمتعها بالرسم، وهذا يستعمل كعلاج مع الفيلة الانطوائيين والخانعين. لا نعرف مدى تدخل الانسان في اللوحات، لكن الكثير منها يبرز حساً تنظيمياً وقدرة على تركيز اللون واستخدام الفراغ. قد نتساءل ما اذا كان الفن سيغيّر شخصية الفيل الفنان، وما اذا كان هذا سيطور فنه الى السوريالية وفن المفهوم. بعض الفنانين يرسم بروث الفيلة، وربما استفاد اصحاب الفيلة ومدربوها من الفكرة. هذا كله قد لا يعني شيئاً للشعوب التي تقول ان القيمة الوحيدة للانسان في حين تنجب اكثر من قدرتها على مجرد الإعالة.