بعد الرحلة الناجحة لرائد الفضاء الأميركي المخضرم جون غلين وعودته سالماً معافى الى الأرض على متن مكوك الفضاء "ديسكفري". يتساءل المرء عن أهمية هذا الانجاز، إذا صح اعتباره انجازاً، وعن الأسباب التي استدعت استكمال الرحلة والمهمة الفضائية خلال تسعة أيام فقط، قام خلالها المكوك "ديسكفري" بالدوران حول الأرض 134 مرة، واجريت خلالها تجارب عدة لمعرفة تأثير التحليق الفضائي على كبار السن. ورغم انعقاد آمال العلماء بأن توفر المحطة الفضائية الدولية لهم مختبراً يسمح بمواصلة أبحاثهم المتعلقة بالفيزيولوجيا والبيولوجيا البشرية على المدى البعيد، وان يكون لأبحاثهم انعكاسات ايجابية في حقلي الطب والصيدلة، يبدو أن السبب الرئيسي غير المعلن لاستكمال مهمة جون غلين الفضائية قبل منتصف شهر تشرين الثاني نوفمبر يعود الى حرص وكالة الفضاء الأميركية ناسا على عدم تعريض رواد الفضاء والمكوك "ديسكفري" الى أي أخطار محتملة في حال هبوب عاصفة ليونيد النيزكية. تجدر الاشارة الى أن وكالة "ناسا" الأميركية ووكالة الفضاء الروسية كانتا قد أجلتا اطلاق مهماتها الفضائية كافة الى ما بعد زوال خطر العاصفة. إذ يتوقع علماء الفضاء هبوب عاصفة نيزكية هائلة في الساعة السابعة والدقيقة السابعة والأربعين من مساء السابع عشر من شهر تشرين الثاني نوفمبر الجاري. ويخشى هؤلاء ان توقع العاصفة خسائر فادحة بأقمار الاتصال الصناعية المنتشرة في الفضاء، لأنه من المحتمل أن يجلب الخطر القادم من الفضاء معه ذرات من فتات النيازك المنطلقة بسرعة تفوق سرعة انطلاق الرصاصة بأكثر من مئة ضعف. وينتظر العلماء وصول زخات متتالية من فتات نيازك عاصفة ليونيد هذا الشهر الى محيط كوكب الأرض بحيث تشتعل السماء بعرض مثير من الألوان الحمراء والخضراء والزرقاء يشبه الألعاب النارية فوق القارة الآسيوية. يعود مصدر العاصفة النيزكية المتوقعة الى مذنب تمبل - تتل الذي يدور حول كوكب الشمس مرة كل 33 سنة مخلفاً وراءه سيلاً من الغبار النيزكي، مما يعرض الكرة الأرضية الى زخات كثيفة من هذا الغبار أثناء مرورها بمحاذاة المذنب المدبر. وينتاب المسؤولين عن تشغيل 500 من أقمار الاتصال الصناعية التي تعتمد عليها شبكات الاتصال والمعلومات الأرضية، خوف كبير من ارتطام الذرات والحصى النيزكية بها بصورة تنشر الفوضى والهلع في وسائل الاتصالات العالمية. إذ يكفي توغل ذرة واحدة من الغبار النيزكي داخل احدى المعدات الالكترونية العائمة في الفضاء لتعطيلها كلياً. هذا على رغم كون زخات نيزك ليونيد تحدث كل خريف دون أن تتسبب بأي اضرار. إلا أن المسارين الخاصين بدوران الأرض والمذنب تمبل - تتل يكونان أقرب ما يكون الى بعضهما البعض كل 33 عاماً، حيث تتحول زخات النيازك الى عاصفة هوجاء. لذا يتوقع العلماء أن تكون الألعاب النارية الفلكية بعد منتصف تشرين الثاني نوفمبر الأقوى منذ عام 1966 عندما قدر علماء الفلك عدد النيازك المشتعلة بحوالي 150 ألف نيزك في الساعة في سماء أميركا الشمالية. تجدر الاشارة الى أن معظم ذرات الغبار النيزكي المتطايرة لن يتجاوز حجمه حجم ذرات الرمل، مما يحول دون دخوله اجواء الأرض. إلا أن مصدر الخطر والدمار الحقيقي لن يكون بسبب اصطدام صخور نيزكية بالأقمار الصناعية وحدوث ثقوب فيها، بل سينتج من حدوث مس كهربائي فوقها نتيجة السرعة الهائلة لاصطدام النيازك بها. وهذا ما أكده الدكتور ويليم آيلور من مركز دراسات دوران الغبار الفضائي التابع للوكالة، حيث صرح لاحدى لجان مجلس الشيوخ الأميركي بأن العاصفة النيزكية قد تسبب اعطالاً في أجهزة الكومبيوتر والمعدات الالكترونية الحساسة الأخرى وان ذلك سيؤدي الى عجز أقمار الاتصال الفضائي عن القيام بمهامها، وليس بغريب أن يصبح هاجس الخطر الناجم عن العاصفة النيزكية الشغل الشاغل للمسؤولين عن تشغيل تلك الأقمار الصناعية طوال العام، حيث قاموا بمراجعة خياراتهم لتدارك الخطر أو على الأقل لتخفيض نسبة احتمال تعرض الأقمار لتلك العاصفة قدر الامكان، واتخذوا اجراءات تمكنهم من تحويل مسار تلسكوب هابل الفضائي بعيداً عن اتجاه العاصفة للحفاظ على سلامة عدساته الحساسة. كما قامت شركة انتلسات باتخاذ احتياطات تمكنها من تدوير الألواح الشمسية الرقيقة فوق أقمارها الفضائية بحيث تتنحى جانباً أثناء هبوب العاصفة. من جهة أخرى، عقدت القيادة الفضائية للقوات الجوية الأميركية والمكتب القومي المسؤولان عن أقمار التجسس الأميركية، سلسلة من الندوات حول احتمال حدوث اعطال واضطرابات في عمليات أقمار التجسس نتيجة هبوب العاصفة النيزكية. وحرص المسؤولون العسكريون على عدم الاستهانة بالنسبة الضئيلة لاحتمال تعطل الأجهزة هي تراوح بين واحد في المئة وواحد في المئة ألف. جاء ذلك الحرص نتيجة تجربة سابقة تعرض لها قمر غالاكسي - 4 الذي تديره شركة بان آم سات، حيث انحرف عن مداره بسبب خلل كهربائي، مما أدى الى تعطيل 6 شبكات اتصال مسؤولة عن تشغيل أجهزة بيجر يستخدمها أطباء ورجال أعمال. والواقع ان علماء الفلك ما زالوا غير قادرين على تحديد ماهية الخطر أو الموقع الذي يمكن أن تظهر فيه أكثر الغيوم اكتظاظاً بالغبار والفتات النيزكي. وهذا ما يمكن تأكيده إذا أثبتت تحاليل أحجار ليونيد النيزكية التي اجراها عالم الفضاء الاسترالي دنكن ستيل على محتوياتها الكيماوية صحتها. فقد بين الفلكي ستيل ان مراقبة غبار النيازك القادم ضمن عاصفة ليونيد لن تفلح إلا بكشف نسبة ضئيلة منها، وذلك لكون هذا الغبار غنياً بالمواد العضوية السريعة الاشتعال التي تؤدي الى احتراق الغبار النيزكي تحت درجة حرارة منخفضة لا تسمح بانبعاث الكترونات منه تمكن اجهزة الرادار الأرضية من التقاطها، مما يثير الشك في مدى دقة وصحة المعلومات التي سبق جمعها وتسجيلها اثر العواصف النيزكية السابقة حول نسبة احتمال اصابة أقمار الاتصال الصناعية بأضرار جراء عواصف ليونيد السابقة واللاحقة. وقد دفع ذلك عداً من العلماء الى تأييد نظرية الفلكي ستيل في أن دقة التكهنات حول الأخطار المحدقة تعتمد بدرجة كبيرة على المحتويات الكيماوية للغبار النيزكي. لذا ينصح الفلكي الاسترالي بعدم الاعتماد كثيراً على أقمار الاتصالات الفضائية الى حين زوال خطر العاصفة القادمة التي ستبلغ أوجها يوم 17 تشرين الثاني نوفمبر 1998. إذ من غير المستبعد أن تؤثر العاصفة النيزكية على أجهزة الهاتف النقال والبرامج التلفزيونية وبنوك المعلومات وغيرها من الأجهزة المتصلة بأقمار الاتصال الصناعية وأقمار التجسس العسكرية. ناهيك عن الأخطار الخفية الأخرى التي لا نعرف عنها نتيجة لطبيعة المهام السرية التي يقوم بها بعض الأقمار الصناعية العسكرية الموجهة نحو دول معينة والتي يتحكم بعضها بأسلحة أو اشعاعات معينة كتلك المجهزة لحرب النجوم. أما بالنسبة لعشاق مراقبة الفلك الذين لا تعتمد حياتهم على الالكترونيات الجوالة حول الأرض، فإن عاصفة ليونيد وزخات غبار النيازك تعد بمشهد رائع لم يسبق له مثيل منذ ظهور مذنب هايلي - بوب عام 1996. وكان أحد شهود عاصفة ليونيد عام 1833 قد شبهها بعاصفة من النجوم المتساقطة وكرات النار المتفجرة التي اضاءت السماء فوق الأرض. بينما صرخ شاهد آخر: "يا الهي ان العالم يشتعل!!". وتتابع مواقع عدة فوق شبكة انترنت الحدث، بينما يتوجه عدد كبير من هواة علم الفلك الى صحراء غوبي في منغوليا للاستمتاع بأوضح مشهد للعاصفة النيزكية. مع العلم بامكان مشاهدة الألعاب النارية الفضائية في الصين واليابان والفليبين ومواقع أخرى في شرق آسيا. ويأمل العلماء في مركز آيمز للأبحاث التابع لوكالة ناسا، ان يتمكنوا من دراسة الظاهرة عن كثب بواسطة طائرة خاصة ستنطلق من أوكيناوا. كما يتطلع العلماء الى احتمال نقل صور تلفزيونية بالبث المباشر على شبكة انترنت عن العاصفة والزخات النيزكية أثناء حدوثها