سمو ولي العهد يُعلن إطلاق «مؤسسة الرياض غير الربحية» وتشكيل مجلس إدارتها    656 % نمو أعداد السياح الوافدين لأغراض الترفيه بالمملكة    الليلة السعودية تستعرض الفرص التعدينية    "قضايا معاصرة" يناقش تحديات التنمية المستدامة    «أخمرين» تطلب رصف وإنارة الطريق    بيشة: رئة «نمران» بلا أوكسجين !    أوروبا تصوّت على قرار جمارك سيارات الصين الكهربائية    وزير الخارجية: غياب المساءلة رغم الانتهاكات الإسرائيلية يشجع على التصعيد    وزير الخارجية يعلن إطلاق «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين»    تقدير أممي لجهود مركز الملك سلمان الإنسانية والإغاثية في العالم    البرلمان العربي يدين الموقف الدولي المتخاذل.. مطالبة بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي على غزة    ميزة جديدة.. «واتساب» يحجب رسائل المجهولين !    وكيل محافظة تعز ل«عكاظ»: مشاريعنا الإستراتيجية والحيوية بدعم كامل من السعودية    في ختام الجولة الخامسة من دوري روشن.. التعاون يستقبل الاتفاق.. والشباب يواجه الرائد    الجهني يغيب عن «كلاسيكو الجوهرة»    رونالدو يقود النصر أمام الريان    ضبط 15324 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    18 أكتوبر.. انتهاء مهلة تخفيض سداد المخالفات المرورية    اختبارات منتصف الفصل الأول للتعليم العام.. اليوم    في خمس مناطق للقراءة والتأمل.. «الرياض تقرأ».. رحلة بين السطور    رحلة إثرائية    التفكير النقدي    500 عمل فني تزيّن بينالي الفنون الإسلامية في جدة    وزير الثقافة للمبتعثين: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية في المجالات كافة    أحد رفيدة: مطالبات بتكثيف مكافحة الحشرات    طريقة عمل البسبوسة الناعمة    5 أسباب للكوابيس والقلق أثناء النوم    5 نصائح.. تسرِّع التعافي بعد جرعات العلاج الكيميائي    قبضة الخليج تلاقي ماغديبورغ الألماني    سيدات الطائرة يدشّنّ منافسات دورة الألعاب السعودية    سيتي يتعثر وليفربول ينتزع الصدارة    من دمَّر الأهلي ؟    رقم قياسي للهلال بعد الفوز على الخلود    دور أمانات المناطق في تحسين تجربة المواطن والمقيم    مفكران عراقيان: معرض الرياض الدولي للكتاب من أهم نوافذ الثقافة العربية    وزير التعليم: مبادرة البرامج الجامعية القصيرة (MicroX) يأتي ستنمي قدرات الطلبة في مهارات سوق العمل    الزواج التقليدي أو عن حب.. أيهما يدوم ؟    د.الشمسان: ثلاثة محاور رئيسية لتعزيز كفاءة القطاع الصحي    كيف سيرد حزب الله بعد مقتل قائده؟    بغلف وباربيع يحتفلان بعقد قران أصيل    الرّفق أرفع أخلاق نبينا الأمين    وكيل إمارة الرياض يحضر حفل السفارة الصينية    يوم مجيد توحدت فيه القلوب    سلمان الخير    ضبط مواطن في عسير لترويجه (9) كجم "حشيش"    جمعية إجلال لكبار السن بمركز الحكامية تحتفل باليوم الوطني السعودي ال٩٤ بالراشد مول بجازان    تكريم الكاتبة السعودية أبرار آل عثمان في القاهرة    الزهد هو المجد في الدنيا والمجد في الآخرة    وطني.. مجد ونماء    ايجابيات اليوم الوطني    مروّجو الأوهام عبر منصات التواصل الاجتماعي    جونسون يعترف: خططت لغزو هولندا لانتزاع لقاح كورونا    إدارة المساجد والدعوة والإرشاد في الريث تشارك ضمن فعاليات اليوم الوطني السعودي ال94    "الغذاء والدواء" تحذر من شراء مستحضرات التجميل من المواقع غير الموثوقة    رابطة العالم الإسلامي ترحب بإعلان المملكة إطلاق «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين»    بحضور 3000 شخص.. أحد رفيدة تحتفل باليوم الوطني    محافظ هروب يرعى حفلَ الأهالي بمناسبة اليوم الوطني ال 94    رصد المذنب "A3" فجر أمس في سماء مدينة عرعر بالحدود الشمالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكتشف ناجي العلي في ذكرى ربع قرن على استشهاده . غسان كنفاني الفنان : ذاكرة تماهت مع تضاريس الأرض
نشر في الحياة يوم 11 - 08 - 1997

قلّة من قرّاء غسان كنفاني، ومحبّي هذا الأديب والمناضل والمسرحي والصحافي، يعرفون انه بدأ فناناً تشكيلياً، قبل ان ينتقل نهائياً الى الأدب. واليوم على هامش الاحتفالات التي شهدتها مدن عربية عدة في مناسبة مرور ربع قرن على اغتياله من قبل "الموساد" في الحازمية لبنان، تسلط "الوسط" الضوء على هذا الجانب الابداعي من شخصية صاحب "عائد الى حيفا" الذي رسم "كمن يمسك بذاكرته"، وبرع في فن الملصق، وترك بصماته في سجل الحركة التشكيلية الفلسطينية.
عندما بدأ غسان كنفاني يرسم الى جانب ابداعاته الأدبية، كان يريد ان يؤكد حضوره الابداعي بشكل مكمل لتجربته الأدبية، من دون ان يكون له محترف خاص بالرسم كباقي الفنانين. كان للكاتب الفلسطيني البارز متحفه المليء بروائع الأدب، وكان يرسم في الهواء الطلق، يقف قريباً من الفضاء، وربما يذهب بخياله هناك الى الصحراء ليقيم فيها واحة مخضرة. لكأنه يريد ان يروي عطشاً... يجالس شاطئ البحر ويفترض الرمال الذهبية. بلا محترف رسم، ربما جلس قرب دالية عرشت بأوراقها الوارفة يلامس بريشته لون عنبية متدلية كثريا متلألئة. هناك كان يرسم قرب لوحة مفضية الى السماء.
رافقت اللوحة مسيرة كنفاني، الى جانب الرواية والقصة والنص المسرحي والدراسات النقدية، فكان مبدعاً متعدد المواهب. وهذه التجربة الفنية لم تطغ على أعماله الأدبية، بل ربما بدت محايدة في مظهرها، إلا انها في صلب صنعته وموهبته كمبدع. فقلة من القراء تعرف مثلاً ان صاحب "عائد الى حيفا" بدأ رساماً، اذ كان يعمل مدرساً لمادة الرسم في مدارس "أونروا"، قبل ان يسافر الى الكويت ويخوض غمار الأدب انطلاقاً من هناك.
بدأت التجربة الفنية عند كنفاني بين عامي 1956 و1957 رسم خلالها لوحاته الزيتية الشهيرة "القارئ"، "عنترة"، "الشيخ"، "النساء"... كما رسم عشرات الملصقات الفنية الشهيرة. وتعكس لوحته الواقع الفلسطيني برموزه ومعالمه المميزة: البؤس والشقاء والضياع.
زمن الفروسية الضائع
هكذا احتلت خيام اللاجئين خلفية اللوحة، فيما تشكل فضاؤها من رموز بطولية مثل عنترة الذي استحضره من التاريخ العربي للتعبير عن الشموخ ورفع المهانة. كأن غسان كان يبحث عن ذاك الفارس في زمن اغبر غطى على الفروسية، لذا تراه يختار للوحة "عنترة" الخلفية الصحراوية القاسية بكثبانها الرملية، ويختار اللون الأزرق الفاتح زياً لبطله الذي يلف رأسه بكوفية بيضاء. وهذه التركيبة اللونية القائمة على التوازن والتجاذب والتصادم بين مختلف الطبقات والمستويات الدرامية والشعورية، تكشف عن جمالية مميزة. كما تكشف عن رؤية فنية خاصة تعمد الى اصطفاء المساحة، وتجعل من حركة الحصان رمزاً لقدوم الفارس او، اذا شئنا، تعلن عن زمن الفروسية الضائع. وهذه اللوحة تنم عن انسجام روحية كنفاني مع الرمز، ليعيد للانسان صفاته كما يعيد للتاريخ مكانته.
وفي لوحة "القارئ" نقع على ذلك المزيج المتدرج في الألوان، الأزرق عند النافذة المطلة على السماء، والأخضر الهادئ. وفي هذا الاطار يجلس القارئ الى كرسيه في غرفة قد تكون ضيقة، حاملاً بين يديه صحيفة بيضاء كمن يحمل الحقيقة، او كأنه يمسك بجناحي حمامة بيضاء. فالنسيج اللوني عند كنفاني يعطي قوة بصرية، وتفاعلاً حسياً مع اللون ذاته.
اما الرجل في لوحة "الشيخ"، فيحرك يده نحو رأسه كأنما يمسك بذاكرته، بوجهه الحزين الذي يأخذ شكل تضاريس الأرض. وما اللون الابيض المحيط بالوجه إلا هلاماً، كالثلج المنثور ندفاً حول ادراكنا للزمن. وهذه اللوحة مثل أيقونة قديمة منحوتة في الصخر الغرانيتي القاسي: انها القسوة في ملامح هذا الشيخ الحزين المتعب والمعذب بعد النكبة. وفي لوحة "النساء" يقدم كنفاني تلك المرأة عبر رمزها الاسطوري القريب من عشتار في أنشودة الخصب.
من اللوحة الى الكتابة
وتنضح لوحته، بشكل عام، بتلك الطاقة الانفعالية، اذ ان معظم اعماله التشكيلية تجسد حركة هي نقيض الاستقرار والاستكانة، سواء على مستوى الزمان او المكان. ولعل اسلوب كنفاني الذي يقترب من المدرسة التعبيرية الالمانية، هو المرادف الجمالي لهاجس استخراج المكنون التاريخي، في المناخ الفكري والنفسي والثقافي والسياسي الذي ساد بعد النكبة.
وبعد بدايته التشكيلية، استبدل غسان كنفاني أدواته لينتقل نهائياً الى الكتابة. لكن ملامح رؤيته الفنية بقيت حاضرة في صلب نصوصه. مال الكاتب الى الجنس الأدبي روائياً وقاصاً، ربما لأنه وجد في الأدب مقدرة اكبر على التعبير، ومقدرة اكبر على الانتشار من اللوحة. كأن مساحة القماشة وحدها ضاقت بطاقاته الابداعية وهمومه السياسية ومشاغله الوطنية، او بالأحرى ضاقت ب "القول" الذي تنسجم معه الكتابة خير انسجام.
إلا أن اللافت وجود رمز مشترك بين اللوحة الفنية والكتابة القصصية بشكل خاص لدى كنفاني. وهذه العلاقة تنعكس في فن الملصق الذي خاض فيه اواخر الستينات. ولكن هذه الومضات الفنية في اللوحة والملصق، لم تكن شغله الشاغل بقدر ما كان يشغله نتاجه الأدبي الغزير على صعيد الكتابة. ومعروف ان غسان كنفاني هو الذي اكتشف الموهبة الفنية لرسام الكاريكاتور الفنان الراحل ناجي العلي، اثناء زيارة له لمخيم "عين الحلوة" في جنوب لبنان. إذ كان ناجي يرسم لوحاته على جدران المخيم، فدعاه للعمل معه في مجلة "المحرر".
وربما كان الرسم لدى كنفاني تأكيداً على حضور الذات، وسعياً الى تلبية متطلبات تعبيرية من نوع آخر، كأنه في سباق مع الزمن. كان اهتمامه بفن الملصق لمعرفة مدى تأثيره على المتلقي، ولمقدرة هذا الفن على مخاطبه الوعي والادراك وإيصال الخطاب الثقافي والسياسي للثورة الفلسطينية. وإذا بالعديد من الفنانين التشكيليين الذين واكبوا تجربة كنفاني او اتوا بعدها، يعتبرونه من رواد الملصق منذ اكثر من ثلاثين عاماً. ولا نزال نقع حتى اليوم، في الملصقات التي ارساها الأديب الراحل: الشجرة، خارطة فلسطين، الشمس، الفدائي، الحصان، الزخرفة الحروفية، العناصر الفولكلورية. ولا ضرورة للتذكير ان الملصق يحتل مكانة مميزة في الحركة التشكيلية الفلسطينية.
كما اننا نقع اليوم على آثار ذلك الاسلوب التعبيري الذي اطلقه كنفاني، لدى فنانين مثل اسماعيل شموط وتمام الأكحل. فاللغة التي ابدعها كنفاني، أخذ بها العديد من الفنانين التشكيليين، ما يؤكد وعيه الحسي والبصري، ونضجه الابداعي، وتجربته الرائدة. ورموز كنفاني التكشيلية لا تقل اهمية عن رموز بيكاسو في لوحته الشهيرة "غيرنيكا" باعتبارها رمزاً عالمياً للمأساة الانسانية. فهذا المبدع الفلسطيني اضاف الى الذاكرة البصرية رموزاً زاخرة بالجمال، ذات قيمة فنية تعبر عما يضيق به القول المألوف، برؤية فنية بصرية نافذة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.