تعرض النائب عبدالله النيباري لمحاولة اغتيال، بينما كان في طريق عودته من "الشاليه" على الساحل الجنوبي لمدينة الكويت. وأصيب برصاصتين، واحدة في فكه وأخرى في كتفه اليسرى، وأصيبت زوجته فريال الفريح بجرح في ظهرها. المحاولة التي وقعت يوم الجمعة قبل الماضي واستهدفت النائب الليبيرالي البارز، وأحد اقطاب "المنبر الديموقراطي" - تجمع اليسار والقوميين في الكويت - تتفاعل آثارها كل يوم على مختلف الصعد. ومن الصعب تحديد النتائج التي ستتمخض عنها، وبالذات تأثيرها في علاقة مجلس الامة بالحكومة الحالية وربما مجمل الحياة السياسية في الكويت. هناك من يقول ان الحكومة الحالية قادرة على التعامل مع أزمة من هذا النوع وسبق لها ان تعاملت مع ازمات توازيها او تفوقها اهمية، مثل مواجهة كارثة الاحتلال العراقي للكويت، فيما يعتقد بعضهم بأن الظروف الاستثنائية التي تمر بها الكويت حالياً، وبالذات غياب ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله بسبب العارض الصحي المفاجئ الذي اصابه منذ آذار مارس الماضي، يجعل التعامل مع آثار ازمة من هذا النوع خاضعاً لجملة اعتبارات تتعلق بطبيعة الاستحقاقات السياسية للمرحلة المقبلة. تفاعلات سريعة لم تمض ساعات على محاولة الاغتيال حتى اكتظت اروقة مستشفى "العدان" جنوب العاصمة، بالشخصيات السياسية يتقدمها رئيس مجلس الامة احمد عبدالعزيز السعدون، ورفاق النيباري، والدكتور احمد الخطيب احد مؤسسي حركة القوميين العرب وجاسم القطامي وسامي المنيس اقطاب المنبر الديموقراطي، ومعظم اعضاء مجلس الامة وجمهور كبير من المحبين والانصار. ويبدو ان الاحتقان السياسي كان في اوجه اذ لم يتردد رئيس مجلس الامة في اطلاق تصريحات اعتبرت في غاية الاهمية. فقد وجه السعدون اتهاماً صريحاً الى من سماهم "سرّاق المال العام"، مؤكداً أنهم هم الذين كانوا أيضاً وراء محاولة الاغتيال التي تعرض لها النائب الليبيرالي السابق حمد الجوعان وأدت الى اصابته بالشلل عام 1991، وبعد التحرير مباشرة. وزار رئيس الوزراء بالنيابة وزير الخارجية الشيخ صباح الاحمد النيباري في المستشفى. واعتبر ان المحاولة "فتنة ليس المعني بها شخصاً وإنما الشعب الكويتي بأسره". جلسة نيابية استثنائية وفي اليوم التالي تحولت الجلسة العادية لمجلس الامة الى جلسة استثنائية عاصفة لمناقشة محاولة اغتيال النيباري. واتهم رئيس المجلس الحكومة بأنها تحاول حماية سرّاق المال العام الذين يقفون وراء المحاولة. وذكّر السعدون بمحاولات الحكومة الدفاع عن وزير العدل محمد ضيف الله شرار الذي اتهمته المعارضة وبعض الصحف قبل الحادثة بأسابيع بالتدخل في استقلال القضاء والنيابة عندما سرّب الى الصحافة رسالة كان قد بعث بها الى مجلس القضاء الأعلى متهماً فريق النيابة المكلف إحدى أشهر سرقات المال في الكويت - قضية شركة ناقلات النفط - بالحصول على بدلات من دون وجه حق من الشركة المذكورة مع انها شركة حكومية. وهو الأمر الذي اعتبرته المعارضة وبعض الصحف تدخلاً يصب في مصلحة المتهمين في القضية الرئيسية، اي "اختلاسات الناقلات". لكن رئيس الوزراء بالنيابة الشيخ صباح الاحمد حاول دفع تهم حماية سرّاق المال العام عن الحكومة وطالب المجلس بعدم "صب الزيت على النار"، مشيراً الى ان ذلك ما يريده من كان وراء محاولة الاعتداء على حياة النيباري. واكد ان الحكومة لا تحمي سرّاق المال العام ولا تتستر عليهم. وتحدى ان يكون أحد "السرّاق" خارج اطار النيابة العامة. وقال: "نربأ بأنفسنا ان نحمي هؤلاء". وطلب المجلس من وزير الداخلية موافاة رئيس المجلس بتطورات هذه القضية واعتبار الجلسة مفتوحة حتى موعد الجلسة المقبلة. تفاصيل المحاولة كان واضحاً للجميع، سياسيين وحكومة وصحافة، ان محاولة اغتيال النيباري لم تكن ذات طابع شخصي، اذ لم تعرف له خصومات شخصية. بل اشتهر بخصومته الشديدة مع "القوى المعادية" للديمقراطية و"حرامية المال العام"، كما كان يسميهم في خطبه الحماسية الشهيرة تحت قبة المجلس. هذه الحقائق سرعان ما تأكدت عندما نشرت الصحف في اليوم التالي للجريمة بعض المعلومات الأولية عن الحادث، كما روتها زوجة النيباري السيدة فريال الفريح التي قالت ان اكثر من سيارة شاركت في الهجوم. بينما أدلى شهود كانوا في موقع الحادث الذي يكتظ بالعائدين من منطقة الساحل الجنوبي في هذا الوقت من يوم الجمعة، بتفصيلات اكثر عن الاعتداء والمشاركين فيه. ونشرت صحيفة "القبس" في عددها يوم الأحد اسماء بعض المتهمين الذين ارشدت اليهم تحقيقات ادارة امن الدولة التي تولت القضية. وفي اليوم نفسه كانت اسماء المتهمين معروفة، لكن وزارة الداخلية لم تصدر شيئاً رسمياً حتى مساء الأحد عندما ذكر بيان مقتضب لوزير الداخلية الشيخ محمد الخالد الصباح انه احال على النيابة 5 متهمين، ثلاثة كويتيين وايرانيين يعملان عند احد المتهمين الثلاثة. من هم الجناة ولماذا؟ الاسماء التي لم تنشرها وزارة الداخلية كانت تتصدر - احرفها الأولى على الأقل - صفحات صحف يوم الاثنين. وثبت رسمياً ان جهاز امن الدولة احال على النيابة العامة سلمان شملان الرومي وهو رائد سابق في وزارة الداخلية واحد المتهمين في عقود غذائية لمصلحة وزارة الدفاع الكويتية. وهي قضية تنظر فيها النيابة العامة. وأحيل ايضاً عبدالمحسن الرومي وهو رائد سابق في الجيش نشرت أنباء عن تورطه بالعقود نفسها. وعادل المكيمي وهو كويتي كان يعمل سابقاً في وزارة الداخلية. وسيد محمد سيد علي اردبيلي 19 سنة وسيد عبدالهادي سيد علي اردبيلي 20 سنة وهما ايرانيان يعملان لدى المتهم الأول. وتتلخص وقائع عملية الاغتيال كما روتها مصادر التحقيق وكما وردت في اعترافات عادل المكيمي التي سربت الى الصحافة، ان المتهم سلمان الشملان طلب من عادل المكيمي مساعدته في اغتيال النيباري بسبب نشر "الطليعة" مجلة المنبر "فضائح عمولاته وصفقاته في عقود الأغذية مع وزارة الدفاع". وفي روايات اخرى ان الشملان قال انه أراد اغتيال النيباري لأن الأخير ينوي استجواب نائب رئيس الوزراء وزير المال ناصر الروضان. الا ان هذه الرواية لم تتأكد وتتناقض مع توقيت الاعداد للعملية. فالمكيمي يقول ان الشملان حدثه في الموضوع للمرة الأولى قبل شهر ونصف شهر، بينما الاستجواب المعد للروضان لا يتعدى عمره بضعة اسابيع في ابعد تقدير. في كل الاحوال ان المتهمين الأربعة استقلوا ثلاث سيارات وانتظروا النيباري على طريق عودته من الشاليه، وهو طريق فرعي يوصل الى الطريق السريع الساحلي. ودفعوا سيارة النائب الى خارج الطريق، بينما تولى احد الايرانيين اطلاق النار من رشاش كاتم للصوت "ام بي - 5" واندفع المكيمي الذي تولى مراقبة الطريق نحو النيباري وزوجته المصابين عارضا المساعدة في نقل النيباري الى المستشفى. بينما نقلت زوجته فريال في سيارة عائلة توقفت لمد يد المساعدة. وبفعلته هذه تحول المكيمي من شريك في الجريمة الى شاهد عليها وروى للمحققين كيف حدثت العملية ولاذ الجناة بالهرب. الا انه سرعان ما انهار واعترف بكل شيء. ولم يعرف بعد ما الذي دفعه الى عرض خدماته لنقل النيباري: هل لأنه كان مطلوباً منه التثبت من ان المهمة اكتملت ام انه ارتبك بسبب احتمالات التعرف اليه كما روى بعض مصادر التحقيق؟ المتهم الثاني وهو عبدالمحسن الرومي وردت معلومات انه كان على علم بالعملية وانه ربما وفر السلاح الذي استخدم في الجريمة. بينما قالت مصادر قريبة من انه صاحب "اللكزس" البيضاء التي شوهدت في موقع الحادث. جلسة جديدة ومواجهة جديدة بعد ثلاثة ايام على الجريمة، كان كل المتهمين احيلوا على النيابة وبدأ التحقيق معهم. وبالطبع تنفس الرأي العام الصعداء. فالأطراف المباشرة تم التعرف اليها واحيلت على القضاء بسرعة استحقت معها اجهزة الأمن ثناء قلما حصلت عليه. ولكن سرعان ما ظهرت تطورات جديدة تشير الى اتجاهات مختلفة. فقد عقد محامي النيباري الذي حضر جانباً من التحقيقات مع المتهمين، مؤتمراً صحافياً مساء الاثنين 9 حزيران يونيو أعلن فيه ان هناك قلقاً من ان اجراءات التحقيق في امن الدولة لم تكن مكتملة، وأن هناك شهوداً غائبون منهم سائق عربة "الايس كريم" التي كانت متوقفة على بعد 300 - 500 متر من مكان الحادث. وأعلن محامي النيباري محسن المطيري ان المتهم الأول سلمان اتصل برئيس تحرير "الرأي العام" جاسم بودي من داخل مقر امن الدولة يطلب منه مساندته! كيف لمتهم في جريمة اغتيال سياسي اثارت الرأي العام ان يجري مكالمة من داخل مبنى امن الدولة؟ هذا هو السؤال الذي كان محور الجدل الذي اثير في جلسة مجلس الامة يوم الثلثاء 10 حزيران. وبينما عبر بعض الاعضاء مباشرة عن عدم استغرابه نظراً الى ما وصفه برعاية حكومية ل "سراق المال العام" فقد كان آخرون اكثر وضوحاً في اشارتهم الى العلاقة العائلية التي تربط المتهمين الأول والثاني بنائب رئيس الوزراء وزير المال. الأمر الذي استدعى معه دخول رئيس الوزراء بالنيابة في جدل ساخن مع بعض الاعضاء وادلاء الروضان ببيان دان فيه المحاولات الرامية الى ربطه بالمتهمين، من دون ان ينفي العلاقة العائلية التي تربطه بهم. وعلى رغم انه نفى نيته تقديم استقالته بسبب هذا الحادث، الا ان مصادر قالت ل "الوسط" انه سيرحل خلال شهرين او في اقرب تعديل وزاري يرجح ان يكون في نهاية الصيف الحالي. آفاق الأزمة وتداعياتها وعلى رغم أن تلميحات شبه مباشرة قد صدرت عن رئيس الوزراء بالنيابة خلال الجلسة النيابية باللجوء إلى حل المجلس إذا استمر الهجوم على الحكومة واتهامها برعاية "حرامية المال العام" أو التستر عليهم، إلا أن معظم المراقبين يستبعد هذا الخيار لأن الحكومة تملك غالبية الأعضاء الموالين لها وهو أمر قد لا يتكرر في حال اجراء انتخابات لمجلس الأمة خلال المرحلة الحالية. اذ قد يعود نواب كثيرون معروفون تقليدياً باستقلالهم عن الحكومة وربما بمعارضتهم إياها على المدى القصير، يقول بعض المراقبين ان محاولة اغتيال النائب النيباري مرشحة لأن تتحول كرة ثلج تعصف بالحكومة، وربما المجلس معها في حال طالت التحقيقات اسماء جديدة او تأكدت اشاعات تتحدث عن تورط شخصيات نافذة، تكشف علاقة المتهمين بمجموعة من التطورات السياسية التي حدثت في البلاد خلال السنوات الأخيرة. ولكن، لا شيء مؤكداً حتى الآن. ويعتقد بعضهم بأن تحقيقات النيابة العامة، وان كانت لا تزال في بدايتها، فانها لن تذهب بعيداً عن تحقيقات وزارة الداخلية التي حصرت الاتهام بالمجموعة الحالية، وان كان توسيع دائرة الاتهام ليس مستبعداً تماماً. سياسياً، من الواضح ان محاولة الاغتيال اعادت ترتيب اولويات العمل السياسي في الكويت، لتعود قضية المال العام فتحتل الموقع الأساسي في اهتمام المجلس والصحافة والجماعات السياسية والشارع خصوصاً بعدما كان نشاط التيارات الدينية ساهم في تقديم اهتمامات اخرى مثل قضايا الاخلاق والحشمة والحفلات وغيرها. ويقول قطب سياسي بارز، في تحليل ل "الوسط" ان محاولة اغتيال النيباري، ومن دون ان تتوسع دائرة الاتهام فيها، ستشكل اداة ضاغطة وفاعلة لحسم كثير من قضايا اختلاسات المال العام الأخرى، من خلال تهيئة اجواء سياسية مناسبة يستطيع القضاء ان يتحرك فيها سريعاً من دون معوقات تحد من انهاء كثير من الملفات المفتوحة، مثل ملفات الدفاع وعقود الاشغال وحتى اختلاسات الناقلات والاستثمارات الخارجية. اما كيف تتهيأ الاجواء السياسية التي يمكن ان يحسم فيها كثير من قضايا المال العام التي ازكمت رائحتها الاجواء ولوثت فضائحها الفضاء السياسي الكويتي، فالأمر مرتبط الى حد كبير بطبيعة التحولات التي ستشهدها الساحة الكويتية خلال شهور الصيف المقبلة. ولا يخفي كثير من المراقبين مخاوفهم من ان تكون قضايا المال العام اساس الصراعات الاخرى بين تيارات مختلفة وعلى كل المستويات. ولذلك فان تورط هذا الطرف او ذاك، هذه المجموعة او تلك، وبالذات ما يمكن ان يؤثر في تشكيل الحكومة وتركيبتها يمكن ان يعيد ترتيب اوضاع البيت السياسي الكويتي الذي تضغط عليه التطورات الأخيرة، وأهمها العارض الصحي الذي تعرض له ولي العهد. ويبقى السؤال: هل محاولة اغتيال النيباري عملية تصفية حسابات سياسية، ام محاولة لاعادة ترتيب الاوضاع من خلال اطاحة عدد من الرؤوس؟ ربما تطلب الجواب انتظار نهاية الصيف الحالي . عبدالله النيباري يعتبر عبدالله النيباري، أحد ابرز اقطاب المعارضة اليسارية في الكويت. بدأ نشاطه السياسي عضواً في حركة القوميين العرب عندما كان طالباً اقتصاد في الجامعة الاميركية في القاهرة في الستينات. وواصل نشاطه وسط صفوف الحركة في الكويت وانتخب لأربع دورات في مجلس الأمة 1971، 1975، 1992، 1996. تولى بعض المناصب الحكومية بعد تخرجه مباشرة مديراً لادارة النقد في بنك الكويت المركزي، ثم مديراً لادارة التخطيط والاستكشافات في شركة البترول الوطنية. وهو عضو مؤسس في المنظمة العربية لحقوق الانسان 1983 وعضو في كثير من المنظمات العربية المتخصصة.