في نهاية آذار مارس الماضي عقدت الجمعيات الامازيغية المغربية السبع والعشرون أول ندوة مشتركة لها بهدف وضع الخطوط العامة لاستراتيجية المرحلة المقبلة والخاصة بالجوانب التنظيمية والمطلبية والحقوق اللغوية والثقافية للامازيغ. وقبل ذلك بأسابيع قليلة، أي في 13 كانون الثاني يناير، تم الاحتفال برأس السنة الامازيغية ايض اسكاس ايمازيغن التي تؤرخ لذكرى غزو القائد الامازيغي شاشانق أمقران مصر وانتصاره على حكم الفراعنة وتأسيسه للأسرة الثانية والعشرين 850 ق. م.، حيث ودع الامازيغيون سنة 2946 واستقبلوا سنة 2947 الجديدة. وكانت 16 من الجمعيات الثقافية الامازيغية عقدت في كانون الثاني 1996 اجتماعاً في الرباط في اطار "المجلس الوطني للتنسيق" الذي يرأسه المحامي احمد الدغرني، اعلنت فيه احتجاجها بشدة على ما سمته "استمرار تجاهل المطالب اللغوية والثقافية الامازيغية، والذي تجلى بعدم اتخاذ أية مبادرة بخصوص تعليم الامازيغية" كما دانت ما سمته "الممارسات القمعية لبعض السلطات المحلية ضد حق التجمع وحرية التعبير"، ودعت الى الاهتمام بمطلب الاعتراف الدستوري بالامازيغية بكل أبعادها. وبعد الاعلان عن مشروع التعديلات الدستورية الأخيرة التي جرى التصويت عليها في 13 ايلول سبتمبر من ذلك العام، وجه امازيغيون من جنسيات مختلفة، أعضاء في مكتب "المؤتمر الامازيغي العالمي"، رسالة الى العاهل المغربي الملك الحسن الثاني يطالبونه فيها "باقرار الامازيغية في الدستور لغة رسمية ووطنية". واعقبت الرسالة دعوة "المجلس الوطني للتنسيق" الذي يضم 18 جمعية امازيغية مغربية في مؤتمر صحافي عقد في حزيران يونيو الى ضرورة "النص في الدستور المغربي على اللهجة الامازيغية، واقرارها كلغة وطنية رسمية" الى جانب المطالبة ب "الاعتراف بالامازيغية كلغة وثقافة وهوية داخل المجتمع المغربي، بدل اختزالها في البعدين العربي والاسلامي". وذكر ممثلو هذه الجمعيات انهم بصدد إعداد عرائض تهدف الى تفعيل مطالبهم، وانهم سيختارون الوقت المناسب لاستعمالها كورقة ضغط على الحكومة المغربية في حالة عدم استجابتها لهذه المطالب. وقد حث محمد شفيق، وهو مؤرخ وباحث اكاديمي مغربي وصاحب مشروع المعجم العربي - الامازيغي على لعب ورقة الامازيغية باعتبارها ورقة سياسية يستطيع بها المغرب ان يكسب كل شمال افريقيا لانعكاساتها على الناطقين بالامازيغية في مالي، النيجر، موريتانيا، ليبيا، تونس، غرب مصر سيوا والجزائر التي لم تعد فيها قضية الامازيغية من المحرمات بعدما دخلت التعليم والتلفزيون. واقع امازيغي وتكشف هذه الاحداث عن واقع جديد أخذ يتشكل على الساحة المغربية منذ السبعينات مع ظهور تيارات تتأرجح بين التطرف اليساري واليميني، وضمن هذه التيارات، تيار "الامازيغية البربرية السياسية" الذي يتخذ من الواجهة الثقافية مجالاً لممارسته السياسية، اذ يرتكز خطابه على "ان تاريخ المغرب هو تاريخ التنكر للثقافة البربرية"، وبالتالي فإنه تاريخ استغلال العنصر "العربي" للعنصر "البربري". لا يعني ذلك ان التيار البربري هو وليد فترة السبعينات، فهو يرجع الى سنوات طويلة سابقة. فبعد استقلال المغرب بقليل حدث اول انشقاق في صفوف "حزب الاستقلال" بانشاء "الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال" في كانون الثاني 1959 والذي كان النواة الحقيقية لحزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" الذي أعلن عن تأسيسه في ايلول من ذلك العام، وقد تم تفسير الأمر على انه "محاولة لتخلص العناصر السوسية / البربرية من العناصر الفاسية، نسبة الى مدينة فاس، العربية". ولم تمر ايام قليلة حتى تشكل اول حزب بربري في المغرب هو "الحركة الشعبية" وذلك في شباط فبراير 1959، وقد أسسه الضابط العسكري المحجوبي احرضان والدكتور عبدالكريم الخطيب اللذان توليا حقائب وزارية في حكومات عدة قبل انشقاقهما لاحقاً، وذلك ل "تمثيل سكان البوادي الامازيغيين داخل جهاز الحكم". وتوجد في المغرب حالياً اربعة احزاب تتخذ من الامازيغية مرجعية لها، ثلاثة منها ممثلة داخل البرلمان، هي حزب "الحركة الشعبية" بزعامة محند العنصر، "الحركة الوطنية الشعبية" بزعامة المحجوبي احرضان و"الحركة الشعبية الديموقراطية" بزعامة محمود عرشان، وهناك خارج البرلمان "الحركة الشعبية الديموقراطية" التي يتزعمها الدكتور الخطيب ذو التوجه الاسلامي. ما هي البربرية؟ اختلف الباحثون حول اصول البربر، وأصول البربرية بمختلف لهجاتها، فبينما يدّعي دعاتها ان البربر هم "آريون لاتينيون" يرى خصومهم ان "البربر عرب من العاربة القحطانية، وانهم اقرب الى الحميريين". كما ان البربرية - في نظرهم - لم تكن لغة في تاريخها، وانما كانت دائماً لهجات متعددة اذ لا يوجد كتاب واحد كتب بالبربرية. والبربر يسمون انفسهم الآن بالامازيغ وهي كلمة يراها البعض عربية الجذور الامازر: الاقوياء اشداء القلوب، وهي من جذر مزر. اما الامازيغية فهي لسان غير مدون للقبائل البربرية المنتشرة من المغرب والجزائروموريتانياوماليوالنيجروتونس وليبيا حتى سيوا في غرب مصر. وهناك ثلاث لغات بربرية يجرى بها الحديث، في جهات شاسعة من المغرب، وهي "تريفيت"، "تشلحيت" و"تمزيغت". وتفسر "الحركة البربرية" بتفسيرات عدة اهمها: - التعلق بالهوية البربرية ورفض الذوبان في المحيط العربي الاسلامي الذي شكل ويشكل الامتداد الثقافي والحضاري والطبيعي لأغلبية سكان شمال افريقيا. - رد فعل على ظاهرة التعريب التي شملت منذ الاستقلال التعليم في كل مراحله وبدأت تمتد الى مجالات الادارة والتسيير. ويتنازع الحركة البربرية تياران: اولهما، "تيار نخبوي" يتنافس على قيادته عدد من السياسيين المثقفين المغاربة، يريد ربط الحركة بالمجال الثقافي الفرنكوفوني. ويعمل على رسم الحروف التي ينبغي ان تكتب بها "اللغة الامازيغية" بالحروف اللاتينية. وثانيهما، "تيار شعبي" تتبناه بعض الاحزاب والحركات الاسلامية ويريد للحركة ان ترتبط بالمجال الثقافي العربي الاسلامي ويحرص على عدم استخدام "اللغة الامازيغية" في الكتابة، او كتابتها بالابجدية العربية اذا ما تم ذلك. ويفرق الباحثون بين بربرية ونزعة بربرية، فالأولى تعني انها عنصر من عناصر تاريخ شمال افريقيا دون رفع شعار اللغة البربرية عدوة للعربية، أو بديلاً منها، والثانية خلقها الفرنسيون على أساس الزعم ان البربر من اصول جرمانية ورومانية وليسو عرباً وان البربرية لا علاقة لها بالعربية، الى غير ذلك من الافكار. لكن الكثير من هؤلاء الباحثين يتفقون على ان الفرنسيين إبان استعمارهم المنطقة عملوا على تدمير الوحدة الوطنية خصوصاً بالنسبة للمغرب والجزائر وذلك باثارة النزعة البربرية. ففي عام 1913 تم انشاء أول مقعد للغة البربرية بالرباط بتأسيس مدرسة اللغة العربية واللهجات البربرية. ومن هنا بدأت سلطات الحماية الفرنسية تهتم وتركز على موضوع اساسي ومهم بالنسبة لها، وهو العرف البربري والجماعات البربرية، وتدعيماً لهذا التطور في اهدافها وضعت خريطة لغوية للمغرب، وقامت عام 1915 بتأسيس معهد الدراسات البربرية تلاه اصدار مجلة دورية خاصة بالبربرية. وفي عام 1929 تم انشاء مدرسة لتعليم اللهجات البربرية بالرباط والتي تحولت في ما بعد الى "معهد للدراسات العليا". وبلغ الأمر خطورته باصدار ظهير قانون 16 ايار مايو 1930 المعروف ب الظهير البربري الذي أراد الفصل في النواحي القانونية بين العرب والبربر باقامة سلطتين قضائيتين في البلاد واحدة للعرب وأخرى للبربر. ويرى نقاد التيار الامازيغي ان فرنسا عمدت الى النفخ في النزعة البربرية لعرقلة نهوض اللغة العربية في مواجهة اللغة الفرنسية، وهكذا أسس الفرنسيون "الاكاديمية البربرية" عام 1967، في "جامعة باريس 8/فانسين"، من اجل الابقاء على وضع اللغة الفرنسية المهيمن في المغرب والجزائروتونسوموريتانيا، كما قاموا بإعداد مئات من الاداريين الشبان في المراكز الادارية الفرنسية، لكي يخلفوا الفرنسيين بعد رحيلهم، حيث كانوا يسيطرون على الادارة في هذه البلدان. ومع تأسيس "الاكاديمية البربرية" بدا الطابع الثقافي للحركة البربرية يتبلور شيئاً فشيئاً الى ان برز اخيراً في شعارات مثل "نحن لسنا عرباً" و"الامازيغية لغة وطنية ثانية". النشاط البربري يتصاعد تعتبر "الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي" التي تأسست عام 1967 المنتدى الذي احتضن الدعوة البربرية في المغرب، وعمل على نشرها واعطائها الطابع المؤسسي، وكان من ابرز اهدافها المعلنة: "ابراز الخصوصيات الثقافية واللغوية، وخدمة الثقافة واللغة الامازيغية وتشجيع الابداع بهما". وتجدر الاشارة الى ان الاحداث التي عاشتها مدينة تيزي وزو وضواحيها في الجزائر في 20 نيسان ابريل 1980 المعروفة باسم "الربيع الامازيغي" اصبحت تؤرخ لميلاد "الحركة البربرية السياسية" في منطقة شمال افريقيا، ففي اعقابها انعقد "مؤتمر ياكورن" الذي وضع الارضية الأساسية لنشاط هذه الحركة ومبادئها واهدافها. ومن هذه الاهداف: "جعل اللغة الامازيغية في مستوى اللغة العربية". وكانت تلك المرة الأولى التي تظهر فيها الحركة البربرية بمثل هذه الاطروحات الثقافية. وفي ذلك العام 1980 عقدت "الجامعة الصيفية" بمدينة اغادير المغربية دورتها الأولى الحافلة بالمحاضرات حول الثقافة الامازيغية واصدرت ميثاقاً اعتبر تحولاً جذرياً في الحركة الثقافية البربرية. وتلت هذه التظاهرة مبادرات اخرى منها المذكرة المرسلة من الجمعيات الامازيغية الى المؤتمر العالمي لحقوق الانسان المنعقد بفيينا عام 1993، والتئام مؤتمر لهذه الجمعيات على هامش المؤتمر، ثم اجتماعها من جديد بمدينة جنيف للمساهمة في "مؤتمر الشعوب الاصلية". وفي صيف 1993 عقد مهرجان الاغنية الامازيغية باغادير، كما عقد مهرجان السينما الامازيغية بمدينة دوارنويه بمقاطعة بريتاني الفرنسية. واصدرت اكثر من ثلاثين جمعية امازيغية حضرت مهرجان دوارنويه بياناً تأسيساً لمشروع المؤتمر العالمي الامازيغي. وفي هذا البيان تم التركيز على الهوية المشتركة للامازيغيين الذين تمتد بلادهم، حسب الوثيقة، من جزر كناريا غرباً الى واحة سيوا شرقاً مصر ومن البحر المتوسط شمالاً الى بوركينا فاسوجنوباً. وقد اكد البيان على عزم التجمع الامازيغي على صيانة حقوق هذا الشعب الذي زور تاريخه والذي قمعته مختلف السلطات، طارحاً مجموعة من الاهداف والاستراتيجيات تتعرض في بعضها للجوانب القانونية والدستورية، ويخص بعضها الآخر الاستنجاد بالحماية الدولية وتبني الكفاح الديموقراطي السلمي. ومنذ مؤتمر فيينا حول حقوق الانسان حزيران - يونيو 1993 بدأ الامازيغيون المغاربة يظهرون على المستوى الدولي، فقد شارك للمرة الأولى في هذا المؤتمر وفد عن المعيات الثقافية الامازيغية ووزع على نطاق واسع وثائق وكتب الامازيغيين المغاربة الى جانب وفود جمعيات حقوق الانسان ومختلف الجمعيات غير الحكومية المغربية ووفود الحكومة على حد سواء، ثم تطور الأمر الى نشر رسالة في صحيفة "الوطن" الجزائرية في صيف 1993 بتوقيع أحد أعضاء وفد الأمازيغيين المغاربة الى مؤتمر فيينا يدعو فىها الى انشاء "مؤتمر عالمي للامازيغيين". ولقيت هذه الرسالة تجاوباً من الأمازيغيين خصوصاً الجزائريين مما أدى فعلاً الى انعقاد "المؤتمر العالمي للأمازيغيين" ومقره حالياً في لندن وله لجنة تنسيق تعمل على تطويره. وخلال انعقاد مؤتمر المحامين العرب في الدار البيضاء في شهر أيار مايو من ذلك العام 1993 وزع المحامي حسن ايد بلقاسم حسن أحد أبرز النشطاء الأمازيغيين المغاربة رسالة دعا فيها الى تغيير شعار "الحق والعروبة" الذي رفعه الاتحاد الى "من اجل الحق والديموقراطية" واستبدال اسم "اتحاد المحامين العرب" بپ"اتحاد المحامين في العالم العربي" وذلك استجابة للوضع الذاتي والموضوعي المتعلق بالمحامين المنضوين تحت لواء الاتحاد باعتبار ان أغلب المحامين من المغرب والجزائروتونس وليبيا هم من الأمازيغيين، الى جانب وجود محامين من أقليات غير عربية مثل الأرمن والأكراد من العراق وسورية وفلسطين والأقباط في مصر. لكن الظاهر الأكثر أهمية هي علاقة الأمازيغيين المغاربة بحركة الشعوب الأصلية بعدما خصصت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 45/164 في 18 كانون الأول ديسمبر 1990 عام 1993 عاماً دولياً للشعوب الأصيلة، وقد شاركت الشبيبة الشعبية التابعة لحزب "الحركة الشعبية الديموقراطية" التي يرأسها أوزين احرضان أحد أبناء زعيم الحزب المحجوبي أحرضان في أعمال ولقاءات الأممالمتحدة حول الشعوب الأصلية. وقد مثلها عمر اللوزي الى جانب حسن ايد بلقاسم ممثل "الجمعية الجديدة للثقافة والفنون". وهما حضرا معاً اجتماع مجموعة العمل في جنيف في 20 تموز يوليو 1994 وافتتاح السنوات العشر المخصصة للشعوب الأصلية في نيويورك في 8 كانون الأول ديسمبر. المؤتمر العالمي للأمازغيين في 1 و2 و3 ايلول 1995 عقد في المركز الدولي للقديس "سان روم ديدولان" في جنوبفرنسا أول تجمع عالمي للامازيغيين حضره حوالي 200 شخصية يمثلون 40رابطة ثقافية بربرية من المغرب والجزائر وليبيا والنيجر والولايات المتحدةوفرنسا وجزر الكناري واسبانيا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا، من بينهم حوالي 30 مغربياً وعشر جمعيات مغربية، وأسسوا منظمة عالمية تحت اسم "المؤتمر العالمي الأمازيغي" الذي انتخب مكتباً فيديرالياً برئاسة مبروك فركال يتكون من 32 مندوباً من بينهم 10 مغاربة و7 جزائريين، و2 من ليبيا، و7 من المهجر اوروبا الغربية، والولايات المتحدة، و2 من جزر الكناري و2 من الطوارق. وانتخب المؤسسون مكتباً دولياً يتكون من 11 شخصاً، واختاروا باريس مقراً رئيسياً للمنظمة يمكن تغييره بقرار من المكتب الدولي، كما صادقوا على وثيقة تحمل اسم "القانون الأساسي للمؤتمر العالمي الأمازيغي" التي تتضمن أهم مبادئ وتوجهات الحركة البربرية الأمازيغية، ومن أبرزها: - تدويل الواقع البربري الأمازيغي عبر الهيئات الدولية الأممالمتحدة، الأونيسكو والمنظمات غير الحكومية. - الدفاع عن الثقافة الأمازيغية وصيانتها وتطويرها وتنميتها. - اكتساب الوسائل المادية والمالية والتنظيمية من اجل تحقيق هذه الأهداف. - النضال في نطاق احترام القيم الكونية: حقوق الانسان، الديموقراطية، الحرية، التسامح والسلام. ومن الأمور التي كشف عنها المؤتمر: 1 - ان المغرب يضم أكبر عدد من الأمازيغيين في العالم. 2 - ان الأمازيغيين الكاناريين الذين حصلوا على أغلبية نسبية في البرلمان الكاناري، فرضوا اللغة الأمازيغية في برلمان لاس بالماس، ويفكرون في المطالبة بالاستقلال الذاتي واقامة دولة أمازيغية في جزر الكاناري. 3 - ان الأمازيغيين الحاصلين على الجنسية الفرنسية يصل عددهم الى حوالي مليونين. وبانعقاد المؤتمر الأمازيغي العالمي أصبح للحركة البربرية وللمرة الأولى "هيئة قيادية مشتركة" تجسد ارادتها في التفكير والتنسيق والسعي لتحقيق مطالبها. الأحزاب المغربية والحركة البربرية لا يمكن وضع جميع الأحزاب المغربية، في اطار تعاملها مع القضية الأمازيغية، في كفة واحدة، لكن يمكن القول بشكل عام ان مواقفها تميزت بالسلبية، بل بلغت بعض الأحيان حد التشكيك في مواطنة البربر. اذ ان غالبية الأحزاب لم تتخلص بعد من تصور الحركة الوطنية المغربية للمسألة الثقافية والذي يقوم على الاتجاه القومي العروبي. وهذه المواقف تأتي بالأساس كرد فعل على مواقف دعاة الأمازيغية من مسألة التعريب، والانتساب للمشرق العربي. الا ان توسع قاعدة الأمازيغيين جعل هذه الأحزاب تقبل الأمر الواقع، فبدأت تلين مواقفها التقليدية من القضية الأمازيغية، وفتحت لها صفحات جرائدها للنقاش لهدف واضح هو استغلال ظروف التغيير واستحقاقات الانتخابات المقبلة. وقد تجاهل حزب "الاستقلال" الذي تقوم مرجعيته الايديولوجية على الاسلام السلفي موضوع الحقوق اللغوية والثقافية الامازيغية، واعتبرها محاولة للنيل من الوحدة الوطنية وعاملاً سيؤدي الى التشتت والفرقة، ويتضح هذا كثيراً من خلال كتابات عبدالكريم غلاب أحد زعماء هذا الحزب ومنظريه وخاصة في كتابه "من اللغة الى الفكر" الذي يرى فيه ان المهتمين بالهوية والثقافة الأمازيغية انما يحيون الضغائن والأحقاد نفسها التي زرعها المستعمر. اما حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" فقد ظل متردداً من القضية الأمازيغية، نتيجة للقوة التي بدأت تتميز بها هذه الأخيرة في المجتمع عبر مجموعة من التنظيمات، والتحركات، قبل ان يحسم الأمر في مؤتمره الخامس المنعقد عام 1989، حين أقر بالتنوع الثقافي والحقوق اللغوية والثقافية، وتعدد المكونات الثقافية للشعب المغربي، وهو ما حصل في مؤتمر شبيبته كانون الأول "ديسمبر" 1991 من خلال وثيقتها المعنونة بپ"الشبيبة الاتحادية والمسألة الأمازيغية". لكن رغم كل هذا ما زال بعض أقطاب الحزب يحملون نظرة سلبية تجاه الأمازيغية. وكان لاعتماد حزب "التقدم والاشتراكية" في ايديولوجيته على الماركسية أثره في التعامل الايجابي نسبياً مع الامازيغية، اذ انه أشار الى الاشكالية اللغوية والثقافية منذ مؤتمره الأول عام 1975. وقد ضمن الحزب مواقفه من هذه القضية من خلال كراس صادر عام 1980 بعنوان "اللغات والثقافات الأمازيغية جزء لا يتجزأ من التراث الوطني المغربي". وان ظل يرى في "البربرية السياسية" محولة لاعادة انتاج سياسة الحماية الفرنسية المتمثلة في اصدار "الظهير البربري". وفيما تعاملت "منظمة العمل الديموقراطي الشعبي" بشكل حذر مع الأمازيغية لكون زعيمها محمد بنسعيد من سوس مركز الحركة البربرية، ظلت الى حين الانشقاق الذي حصل في صفوفها مؤخراً تدعو الى رعاية وصيانة التراث الوطني المغربي والاهتمام بمختلف مكونات الثقافة المغربية، الا انها لم تخرج عن اطار التحفظ، بل ان بين كتابها من انتقد وهاجم المطالب اللغوية والثقافية الأمازيغية. واتخذت جماعة العدل والاحسان التي يتزعمها الداعية عبدالسلام ياسين، موقفاً متعاطفاً مع التيار البربري، ومن بعض مطالبه، بعد اعتقال مجموعة من الناشطين الأمازيغيين بمدينة الراشدية أثناء تظاهرات عيد العمال في الأول من أيار مايو 1994. غير ان الاسلاميين على العموم يناهضون هذا التيار، وتتلخص وجهة نظرهم في ان الاسلام يرفض التمييز على أساس العرق: العرب والعجم، العرب والبربر. آفاق القضية الأمازيغية! يلاحظ الزخم الذي تعرفه قضية الأمازيغية في المغرب، وذلك من خلال الاهتمام المتزايد والمنظم بها والذي يتمثل في نشاط الجمعيات الثقافية المهتمة باللغة والثقافة الامازيغيتين، وجمعيات ثقافية أخرى، الى جانب حضور الأمازيغية في مجموعة من الأنشطة المنظمة من قبل مجموعة من المنظمات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب - الجمعية المغربية لحقوق الانسان - اتحاد كتاب المغرب - النقابة الوطنية للتعليم…، فضلاً عن اهتمام الصحف الوطنية بها. هذا الزخم أثار حفيظة السلطات الرسمية التي لجأت في تعاملها مع القضية الأمازيغية الى أسلوبين، أسلوب المنع المباشر لأنشطة مجموعة من الجمعيات، وأسلوب غير مباشر تمثل في سياسة اللامركزية والجهوية وتمكين الأمازيغية من دخول التلفزيون عبر نشرة اللهجات اليومية منذ آب اغسطس 1994 تنفيذاً لقرار أصدره الملك الحسن الثاني الذي وعد أيضاً بتدريس الأمازيغية. وعملياً، توجد برامج اذاعية موجهة للسكان الامازيغيين تصل الى 13 ساعة في اليوم. كما تصدر عدة جرائد بالأمازيغية، وتوجد أفلام ومسرحيات وأغان بالأمازيغية لها جمهور واسع منتشر في الجغرافية المغربية جميعها. وللأمازيغيين مواقع في مراكز القرار في الادارة والاقتصاد وفي مختلف المناصب المهمة في الجيش والأمن والشرطة، عدا موقعهم المتميز في النشاط الاقتصادي