كما في كل المراحل السابقة، يعرف المشهد السياسي المغربي حالة انتظار وترقّب لما ستسفر عنه الجولة الانتخابية في 14 الشهر الجاري، والخاصة بانتخاب اعضاء مجلس النواب الذي يتشكّل منه البرلمان الجديد اضافة الى مجلس المستشارين. ويتنافس في هذه الجولة 16 حزباً لاحتلال 325 مقعداً، اي بزيادة اربعة احزاب عن الانتخابات الاشتراعية السابقة 1993 حيث قرر الدكتور عبدالكريم الخطيب زعيم "الحركة الشعبية الدستورية" ذات التوجه الاسلامي التراجع عن موقفه بمقاطعة الانتخابات. كما تشارك للمرة الاولى ثلاثة احزاب جديدة هي: "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" و"جبهة القوى الديموقراطية"، المنشقان عن حزبين معارضين، الاول عن منظمة العمل الديموقراطي" والثاني عن "التقدم والاشتراكية". اما الحزب الثالث "الحركة من اجل الديموقراطية" فهو ما زال في طور النفاس، اذ لم يكمل بعد شهره الاول. واللافت في هذه الانتخابات ان كتلة "الوفاق" المساندة للحكومة نجحت في ما فشلت فيه "الكتلة الديموقراطية"، حيث اتفقت على ترشيح 90 مرشحاً مشتركاً، ومن هنا قلّة عدد مرشحيها. بينما اخفقت المعارضة في الوصول الى مثل هذا المرشح حتى على مستوى حزبي "الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي" اللذين كانا قد خاضا انتخابات 1993 بمرشح مشترك. وكما يبدو، فان تحولاً كبيراً طرأ على خارطة التحالفات التي تم رسمها عشية استحقاقات 1993، فأحزاب المعارضة ترفع في هذه الانتخابات شعار "البرنامج المشترك" للتغطية على فشلها في الخروج بفكرة "المرشح المشترك" الى حيز التطبيق. والواضح ان ثمة مصاعب برزت على الطريق، تضاف اليها ازمة الثقة التي نتجت عن الانتخابات المحلية البلديات والتي اتخذ منها كل حزب ذريعة للدفع بعدم الترشيح المشترك، وزاد في هذه المصاعب طبيعة الدوائر الانتخابية، فوفقاً للتقسيم الاداري الجديد الذي تم على اساس اقرار نوع من التوازن الديموغرافي بين المدن والاقاليم، ارتفع عدد الدوائر الانتخابية الى 60 ألف دائرة بات من الصعب معها معرفة ما هي الدوائر المضمونة وما هي المشكوك بإمكان النجاح فيها. ولم تخف المعارضة انها كانت تراهن، عبر صيغة المرشح الوحيد او المشترك، على حصد غالبية مقاعد مجلس النواب 325 مقعداً لتشكّل حكومة التناوب التي تمحورت حولها ادوار احزاب المعارضة في السنوات القليلة الاخيرة، ومن دون شك تبدو الآن امام مهمة شاقة، بعدما تأكد ان غالبية مقاعد مجلس المستشارين 270 مقعداً ستؤول لمصلحة احزاب الوسط و"الوفاق" التي تشكل غالبية البرلمان الحالي. وتعتبر الانتخابات الاشتراعية تتويجاً لمسلسل انتخابي انطلق قبل عام بإجراء استفتاء على التعديلات الدستورية في 13 ايلول سبتمبر 1996، ودخل مرحلته الحاسمة بإجراء الانتخابات المحلية البلديات في 13 حزيران يونيو 1997، تلتها انتخابات مجالس العمالات والاقاليم المحافظات في 15 تموز يوليو وانتخابات الغرف المهنية في 25 من الشهر نفسه، ثم انتخابات ممثلي المأجورين العمال في 26 ايلول وممثلي المجلس الجهوية المناطق في 24 تشرين الاول اكتوبر، فيما ينتظر ان تكتمل حلقات هذا المسلسل بانتخابات مجلس المستشارين التي حدد يوم 5 كانون الاول ديسمبر المقبل موعداً لاجرائها. وعبر حوالي اربعين اجتماعاً، عملت اللجنة العليا لمتابعة الانتخابات التي تضم ممثلين عن كل الاحزاب السياسية والادارة والقضاة وشخصيات مستقلة على تسوية ما ينشأ من خلافات في ظل اجواء من التوافق والتراضي. وتجدر الاشارة هنا الى اول "ميثاق شرف" من نوعه ابرمته الاحزاب السياسية والسلطات في شباط فبراير الماضي لضمان نزاهة الانتخابات. ويجمع المراقبون على الظروف الايجابية التي توافرت لهذه الاستحقاقات التي ستجري للمرة الاولى بالاقتراع العام المباشر، فقد سمحت الحكومة لكل الاحزاب السياسية المشاركة من دون تمييز، بحصص متكافئة في استخدام وسائل الاعلام، وتنظيم المهرجانات الخطابية، وعدا بعض الحوادث المتفرقة، فقد مرّت الحملة الانتخابية في ظروف ملائمة، في ضوء ما اتخذ من اجراءات، سواء أكانت تشريعية، ام تنظيمية ام ادارية. ويتزايد من الآن الاهتمام بالحكومة المقبلة التي ستشكل على اساس الخارطة السياسية التي تفرزها ارادة الناخبين عبر صناديق الاقتراع. وتروج بين الاوساط السياسية والاعلامية الاحتمالات والتوقعات كتعبير عن مظاهر الانشغال بالقوة التي ستتولى المسؤولية الحكومية. فاذا كانت الاحزاب المتنافسة عملت على ترتيب اوضاعها، في ضوء خطاب العاهل المغربي في آب الماضي الذي دعاها فيه الى التقدم ببرامج ملموسة تعرض فيها اقتراحات واضحة للتعامل مع المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، فان الناخبين يتطلعون الى معرفة مدى قدرة هذه الاحزاب على الاستفادة من الدروس السابقة، لتجدد اساليب عملها والخروج عن دائرة الافكار النظرية او الايديولوجية. وتشير المعطيات الى دخول المغرب مرحلة اعادة صياغة الخارطة السياسية التي ستتضح تماماً بعد اكمال الجولة الحالية، ذلك ان الهدف الحقيقي لهذه الانتخابات السابقة لأوانها هو القطع مع تجارب الماضي التي كانت موضوع شكوك وانتقادات، مما يجعلها مفتوحة على كل الاحتمالات، بما في ذلك فوز المعارضة في النهاية بالغالبية، وبالتالي تحقيق فكرة التناوب الحكومي، اي ان اليسار سيخلف اليمين فيما سيكون الوسط بمثابة "بيضة القبّان". والواقع انه منذ الاعلان عن التعديلات الدستورية العام الماضي كانت الاجواء العامة تشير الى ان الانتخابات تمهّد لإشراك احزاب المعارضة في تسيير البلاد، والمعارضة المعنية تتكون من احزاب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، "الاستقلال"، "التقدم والاشتراكية" و"منظمة العمل الديموقراطي"، كما يقترب منها "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" اما حزب الوسط الأقرب لها فهو "التجمع الوطني للاحرار" الذي يتزعمه احمد عصمان. الا ان هذا لا يمنع من التساؤل: هل ان الاجواء السياسية تساعد على تشكيل المعارضة لكتلة برلمانية تؤهلها لتولي المسؤولية الحكومية؟ ذلك ان هناك حقيقتين جديرتين بالانتباه: الاولى: ان غالبية احزاب المعارضة ذات منحى يساري، وهناك من الاوساط المغربية من يعتقد بضرورة تبديد القلق من وصول قوى جديدة للتسيير الحكومي، لا سيما ان المعارضة لم تكشف بعد عن تصورات مغايرة بعد التحولات التي طالت العالم منذ سقوط جدار برلين والدخول في عصر العولمة، فلم يجرؤ اي من حزبي المعارضة الرئيسيين "الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية" على عقد مؤتمره العام، على رغم الكثير من المواعيد التي ضرباها لأكثر من عشر سنوات، والحزبان اللذان غامرا بعقد المؤتمر وهما "منظمة العمل الديموقراطي" و"التقدم والاشتراكية" انشطر كل واحد منهما الى شطرين منفصلين. والملاحظة الثانية، ان الممارسة السياسية في المغرب، الذي يحظر دستوره نظام الحزب الوحيد، تكاد لا تخرج عن قاعدتين: خريطة برلمانية تحت السيطرة، ولا غالبية لأي حزب، واي ائتلاف يجب ان يتطلب اربعة احزاب فأكثر. ويرى محللون ان فرضية فوز المعارضة محتملة في الوسط الحضري، لكنها اكثر بعداً عن التحقق في البوادي، علماً ان الاصوات القروية لا يستهان بها لأنها تمثل النصف تقريباً. وهذه ليست سوى واحدة من الثوابت التي لا يمكن التحكم بها في بلد نصف المصوّتين فيه أمّيون. ترى، ماذا تخبيء هذه الجولة من مفاجآت؟ عصمان واليوسفي واحرضان يرسمون الخارطة السياسية المقبلة أكد قادة ثلاثة من الاحزاب المغربية التي تمثل المعارضة والغالبية السابقة والتيار الامازيغي البربري اهمية الانتخابات الاشتراعية المقبلة لانتخاب اعضاء مجلس النواب، وهي اول انتخابات سابقة لأوانها تجري في المغرب. وعرض القادة، وهم احمد عصمان زعيم حزب التجمع الوطني للاحرار وعبدالرحمن اليوسفي الكاتب الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض والمحجوبي أحرضان رئيس حزب الحركة الوطنية الشعبية، تصوراتهم وبرامجهم، كما قدّموا توقعاتهم عن الخارطة السياسية التي ستبرز ملامحها الجولة الانتخابية المقبلة. أحمد عصمان : لا لبلقنة الأحزاب كان توجه الحكم ان تكون في البلاد قوتان، المعارضة اليسارية واحزاب اليمين، لكن جرى الحديث بعد ذلك عن قوة ثالثة هي الوسط التي صنّف ضمنها حزبكم. هل انتم راضون عن لعب دور عقرب الساعة في التحالفات لتشكيل الحكومة الجديدة؟ - في الخطاب الذي القاه لمناسبة افتتاح الدورة النيابية منذ سنة خلت، أشار الملك الى الوسط، بينما كان يشير من قبل الى مجموعتين اثنتين. وكنا أدلينا في العام 1994 ببعض الملاحظات عن هذا التصور الذي نراه معقولاً وايجابياً، فالمبتغى ان يتوافر المغرب في يوم من الايام على قوتين اثنتين، كما هو الامر في بعض الدول كبريطانيا والمانيا، على رغم ظهور حزب ثالث ليبرالي يرجح الكفة تارة الى "اليمين" وتارة الى "اليسار" مثل ما حصل في المانيا. وكنا لاحظنا ان هذه الممارسة، اي نظام الحزبين، تتطلب وقتاً طويلاً وممارسات وتجارب من الصعب بلوغها في وقت قصير، وكذلك الامر في ما يتعلق بالوسط، ذلك ان نظام الكتلتين او نظام الاحزاب الثلاثة يقوم اساساً على الايديولوجيات، وعلى برنامج محكم منسق، بينما نجد التكتلات الموجودة الآن في المغرب ظرفية ومبنية على اغراض انتخابية او شبيهة بذلك، وهو ما يتجلى في "الكتلة الديموقراطية" التي تضم احزاب المعارضة، اي انه ليس هناك برنامج محكم او تكتل ايديولوجي مبني على ممارسات، على العكس هناك صراعات. وفي كثير من الاحيان نسمع ان "الكتلة" تمثل اليسار، ونحن نعتقد بأنه ليس هناك يسار او يمين في جميع البلدان، حتى في فرنسا. وبغض النظر عن اليمين او اليسار او الوسط، المهم ان يتوافر المغرب على احزاب قوية كي لا يلجأ الملك عندما يريد ان يعيّن حكومة الى خمسة او ستة احزاب كما هو الشأن في البرلمان الحالي. نحن نتخوف من تكرار هذه التجربة اذا ما ظلت الاحزاب مشتتة مختلفة وكثيرة. وهناك ربما التباس في ان نُنعت ب "الوسط"، فنحن لا دخل لنا ب "الوسط" لاننا نؤمن بالديموقراطية الاجتماعية وهي ايديولوجية تحاول ان يكون لها انسجام بين الاطراف المعنية ويكون لها اتصالات وعلاقات مع جميع الاحزاب، اي فيها ليونة ومرونة. نحن نُنعت بالوسط كأيديولوجية وكمبادئ، لكن في الساحة السياسية اذا كانت اتفاقات ولقاءات تمت بين الكتلة المعارضة من جهة وما يسمى بالوفاق تحالف الغالبية السابقة من جهة اخرى فان فرصة اللقاء بين الاحزاب التي تُنعت بالوسط لن تسنح حتى الآن، لأن الخارطة السياسية ستتضح بعد الانتخابات، ونتمنى، اما عن طريق الانتخابات المباشرة او عن طريق اتفاقيات مبنية على برامج محكمة وعلى ايديولوجيات، ان تتسم هذه الخارطة السياسية المغربية بعد الاستحقاقات المقبلة بوضوح وبعدم تفتيت القوى السياسية. لكن هناك من يعتقد بأن تعدد الاحزاب وكثرتها يعود الى رغبة الحكم في عدم ابقاء قوة معينة تتحكّم في البرلمان؟ - لا ادري. ولكن بطبيعة الحال هناك من يستعمل اسلوب "فرّق تسد" واتمنى ان لا يكون ذلك، لأنه في الواقع اذا اردنا للمغرب ان يسود لا بد من جمع القوى، ولا بد من تكتل الجهود وتضامن الجميع. وكيف تفسرون ظاهرة الانشقاقات التي باتت تطغى على الساحة السياسية؟ - كنا دائماً ولا نزال نندد ب "بلقنة" الاحزاب السياسية وتشتيتها. ونحن ضد "البلقنة" السياسية لانها تجعل الاحزاب ضعيفة ومهمشة وهو ما ينعكس على البلاد برمتها ويخلق ما هو خطير جداً، اي الفراغ السياسي. لن تستفيد البلاد من وجود قوى يصعب تنظيمها. وقد اشار الملك في ذلك في خطابه الاخير. وفي نظرنا لا بد من ضوابط كما هو موجود في بعض الدول، فلا يمكن لأي كان ان ينشئ حزباً سياسياً بين عشية وضحاها. يلاحظ ان "التجمع" لم يعقد مؤتمره منذ فترة طويلة كالكثير من الاحزاب المغربية. هل تتخوفون من انشقاق بعد الانقسام الذي حصل في فريقكم النيابي، خصوصاً ان الحزبين الوحيدين اللذين عقدا مؤتمرهما انشقا فيما بعد؟ - لم يكن هناك انقسام، كانت هناك مشاكل طارئة، لكن الذي وقع هو انه بعد الانتخابات خرج بعض النواب من صفوفنا وانضموا الى صفوف اخرى، الا انهم كانوا قلائل، اربعة او خمسة. وقد حالت اسباب عدة امام عدم عقد مؤتمرنا. وكنا على وشك عقده في العام 1989 لكن ظهرت مشاكل تتعلق بالتحضيرات للانتخابات، فمن الصعب ان ينعقد المؤتمر قبل الانتخابات بقليل او اثناءها. بعد هذه الانتخابات سنعقد مؤتمرنا. وبصورة عامة صفوفنا متماسكة في هذه الفترة الحاسمة، وصراحة ليست لدينا مشاكل في الحزب، بل على العكس هناك اقبال من الشباب على الانضمام الى حزبنا. كيف تنظرون الى مشاركة "المستقلين" في الاستحقاقات الانتخابية؟ - نحن نعتقد، وقد قلنا هذا مراراً، بأن لكل مواطن ليست له سوابق قضائية او مشاكل مع الدولة الحق ان يتقدم للانتخابات، لكن هذا يبقى قليلاً جداً في جميع الدول التي تمارس الديموقراطية، اي بمعدل واحد في المئة وربما أقل. والحقيقة، لا يعقل ان تكون فئة اللامنتمين قوة او عدداً ضخماً كما نلاحظ الآن. لكن هناك فرق بين الانتخابات المحلية او الجهوية والانتخابات التشريعية، ففي الاخيرة سيكون المنتمون اقلية ضئيلة. حينما ظهر "التجمع الوطني للاحرار" في الساحة السياسية العام 1978، بعد الانتخابات، كنت آنذاك رئيساً للحكومة، ففي تلك الفترة لم نرد ان نخلط بين وجودنا في الحكومة وتأسيس حركة سياسية، لذلك أجرينا الانتخابات ثم أسسنا فريقاً نيابياً ثم كانت لقاءات …الخ. كنا آنذك نريد ان نكون حزباً سياسياً لان الساحة السياسية كانت تفتقر الى وجود احزاب خارج القوتين الرئيسيتين، حزب الحركة الشعبية وحزب الاستقلال. بالطبع، كان هناك ايضاً حزب الشورى وحزب الاتحاد الاشتراكي المنبثق عن الاتحاد الوطني المنفصل بدوره عن حزب الاستقلال، الا ان القوة كانت محصورة في الحزبين الاولين. لقد خرجنا الى الوجود بصورة تلقائية، وتقدمنا كأحرار، اي لامنتمين ومن هنا جاء اسم حزبنا. ثم أسسنا الحزب بعد استشارة الفريق النيابي، لكن في الحقيقة لم نكن ننتظر ان تكون هناك انقسامات كما عرفها حزبنا وتعرفها الاحزاب الصغيرة التي لا يتعدى وجودها في البرلمان مقعداً واحداً. تقدمية غير اشتراكية بماذا تتميز توجهات حزبكم؟ - الاتجاه السائد في حزبنا هو الاتجاه التقدمي غير الاشتراكي. اننا تيار تقدمي، وقد برهنا، منذ البداية، في برنامجنا وممارساتنا الحكومية على مواقف تقدمية، وعلى سبيل المثال لا الحصر حاولنا من موقع المسؤولية الحكومية ان نطبّق مبدأ اشراك العمال في المؤسسات اما عن طريق الاسهم او عن طريق المشاركة في الارباح. كما حاولنا ان نحلل الاوضاع التي كانت تميز بين "التجمع" وما بقي صامداً منه وبين الذين انفصلوا عنه، فلم نجد هناك خلافاً كبيراً، لكن كانت هناك بعض المواقف التقدمية التي لم يقبل بها الطرف الذي كون من بعد الحزب الوطني الديموقراطي. هل تعتقدون بإمكانية العمل مع المعارضة ذات المنحى الاشتراكي في حال تقدمها في الانتخابات. - في حزب الاتحاد الاشتراكي اليوم من يعترف بأنهم ديموقراطيون اجتماعيون. واعتقد اذا كانت الامور منطقية وطبيعية فان هذا التيار سيكون التيار السائد، داخل التكتلات بما فيها "الكتلة الديموقراطية". وكيفما كان الحال، فمن المبتغى ان يكون الائتلاف الحكومي مبنياً على نظرية موحدة او منسقة. ان الغالبية الساحقة من القوى السياسية في العالم تتجه الى نوع من الديموقراطية الاجتماعية، التي تجمع بين ليبرالية متعقلة وضرورة الاخذ في الاعتبار الاصلاحات الاجتماعية. وهذا الاتجاه سيضغط في المستقبل القريب والمتوسط على الساحات السياسية، سواء في المغرب او في غيره، فالقضايا الاجتماعية الآن هي بيت القصيد، ويجب على اي حزب سياسي له صدقيته او مكانته ان ينكبّ قبل كل شيء على البرامج المتعلقة بالقضايا الاجتماعية. جرى التأكيد، من اعلى المستويات، على انتخابات نزيهة وشفافة. هل يداخلكم الشك في ذلك، نتيجة ما حصل في جولة 13 حزيران يونيو الماضي؟ - فعلاً قيل الكثير حول الانتخابات المحلية البلديات، ولكن في نظرنا ليست هناك انتخابات تخلو من بعض الشوائب، حتى في البلدان التي استمرت قروناً في الممارسة الديموقراطية. وفي الانتخابات سواء المحلية او التشريعية الامر متروك لحسم القضاء، فكلما كانت هناك مخالفة يجب اللجوء الى القضاء، ونحن نحرص على ذلك لأنه وسيلة مهمة جداً، خصوصاً ان بلادنا تتوافر على قضاء يمكنه ان يقوم بدوره على المستوى المرغوب. الذي قرأناه في الصحف عن استعمال المال او استخدام العنف لشراء الضمائر والتهديد للحصول على نتائج، كان، في نظري، مبالغاً فيه. وقد استُغل من بعض الاطراف المعنية لتشويه الانتخابات، في الوقت ذاته الذي اعترفت فيه بحياد الادارة وان وصفته بالحياد السلبي، ذلك ان الادارة في نظرها لم تتدخل، وربما كان هذا صحيحاً في بعض الحالات، حيث لم تمارس سلطتها وتضع حداً لاستعمال المال او وسائل اخرى غير مشروعة اثناء الانتخابات، ولكن في نظرنا، وجملة ما يجب ان نقول. ان تلك الانتخابات مرت في ظروف لا بأس بها. يجب ان نكون متفائلين، ففي نظرنا يجب ان تسفر هذه الانتخابات عن نتائج حميدة ، والذي اتخوف منه شخصياً، هو ان تكون الخارطة السياسية متفرقة او غير منسجمة او غير واضحة، لكن على رغم ذلك يمكن ان تتضح الامور بعد تحالفات مبنية على برامج وعلى ارادة قوية من اجل الخروج بالمغرب من المشاكل التي يعاني منها. اذن لماذا الفتور الشعبي خلال الحملة الانتخابية الحالية؟ - هذا ناتج عن احداث وممارسات عدة كنا نندد بها في وقتها، مع اننا، صراحة، في ممارستنا للسياسة، كنا نريد ان نساهم لكن لا نريد ان ندخل في مشاكل. كنا ننادي سنتين على الاقل بضرورة تأسيس حكومة وطنية قوية تواجه المشاكل التي تعاني منها البلاد والتي لها الأولوية، وفي الوقت نفسه كان بإمكان مثل هذه الحكومة نظراً الى صدقيتها وقوتها ان تخلق جواً جديداً حتى يقتنع المواطن بضرورة المشاركة بحماس واقتناع في العمليات الانتخابية. نحن نؤمن بالانتخابات لأننا نؤمن بالديموقراطية، لكن الانتخابات والديموقراطية ليست سوى وسيلة لبلوغ الغاية التي هي حل المشاكل التي تعاني منها البلاد. نحن لا نؤمن بتكليف لجان وطنية او محلية للسهر على الانتخابات، الانتخابات قضية موكولة لحكومة ما، كجميع البرامج، مثل محاربة البطالة واصلاح التعليم والادارة والقضاء. هذه من جملة اختصاصات التي يجب ان تخول الى المسؤولية الحكومية، ومن بينها السهر على سير الانتخابات وبطبيعة الحال هناك القضاء الذي يجب ان يكون نزيهاً وقوياً ليصحح الاخطاء التي يمكن ان ترتكب اثناء الانتخابات. ومع الاسف الشديد كل هذا لم يتوافر، فحتى احزاب الكتلة لم تكن تؤمن بضرورة هذه الحكومة. عبدالرحمن اليوسفي : باقون على عنادنا على عكس الانتخابات السابقة، بدا "الاتحاد الاشتراكي" في الاستحقاقات الحالية مضعضعاً. ما هي حقيقة الوضع داخل الحزب؟ - ربما تتذكرون، انني شخصياً حللت في تقريري الأخير أمام اللجنة المركزية نتائج الانتخابات الجماعية البلديات، وقبل الأسباب المتعلقة بالإدارة والحكومة، شددت على الوضع التنظيمي للحزب، بل فصلت الأشياء ووضعت الاصبع على مكامن الضعف، حيث هناك اشكالية تنظيمية داخل الحزب تعود لأسباب تاريخية، لأننا حزب مر بظروف صعبة وليس في ظروف عادية، ولذلك فهو محتاج أن ينظم نفسه. نعم هناك اشكالية تنظيمية، ونحن عازمون في مؤتمرنا السادس الذي سننظمه مباشرة بعد الانتخابات على معالجتها، على رغم ان في كل الأحزاب حساسيات وتوجهات، ونحن حزب قوى شعبية، أي شرائح اجتماعية متعددة وثقافات مختلفة، وهذه هي قوة الحزب الذي استطاع ان يؤطرها ويوحدها في هذه المعركة الاصلاحية. فان يكون هناك نقاش داخل الحزب نعتبره أمراً محموداً، فالمهم ألا يمس بسلامته، وألا يتحول ذلك الى حرب مواقع، كما حدث في الانتخابات العامة. والواقع اننا أول حزب أنهى عملية الترشيحات، واستطعنا أن نعقد اجتماعاً علنياً قدمنا خلاله مرشحينا، وهو ما يعني ان الحزب حضَّر نفسه لمعركة الترشيحات واستطاع التغلب على العوائق بطريقة مثالية ومعقولة، وقد تحلى الجميع في الحزب بالنضج والمسؤولية. لوحظ ان "الكونفدرالية الديموقراطية للعمل"، وهي ركيزتكم النقابية، شنت قبل انطلاق الحملة الانتخابية اضراباً عاماً. هل تم هذا الاضراب بموافقة الحزب كونه اعتبر استعراضاً للقوة أو حملة انتخابية مبكرة؟ - كان اضراباً طبيعياً لا علاقة له بالحملة الانتخابية، فهو نتيجة لسلوكات السلطات مع مخاطبيها. اخواننا في الكونفديرالية كانوا مثال النضج وحسن التصرف، والكل يعرف أنهم اضطروا الى شن اضراب عام في 5 حزيران يونيو 1996، وألحوا على مطالبهم حتى توصلوا الى حوار اجتماعي كان الأول من نوعه في المغرب، وحصلوا على "تصريح مشترك" في آب اغسطس التزمت الحكومة فيه التزامات عدة، في حين ان الكونفدرالية كانت متواضعة في قبول بعض المكاسب، متفهمة الوضع الحرج لمالية البلاد، غير أن الحكومة لم تنفذ الوعود كلها لذلك جاء الاضراب. ونحن لم نشارك في تقريره ولم نؤيده بشكل علني حتى لا نتهم باستخدامه ليصبح اضراباً سياسياً. بماذا تفسرون عدم مشاركة "الاتحاد العام للعمال في المغرب" ركيزة حليفكم حزب الاستقلال في هذا الاضراب؟ - وحدة العمل بين القوى المعارضة وبين مركزيتين نقابيتين مسألة لها جذور وتراكمات، ولكن يمكن أن تمر في أزمة موقتة أو ظرفية، كما يمكن، وهذا أمر طبيعي، أن "الكونفدرالية" التي يوجد من لا يريد أن يعترف بقوتها وبتمثيلها وبأهمية نفوذها ان تبرهن، كما برهنت في انتخابات المأجورين العمال، انها فعلاً المركزية النقابية الأولى في البلاد، على رغم ما تتعرض له من مضايقات وما يتمتع بعض منافسيها من مجاملات، إذا صح التعبير. بصراحة، كيف هي طبيعة العلاقة بين أطراف "الكتلة الديموقراطية" بعد فشل صيغة المرشح المشترك؟ - لن يتغير شيء جوهري في وضع الكتلة وسيرها. صحيح أننا كنا نتمنى أن ندعم الكتلة بالترشيح المشترك في الانتخابات المحلية، وهو ما كان سيغنينا عما حصل في 13 حزيران يونيو إلا أننا في الاتحاد الاشتراكي كنا واعين بأن أحزاب المعارضة لم تفز أبداً في الانتخابات المحلية نظراً الى طبيعة تقسيم الدوائر الانتخابية، ودور الإدارة في هذا المجال. كنا في "الكتلة" حريصين على أن نتوفق في اعتماد المرشح المشترك، لكن بما ان القيادات الحزبية لم تستطع ان تفرض هذه الاستراتيجية، ونجم ما نجم في 13 حزيران يونيو ظهرت أمامنا صعوبات اضافية، خصوصاً أننا كنا نصبو الى أن يكون الترشيح الى الانتخابات التشريعية رباعياً، أي ان يشمل أحزاب "الكتلة" الأربعة بعدما كان في انتخابات 1993 ثنائياً. لقد اعترضتنا مشاكل كبيرة ولم يكن التوصل الى صيغة المرشح المشترك بالأمر السهل، وكان لدينا أمل احتياطي هو نوعية الاقتراع، وطلبنا من الحكومة ان يكون الاقتراع على دورتين كما هو معمول به في فرنسا، خصوصاً أنه يتفق مع رغبة الملك الذي قال انه يتمنى أن تتكون الحياة السياسية في المغرب من قطبين ووسط، والأسلوب الوحيد الذي يسمح بهذا هو الاقتراع بدورتين، لكن هذا لم يحصل. هل ترون في حصيلة الجولات الانتخابية ما يعزز القناعة بنزاهة الانتخابات؟ - منذ ان أعلن الملك في 20 آب اغسطس 1995 عن تعديل الدستور واجراء انتخابات سابقة لأوانها، أي إعادة انتخاب جميع المؤسسات الدستورية، ونحن نحاور أجهزة الدولة والحكومة في اطار ما يسمى الآن في المغرب ب "التوافق" من أجل الحصول على وضع معايير وسلوكات تضمن أن تجرى الانتخابات في أحسن الظروف، لكن على رغم الجهد الذي بذلناه، واعتقدنا مخلصين أنه بعد تجربة 1993 وما ترتب عنها من أزمة أدخلت المغرب في فترة انتظار انعكست على أوضاعه السياسية والاقتصادية وخلقت جواً من التشكك والترقب، ان الجميع سيراعي هذه الخسارة، ويراعي ضرورة احترام الالتزامات والقوانين المعتمدة، جاءت انتخابات 13 حزيران يونيو لتضعف أملنا، ومع ذلك أصررنا على أن نبقى على عنادنا والحاحنا على تحسين الأوضاع، وعلى حث السلطات على القيام بواجبها. نحن نفهم ان القوى المحافظة في البلاد، أو ما نسميه بمراكز مناهضة الاصلاح التي افسدت الحياة السياسية طيلة أربعة عقود، وبنت مشروعيتها على التزوير والتزييف، ستبذل ما في وسعها لتحافظ على مركزها، لأنها تتخوف من التغيير الذي ربما يهز مركزها أو يقلل من استثماراتها، ومن الممكن أن تلجأ الى وسائل غير شرعية لتدافع عن مواقعها، لكن لا نفهم أن السلطات المسؤولة عن تطبيق القانون تغض النظر عن هذه الممارسات. لقد شاهدنا شيئاً غريباً في المغرب وهو ان الحكومة التزمت معنا في تصريح علني مشترك انها ستعمل على احترام القانون، بينما ان دور أي حكومة في العالم هو العمل من أجل احترام القانون، وهذا الالتزام احتجنا من أجله الى مفاوضات شاقة، ومع ذلك بقيت الدولة في ما تسميه "الحياد" الذي استخدمنا عبارة لطيفة عندما وصفناه بالحياد السلبي، وفي ذهننا أنها مؤاخذة قوية، فالحياد السلبي يعني في نظرنا ان هذه الحكومة أمسكت عن القيام بمسؤوليتها وعجزت عن احترام القانون. نحن لسنا متفائلين، انما نحن مصممون هذه المرة على أن لا تمر الأشياء كما مرت، وضمانتنا الكبرى أن يتعبأ المواطنون أكثر مما تعبأوا من قبل، وان يكونوا أكثر يقظة. استمرارية أم تغيير؟ وإذا لم يحصل ذلك؟ - نحن حزب له هيأته التقريرية، ولا بد أن تنعقد اللجنة المركزية للحزب كيفما كانت النتائج وسنقيمها ونحلل الأوضاع. لكننا نريد أن نكون متفائلين، ونتمنى أن يحصل ما نتمناه. وان نزكي الرأي العام المغربي بالرهان المطروح، لأن المشكل ليس ان تزور الحكومة الانتخابات أم لا، المشكل الذي يعاني منه شعبنا هو في قراره هل يريد أن يستمر على هذه الوضعية، أم يريد أن يستثمر هذه الفرصة الذهبية ليفتح باب التغيير أمامه؟ هل سنضع الحد لهذه الفترة ونفتح صفحة جديدة؟ هل سنتصرف التصرف المسؤول الذي تقتضيه وضعية البلاد؟ لأنه حتى في قناعة الأوساط الحاكمة، والأوساط الصديقة من الأوروبيين وغير الأوروبيين، ان الوضع في المغرب، نظراً الى تفاحش المعضلات المطروحة، محتاج الى تغيير يشمل جميع الميادين. نحن في المغرب فقراء وأغنياء متساوون في شعورنا بأن تعليمنا في أزمة، وأن مستقبل بلادنا مهدد، وان صناعاتنا ونسيج اقتصادنا مهدد إذا لم يؤهل حتى يتحمل المنافسة مع البضائع الأجنبية، واننا مهددون بأن تصبح بلادنا صحراء، وهذه هي المشاكل الأساسية التي يجب أن يستحضرها الناخب المغربي والرأي العام المغربي والمسؤول المغربي لأننا كلنا معنيون بهذه القضايا، إلا الفئة المستفيدة التي تشكل أقلية. ما هو تصوركم للحكومة المقبلة؟ - قناعة الكتلة هي أن يكون الجهاز التنفيذي منبثقاً عن مجلس منتخب انتخاباً حقيقياً وذا مصداقية، وان يرتكز هذا الجهاز على غالبية سياسية، وما كنا لنصل الى هذا الوضع لو كانت الحكومة ذات سلطة سياسية، فتجربتنا طيلة العقود التي مرت أظهرت ان أي جهاز لا يتمتع بسلطة سياسية لا يستطيع انجاز الاصلاحات الضرورية. ولذلك نعمل على تحقيق التناوب عن طريق صناديق الاقتراع، أي أن المغرب يتجه الآن الى نوع من ثورة سياسية هادئة، فللمرة الأولى سيحصل تناوب ديموقراطي، وللمرة الأولى ستشكل الحكومة من خلال نتائج انتخابية، وهنا سيطبق الدستور، وهو ما يعني أن الملك سيعين رئيس الحكومة من البرلمان أو خارج البرلمان، فهو له الصلاحية، لكن سيكون هناك اعتبار واحد هو أن الشخص الذي سيختاره يجب أن يجمع من حوله غالبية من مجلس النواب. إلى ماذا تستندون في تحقيق هذا التناوب، في وقت جاءت الانتخابات المحلية بنتائج، ان لم تكن ضدكم فهي ليست في مصلحتكم؟ - الانتخابات المحلية تعطي خارطة معينة، لكن لا تعطي ما يسمى الخارطة السياسية الحقيقية، كما في 1992 الانتخابات المحلية أعطت خارطة معينة وفي انتخابات 1993 التشريعية أعطت خارطة سياسية أخرى، ولهذا نحن نعتقد بأن الانتخابات التشريعية ستسفر عن خارطة سياسية مختلفة لأن الطريقة التي تباشر بها الانتخابات والدور الذي يلعبه الناخبون يختلفان. لقد تمكنت الإدارة من التأثير على الانتخابات المحلية بطريقة مباشرة وسهلة، فيكفي مثلاً تكثير المرشحين الى 20 أو 25 مرشحاً، وإذا جمعت الأصوات التي سيحصل عليها الفائز ستكون بحدود 70 أو 80 أو 100 صوت، فالفوارق بين المرشحين تكون بسيطة بحيث يكفي بعض الأوراق لبعض الناخبين أو الناخبات لأن تغير الصورة كلها، بخلاف تنافس 10 أو 15 مرشحاً في دائرة تضم 80 ألفاً من السكان، حيث سيكون منطق آخر. لذلك يجب أن نحضر أنفسنا على أساس خارطة سياسية مغايرة. المحجوبي احرضان : استرجعنا قوتنا هل تعتبرون ما تم حتى الآن كافياً لإجراء الانتخابات في ظروف نزيهة وشفافة؟ - بالنسبة لي كاف، لكن المهم هو ان لا نبقى جامدين، بل ان نتقدم الى الأمام، الأمل موجود وهو مركز رغبتي الشخصية في ان لا تبقى الحالة على ما هي عليه. ولهذا كلما تقدمنا الى الأمام يقوى الأمل. وعلى أية حال سيكون هذا العام أفضل من العام الماضي، والتجربة أفضل من التجارب السابقة. لقد تمت اعادة النظر في اللوائح الانتخابية، كما تم تقسيم الدوائر على أساس ان يكون هناك نوع من التوازن، غير ان التوازن لم يكتمل، والحقيقة كانت هناك ملاحظات، غير ان الكل اتفق على ان تجرى الانتخابات على رغم بعض الثغرات. وهل استعد حزبكم لخوض الانتخابات على نحو يستطيع فيه تجاوز خسارته نتيجة ما تعرض له من انشقاقات؟ - أظن ان الحزب مهما هيأ نفسه لن يكون قادراً على مواجهة الانتخابات التي هي معركة حقيقة. نحن مهيأون تنظيمياً وفكرياً، ونشعر بالتفاؤل على رغم بعض الأمور التي لم تصفّ بعد. هل هناك تغييرات أو إضافات على برنامجكم الانتخابي الذي دخلتم به الانتخابات السابقة؟ - البرنامج ليس مجرد خطب وشعارات، المهم ان نضع النقاط فوق الحروف. المغاربة الآن ليسوا كالسابق تقول لهم هذا برنامج فيتبعونك. هناك، في المغرب أوضاع يجب ان تتغير، خصوصاً بالنسبة الى البادية. ونحن نسعى لمعالجة الأزمة الاقتصادية، وفي صميم برنامجنا اقتراحات عن البطالة وطريقة توفير العمل. لكن علينا ان نعترف بأنه لا يمكن الوصول الى نتيجة من دون اعادة الأموال المهربة الى الخارج، فلو كانت هناك حكومة تلزم كل واحد ان يرجع أمواله الى المغرب حتى يبني معملاً لاستطعنا تشغيل جميع المغاربة العاطلين. وأبعد من هذا هناك مشكلة الخريجين العاطلين وهي مرتبطة بقضية التعليم، فالواضح هو عدم وجود سياسة تعليمية. وليست لدينا برامج منظمة للتعليم. ولو عرفنا من أين نبدأ لكنا عرفنا الى أين سنصل. هل ما زلتم تراهنون على الصوت الأمازيغي باعتباركم أول حزب بني على أساس مكونات الثقافة الامازيغية؟ وكيف تنظرون الى تنامي هذه النزعة الامازيغية في السنوات الأخيرة؟ - يجب ألا تقول ظهور النزعة الامازيغية، بل ان تقول ظهور النزعة العربية لأن النزعة الامازيغية كانت موجودة أصلاً. بالنسبة الي، ان الثقافة المغربية هي واحدة. فاللغة الامازيغية أو اللغة العربية ثقافة متكاملة. أنا لا أسمح لهذه الثقافة أو تلك ان تطغى على الأخرى. أما اذا أراد أحدهم ان يمحي الأمازيغية فأقول له ان الامازيغية من تكويننا ومن أصالتنا، ومن حقنا ان ندافع عن لغتنا، على رغم ان اللغة العربية أصبحت لغتنا. إذن تبحثون عن توازن بين اللغتين؟ - أنا أبحث عن القوة المغربية، ليس عن التوازن بل عن القوة، فالاسلام أتى بالعربية لنقرأ القرآن، ومن يريد ان يمزج العربية بالدين عليه ان يعرف ان الامازيغيين لو أرادوا ألا يكون للعربية وجود في هذا البلد فلن تكون، لكن من أجل المحبة في القرآن بدأ الناس يعربون أنفسهم. الأمازيغية قضية وطنية نحن الآن في عصر آخر، عصر التقدم. وهناك أناس يبحثون عن الكنز ليردوه اليهم ونحن نمتلك الكنز وندعه يفلت من بين ايدينا، فإذا اندثرت الامازيغية اندثرت الثقافة المغربية. ولهذا فالحفاظ على الامازيغية بالنسبة الينا قضية وطنية ومسؤولية، مثلما هو الأمر بالنسبة الى العربية اذا ما هددت يجب ان ندافع عنها، وبالفعل كادت العربية ان تندثر في وقت من الأوقات ودافعنا عنها. الآن الأمازيغية مهددة من اخواننا الذين يقولون بأنهم عرب والذين يرفضون بأن تتقدم الامازيغية، لكنها لن تتأثر لأن هناك نهضة، ونهضة قوية. هل ما زلتم تعتبرون انفسكم الممثلين الحقيقيين للامازيغية مع وجود ثلاثة أحزاب أمازيغية الى جانبكم؟ - الحركة الوطنية الشعبية استرجعت قواها، لأننا أعدنا الأمور الى نصابها. واذا كانت احزاب الكتلة خرجت من حزب الاستقلال عن طريق الانشقاقات، فإن ما تم في الحركة الشعبية لم يكن انشقاقاً بل هو انفصال قام به اعضاء من البرلمان، أي انه لم يأت من القواعد. أما لماذا هذا الضرب في الحركة الشعبية فلأنها قوية في الفكرة التي تمثلها في اعتمادها على البادية، حيث ما زال في ذهن بعض الناس في المدن خوف من حركتنا، وربما في أذهان الاندلسيين الذين نزحوا الى هنا بعدما طردوا من إسبانيا فهم يحاولون القضاء على المغرب. في مرحلة التحالفات، تأسست "الكتلة الديموقراطية" و"كتلة الوفاق"، لماذا بقيتم خارج أي تكتل؟ - ولماذا أدخل في تحالفات وأنا قوي لوحدي. لا يتحالف إلا الضعيف. لكن من الممكن ان يكون هناك تحالف في بعض الحالات المعينة، مثلاً في دائرة انتخابية اذا كان هناك رجل مهم لماذا لا أتحالف معه. فاؤلئك الذين عقدوا تحالفات هم الآن واقعون في مشكلة الترشيحات. ماذا تعتبرون أنفسكم في الترتيبة الحالية، هل أنتم مع المعارضة أم مع الغالبية؟ أنا مع المغرب، أنا أيضاً اعتبر نفسي ضمن المعارضة ولست في الحكومة. اذا كانت المعارضة تسعى الى ما هو معقول فأنا معها. من يسعى الى المعقول أنا معه، والمغاربة كلهم سواسية. ولكن لا تسمع كثيراً الشعارات، فلا يوجد في المغرب يمين ولا يسار. كان الاتحاديون يتهمون حزب الاستقلال بالرجعية، والآن لأن حزب الاستقلال تعاقد معهم اصبح تقدمياً ويسارياً. اما الذين في "الوفاق" فلا يرتكزون على أسس صحيحة. اعتقد بأنه يجب الارتكاز على اسس صحيحة كي تكون هناك تحالفات صحيحة، ولهذا ما زالت الحياة السياسية المغربية تتحرك حسب الظروف والأهواء، ونتمنى ان تعطي هذه الانتخابات دفعة قوية لتقاليد العمل السياسي. لو افترضنا ان الكتلة احتلت غداً غالبية المقاعد ماذا سيكون موقفكم؟ - لا يمكن ان تكون لها غالبية المقاعد. يجب على الكتلة ان ترجع الى الواقع، وتكون رهن اشارة مصالح البلاد، لكن اعتقد بأنه من الممكن ان يكون هناك اتفاق مع الكتلة لتشكيل حكومة ائتلافية لكي يخرج المغرب من الحالة الراهنة. وماذا لو جاءت المعارضة، هل ستكتفون بدور المعارض؟ - أنا أيضاً من المعارضة، بل انا المعارض الأول. في السابق لم تكن هناك معارضة، كلهم كانوا يريدون ان يدخلوا الحكومة، أنا الوحيد الذي كنت معارضاً، وأرى ان مجتمعنا لا يزال يحتاج الى معارضة نزيهة، ولكن لا أحكم على المستقبل ولست وحدي، عندنا مكتب سياسي ولجنة مركزية، وسيكون هناك نقاش لتقرير ما يجب عمله، وربما سنكسب الغالبية ويأتي معنا الآخرون، لماذا لا! .