لا يرتبط النمو الاقتصادي في دولة ما بمدى التطور الصناعي والتكنولوجي فيها، خلافاً للاعتقاد الذي كان قائماً بأن مقياس التطور الاقتصادي العالمي يتمثل في قدرة احدى الدول على تطوير ادائها الصناعي وتحديث تكنولوجياتها. فطبقاً للتقرير السنوي الذي اعده الملتقى الاقتصادي الدولي الذي انعقد في جنيف أخيراً، فإن الدولة الاكثر تنافسية في العالم حالياً ليست اليابان الاكثر تطوراً من الناحية التكنولوجية، ولا الولاياتالمتحدة، او المانيا ودول الاتحاد الاوروبي الاخرى وكندا التي تؤلف في مجموعها الدول الصناعية الاكثر تقدماً، بل هي سنغافورة، التي نجحت في التحول الى أكبر مركز عالمي للترانزيت بمعناه الواسع، فهي اكبر مركز مالي اقليمي، كما هي اهم مركز تجاري، الى جانب انها باتت اكبر نقطة تجمع للشركات العالمية متعددة الجنسيات، وتجتذب من الرساميل والاستثمارات ما يفوق ما تجتذبه اية دولة اخرى في العالم، بالمقارنة مع ناتجها المحلي الاجمالي، الى جانب النجاح الذي حققته على صعيد تطوير منتجات تكنولوجية ذات جاذبية كبيرة في مجال التصدير. وما ينطبق على سنغافورة، ينسحب على دول أخرى تحتل المرتبة الاولى في مجال التنافسية العالمية، وهي هونغ كونغ واللوكسمبورغ وسويسرا، فيما تعتبر نيوزيلندا الدولة الاكثر اثارة في مجال التنافسية نظراً الى المراحل التي قطعتها في السنوات الاخيرة وجعلت منها واحدة من ثلاث دول هي الاكثر جاذبية لحركة الرساميل الدولية، بعدما حققت تقدماً واسعاً على صعيد تشريعاتها المالية والاقتصادية، وتخصيص منشآت الخدمات العامة، وخفض الانفاق الحكومي واعادة النظر بالسياسات الضريبية، وتكريس استقلالية البنك المركزي. وكان الملتقى الدولي اشار الى أنه استند في تحديد الدولة الاكثر تنافسية الى مجموعة معايير ابرزها الآتي: الانفتاح، التمويل، البنى التحتية، التكنولوجيا، الادارة، العمالة، المؤسسات المدنية العامة. ويشير التقرير الى أن الانظمة الاجتماعية في دول الاتحاد الاوروبي وهو ما سماه أنظمة الرفاه الاجتماعي، هي من المعوقات الاساسية امام اعتبار دول الاتحاد من بين الدول الاكثر تنافسية بسبب كلفته المالية المرتفعة والاعباء التي يخلفها على موازنات هذه الدول، الى جانب مشاكل البطالة والسياسات الضريبية. اما بالنسبة الى الولاياتالمتحدة، فإن من المعوقات التي تحد من تنافسيتها، ما يتصل بمستوى الضرائب، وتدني نسب الادخار، الى جانب الشكاوى المتزايدة من الاداء القضائي، في حين ان العائق في اليابان يتمثل بسياسة الاغلاق التجاري مع الخارج، ومشكلة المصارف التي انهارت ولم تنجح الحكومة في استيعابها بالسرعة اللازمة. وما ينطبق على دول مثل فرنسا والسويد وبريطانيا، ينطبق بصورة أكثر وضوحاً على المانيا التي يقول الملتقى الاقتصادي انه بات يتوجب عليها ان تعيد النظر في استمرار نظام الضمانات الاجتماعية التي تقدمها لمواطنيها. واللافت ان اياً من دول الشرق الاوسط لم تظهر على لوائح الدول الاكثر تنافسية في العالم، بالمقارنة مع ظهور اسماء جديدة في آسيا واميركا اللاتينية، مثل تشيلي التي تحتل المرتبة الاولى، ثم البرازيل والمكسيك والصين، وفي اوروبا الوسطى والشرقية، بينما تستمر دول الاتحاد السوفياتي السابق عند مستوى متدن نظراً الى المشاكل البيروقراطية وغياب النظام الضريبي الفعال.