تراجعت نسبة الودائع بالعملات الاجنبية من اجمالي الودائع لدى القطاع المصرفي في لبنان الى 60 في المئة، حتى نهاية آذار مارس الماضي، بعدما كانت وصلت الى 6،61 في المئة اوائل العام الجاري و7،86 في المئة قبل 3 سنوات، الامر الذي ينظر اليه كأحد المؤشرات الى تقلص ظاهرة "الدولرة" في الاقتصاد اللبناني، التي بلغت ذروتها في السنوات العشر الاخيرة، مع انهيار سعر صرف الليرة، وامتناع المودعين واصحاب الورقة الخضراء عن استخدام العملة الوطنية في غالبية المعاملات اليومية. وينظر الى تراجع حصة الودائع بالعملات الأجنبية من اجمالي الودائع المصرفية في لبنان على أنه من النتائج المباشرة لتحول المودعين الى الليرة بفعل تحسن الاستقرار العام في البلاد، اضافة الى التحسن المالي الذي تحقق في السنوات الثلاث الماضية، ثم بفعل استمرار سياسة الفوائد المرتفعة على العملة الوطنية، التي بلغت ذروتها أواخر العام الماضي، عندما وصلت اسعار الفوائد على سندات الخزينة الى مستوى قياسي، وبلغت 3،43 في المئة على السندات من فئة السنة حالياً 17،15 في المئة. ومع ذلك، وعلى الرغم اعلان الحكومة عن قرارها مكافحة ظاهرة "الدولرة"، الاّ أن المؤشرات المالية والمصرفية تدل بوضوح على أن هذه الظاهرة لا زالت على مستوى كبير من القوة بحيث تصبح عملية مكافحتها مسألة طويلة الاجل، وتحتاج الى توافر عناصر اقتصادية وعامة لم تتوافر حتى الآن، ومن غير المعتقد انها ستتوافر في ظل الاعتبارات التي تحكم البلاد في المستقبل المنظور. وأظهرت التقديرات التي اعدتها جمعية مصارف لبنان اخيراً ان حركة التسليفات بالعملات الاجنبية لا زالت تسيطر بصورة شبه مطلقة على سوق التسليف المصرفي، خصوصاً التسليف المصرفي للقطاع الخاص. وبحسب التقديرات التي انجزت اخيراً بلغت قيمة التسليفات التي منحتها المصارف للقطاع الخاص حتى نهاية آذار مارس الماضي ما مجموعه 11379 مليار ليرة 202،7 مليار دولار وهو رقم يزيد بنسبة 4،6 في المئة عما كانت بلغته هذه التسليفات آخر العام 1995. ومع ذلك بقيت نسبة التسليفات بالعملات الاجنبية من اجمالي التسليفات للقطاع الخاص عند مستوى 8،87 في المئة. كذلك من المؤشرات الى استمرار ظاهرة الدولرة على قوتها، استمرار تزايد عدد الشيكات وقيمتها بالدولار والعملات الاخرى. فقد بلغ العدد الاجمالي للشيكات 242،6 مليون شيك، حصة الشيكات بالدولار منها 3،53 في المئة. اما على صعيد قيمة الشيكات المصدرة، فقد بلغت حصة الشيكات بالدولار 2،9 مليار دولار في العام الماضي، اي ما يمثل 6،66 في المئة من اجمالي قيمة حركة الشيكات في سوق بيروت. ولجأت المصارف التجارية في لبنان، في خطوة استهدفت تلبية طلبات العدد الاكبر من عملائها، الى إنشاء مقاصة للشيكات بالعملات الاجنبية لتسريع عمليات التغطية والتسديد، بدلاً من اللجوء الى الاسواق الخارجية، وهي عملية تحتاج الى اسبوعين على الاقل، الامر الذي كان يتوقع ان يؤثر بصورة سلبية على حركة المبادلات التجارية في السوق. ويقول عضو مجلس ادارة جمعية المصارف المدير العام الاقليمي ل "البنك العربي" في لبنان الدكتور هشام البساط، ان التعامل بالدولار في السوق اللبنانية تكرس قانونياً، وان بصورة غير مباشرة، في خلال السنوات القليلة الماضية، في اشارة غير مباشرة الى بعض الاجراءات والتدابير التي طبقتها الحكومة، وأبرزها لجوء الحكومة الى اصدار سندات خزينة بالدولار في الاسواق المحلية والخارجية، بفوائد تزيد عن اسعار فوائد سندات الخزينة الاميركية نفسها بما يصل الى 25،3 في المئة. الى ذلك سمحت الحكومة لشركة "سوليدير" اللبنانية، وهي اكبر شركة مساهمة في لبنان، إعلان رأسمالها بالدولار الاميركي بواقع 8،1 مليار دولار، من بينها 650 مليون دولار قيمة الاكتتابات النقدية الى جانب السماح لها بتسعير اسهمها المطروحة للتداول في السوق الثانوية بالدولار. ومن الاجراءات الحكومية التي ربما ساهمت في ترسيخ ظاهرة الدولرة، مبادرة مصرف لبنان المركزي الى قبول الودائع بالدولار الاميركي بفوائد تزيد بصورة واضحة عن مستوياتها في الاسواق الدولية، بما يصل في حده الاقصى الى 5،0 في المئة، الى جانب تحديد سعر حسم السندات بالدولار لمدة لا تزيد عن 6 أشهر بسعر الفائدة الفضلى للفترة نفسها لدى "سيتي بنك" نيويورك، مضافاً اليه 2 في المئة. كذلك، عمد البنك المركزي الى السماح للمصارف برفع سقف تسليفاتها بالعملات الى 70 في المئة من الودائع بالعملات الاجنبية لديها، بعدما كانت هذه النسبة 65 في المئة. ومع ان الحكومة اعتمدت الليرة في دفع الرواتب والمعاملات المالية الاخرى، وفي الاعلان عن اسعار السلع والخدمات في المتاجر، الاّ أنها عمدت في الوقت نفسه الى تثبيت عقودها في شركات المقاولات بالدولار الاميركي لمواجهة مخاطر احتمال حصول تقلبات في اسعار صرف الليرة. ويعترف كبار المسؤولين الماليين والنقديين باستمرار ظاهرة الدولرة قوية، ويقول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ان ثمة شرطين لا بد منهما لخفض مستوى هذه الظاهرة الى المعدلات المقبولة: الاول ترسيخ الاستقرار السياسي والاقتصادي، وحتى النقدي الامر الذي من شأنه ان يزيد عدد الذين يتحولون الى الليرة للتعامل بها، حتى في التعاملات لآجال متوسطة وطويلة. والثاني تطوير السوق النقدية بين المصارف، خارج مصرف لبنان، بالليرة والدولار لتمكين هذه المصارف من تحسين ادارتها لموجوداتها ومطلوباتها. لكن تحقيق مثل هذين الشرطين يفترض في الاساس تحقيق نتائج افضل على صعيد معالجة عجز الموازنة العامة للدولة، وعلى صعيد الدين العام وارتفاع كلفته، وهي مسائل من الصعب، كما يقول هشام البساط، التفاؤل بإمكان تحقيقها، أقله في السنوات الخمس المقبلة.