هل تؤدي المعركة التي اندلعت اخيراً بين الوزير جنبلاط و"حزب الله" بسبب اتهامات من الطرفين حول سرقة بعض القطع الأثرية من بعلبك الى فتح ملف سرقة الآثار اللبنانية على مصراعيه؟ وبالتالي فتح ملف "مافيات الآثار" التي شارك فيها أضواء على القضية في التحقيق الآتي: سرقة الآثار اللبنانية التي كانت اخبارها وقفاً على الاشاعات والروايات الشفوية المختلفة تارة والمعلومات الصحافية غير الدقيقة أحياناً برزت أخيراً الى واجهة الأحداث في لبنان بعدما كشف النائب خضر طليس من حزب الله في بداية الشهر الماضي ان 49 قطعة أثرية بينها نواويس رومانية وتماثيل صغيرة ورأس للاله جوبيتر ونحو 20 من تيجان الأعمدة "سرقت" في العام 1987 من مستودع قلعة مدينة بعلبك. وقال النائب ابراهيم بيان، من حزب الله أيضاً، أن محمد توفيق الرفاعي أحد موظفي المديرية العامة للآثار قام بنقل هذه القطع الى متحف قصر بيت الدين الذي انشأه وليد جنبلاط في منطقة الشوف. وطالب بفتح تحقيق قضائي حول القضية. وفي هذا الاطار أوضح الرفاعي انه قام بذلك "بناء على طلب خطي" من الوزير جنبلاط الذي كان حينها وزيراً للسياحة التي تتبع لها المديرية العامة للآثار. ورد جنبلاط على هذا الكلام مؤكداً بأنه طلب فعلاً نقل القطع الأثرية ولكن "بعد ان وردته معلومات عن سرقة أكثر من 200 قطعة من معابد قلعة بعلبك" وأعرب عن استعداده لاعادة هذه القطع الى المديرية العامة للآثار. كما أشار الى ان عدد القطع التي وصلت الى متحف قصر بيت الدين كان 28 قطعة وليس 49، متهماً الرفاعي بالاستيلاء عليها لتزيين منزله في بعلبك. وانتقد تقاعس المسؤولين مشيراً الى ان "عبدالحليم كركلا صاحب أشهر فرقة للرقص الشعبي في المنطقة استضاف أخيراً وزير الثقافة ميشال أده وعدداً من ضيوفه الأجانب في حديقة منزله المليئة بالقطع الاثرية من بعلبك". ما هو رأي الوزير اده؟ يقول وزير الثقافة انه طلب فتح تحقيق قضائي في القضية "التي بدأت عندما لم يكن تسلم مهامه بعد". كما أكد انه أعطى تعليمات لتشديد الرقابة على الحدود مما أدى الى استعادة عدد من القطع التي عرضت للبيع في سويسرا وألمانيا. اعادة 4 تماثيل والواقع ان الدولة اللبنانية استطاعت أخيراً بواسطة سفيرها في بون فؤاد الترك استرجاع أربعة تماثيل، الا ان هذه التماثيل لم تكن المسروقات الوحيدة من الثروة الاثرية والتاريخية. فقد شهدت الآثار في لبنان منذ الاربعينات نهباً شبه منظم خصوصاً ابان الحرب، شارك فيه تجار محليون ومسؤولو ميليشيات وسياسيون مع مافيات في الخارج. اضافة الى ما قامت به اسرائيل من نهب اثناء اجتياحها عامي 1978 و1982 من دون رادع قانوني. ويكفي القول أن قانون الآثار الذي يبحث اليوم في أمر تعديله، انما يعود الى العام 1933، وان الدولة اللبنانية لم توقع قبل العام 1989 على الاتفاقية العالمية التي تمنع الاتجار بالآثار! واذا كان لبنان تعرض عبر السنين الى عملية نهب لتاريخه، فالسبب يعود الى غياب الرادع القانوني الذي يطبق على الافراد كما المسؤولين والتجار المحليين، ولأن لبنان على رغم صغر مساحته، فهو مركز اهتمام نظراً لقيمة الثروات الموجودة في باطنه وهي اكبر بكثير من ثرواته الباقية واكبر بكثير من كلفة البحث عنها كما يحصل حالياً في عمليات التنقيب في وسط العاصمة بيروت. اذ تكاد كل رقعة في هذا البلد ان تكون متحفاً لما تحويه من قلاع وتحف ومغاور، وعمليات التنقيب التي بدأت منذ اواسط القرن الثامن عشر مع بعثة ارنست ريتان وبقيت متواصلة حتى بداية الثمانينات من هذا القرن حسبما يشير الدكتور محمود امهز رئيس قسم الآثار في الجامعة اللبنانية وشملت مواقع مختلفة مثل جبيل، الصرفند، صور، صيدا، بعلبك وكامد اللوز، والتي اثبتت بأن اقدم الآثار المكتشفة وجد في جبيل وشملت الحفريات الاثرية مختلف مراحلها التاريخية وان الاستيطان فيها لم يتوقف منذ الالف الخامس قبل الميلاد. أهم المدن التاريخية ويكفي القول ان بيروت التي يتم التنقيب في وسطها اليوم تعتبر من اهم المدن في التاريخ منذ اربعة آلاف عام وعرفت فيها اهم مدرسة للحقوق التي أسست في القرن الثاني قبل الميلاد وذكرت المدينة في عدد من رسائل تل العمارنة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد دون ان تكشف عمليات الحفر والبعثات التي توالت عن تاريخها الحقيقي. من ناحية اخرى أظهرت الحفريات بأن مدينة صور احتلت منذ القرن التاسع المكانة الاولى على الشاطىء، بعد ان تقدمت على صيدا وسائر المدن الفينيقية الاخرى، هذا اضافة الى القلاع المشهورة كقلعة بعلبك التي تعود الى الالف الثالث قبل الميلاد وقلعة طرابلس التي بنيت سنة 707 ه وقلعة الشقيف عام 1100 على يد الصليبيين الخ... كما ان المتحف الوطني بني عام 1930 الذي نهب بعض موجوداته ضم آثار سبعة آلاف عام، ما جعله من اهم المتاحف في الشرق الاوسط، هذا ناهيك عن المساجد والكنائس التي تعود الى عهود قديمة. أبرز السرقات واذا اردنا عرضاً سريعاً لابرز عمليات نهب التاريخ، نتوقف عند آخرها. فالمعلوم ان التماثيل الاربعة التي اثار امر استعادتها ضجة، انما استمرت دعوى استردادها خمس سنوات بدءاً من العام 1990 ما بين الحكومة اللبنانية والقضاء السويسري، وكانت سرقت العام 1981 على أيدي الميليشيات المسلحة والمافيات الدولية من مستودعات متحف جبيل وظلت مختفية حتى العام 1991 حين ظهرت في احد متاحف سويسرا، حيث تعرف اليها مصادفة العالم رولف ستوكي الذي سبق وعمل في لبنان. في حين ان المجموعة المسروقة كانت عبارة عن خمسة تماثيل، فان التمثال الخامس بقي مفقوداً في انكلترا، حيث بيع في دار "سوذبي" للمزادات في لندن، وهناك دعوى قائمة لاسترداده. والمجموعة تمثل اطفال اشمون اله الصحة الذي بنت له العائلة المالكة في صيدا معبداً في العهد الفارسي، وتعود التماثيل الى كل من القرون السادس والخامس والرابع قبل الميلاد. وما حصل في جبيل تم في صور تحت سمع وابصار الحزبيين قرب بلدة قانا في شباط فبراير 1987، حيث عثر المنقبون على مدينة كاملة تحت الارض تضم نواويس فخارية وتوابيت من الرصاص المزخرف ومئات القطع الفخارية ومنها "بكاءات" اضافة الى صفائح ذهبية وعشرات التماثيل الاثرية نقلت سراً في صناديق الى منازل و"معارف" ومسؤولين، وبيع قسم منها بمبالغ زهيدة ومعظمها يعود الى كل من العهد البيزنطي واليوناني والروماني. وهناك أيضاً تحف مفقودة من متحف صور، وفي وسع المرء أن يتحقق علناً من عملية الاتجار بآثار لبنان في "كشك" فوق سطح مياه صور على مقربة من المدينة الاثرية حيث يعمل غطاسون على بيع الكثير من التحف للراغبين او للصحافيين الاجانب بأسعار زهيدة. وفي العام 1978، اثناء اجتياحها للجنوب، قامت اسرائيل بحفريات في جوار قبر احيرام على طريق قانا ونقلت تحفا في طوافات عسكرية وكذلك فعلت في المتحف الوطني عندما اجتاحت العاصمة. ويفيد احد الخبراء الذي التقته "الوسط" بأن هناك اكثر من دليل لهذا السلوك الاسرائيلي ابرزه متحف الحلى الاسلامية المعروضة في القدسالمحتلة في مناسبة الذكرى السنوية العشرين لاحتلال الجزء الشرقي من المدينةالمحتلة من المعروضات حلى عثر عليها في مقابر القدس في العامين 1967 و1969، ويضيف الخبير نفسه المقيم في لبنان منذ مدة طويلة، بأن الحديث عن اسرائيل وغيرها من المافيات في الخارج التي نهبت الآثار اللبنانية ليس بذي اهمية امام مسؤولية اللبنانيين انفسهم من مرتزقة واثرياء حرب الذين قاموا بسرق ثروتهم وبيعها. ويذكر انه نجم عن حرب الجبل في العامين 1983 و1984 فقدان غالبية محتويات قصر بيت الدين منها سيف مرصع اهداه نابليون بونابرت الى الامير بشير الثاني وكذلك الامر بالنسبة الى المسؤولين الذين سيطروا على الجنوب ابان الحرب. والجدير بالذكر ان مئات التماثيل والتحف نهبت بشكل سري ومنظم منذ العام 1975 من قلعة بعلبك وقلعتي نيحا وقصرنبا، ووجدت طريقها الى قاعات المزاد في اسرائيل والولايات المتحدة واوروبا الغربية.كما ان بعض المعلومات يشير الى أن القوات الفرنسية اثناء وجودها في لبنان ما بين 1920 و1943 نهبت اكثر من سبعين في المئة من ذهب لبنان وسورية اثناء تنقيبها غالبية المناطق اضافة الى المخطوطات الاسلامية من مختلف المدن والقرى. سرقات مشهورة ولعل من ضمن عمليات بيع وتهريب الآثار البالغة الخطورة ما جرى خلال العام 1981 من تورط مسؤولين. وان احد مسؤولي الميليشيا في اقليم جبيل حقق ارباحاً طائلة من جراء بيع وتهريب حلى ونقود فضية وذهبية واضطر حزبه لتغطية ما جرى بتسليم رئيس مصلحة الحفريات والمتاحف الدكتور ابراهيم كوكباني آنذاك مجموعة من النقود الفضية الفينيقية. ومن اكثر الفصول اثارة في ملف سرقة الآثار في لبنان عملية التهريب التي تمت لمجموعة تحف قديمة فضية 14 قطعة تعود الى العهد الروماني والى القرنين الرابع والخامس المعروفة بكنز "سويسو" التي اكتشفت في منطقة بعلبك الاثرية حوالي العام 1980، وتم تهريبها الى الخارج وعرضتها للبيع في نيويورك في مزاد علني مؤسسة "سوذبيز" البريطانية. وقد أصدر القاضي غسان رباح القرار الظني بتاريخ 18/10/92 في شأن قضية الكنز، خصوصاً وان القضية عرضت في مجلس الوزراء، وتبين من المعلومات الرسمية التي تجمعت لدى أجهزة الدولة ان سفيراً سابقاً تورط في عملية اخراجها من لبنان بمساعدة مسؤولين سابقين، وتهريبها لبيعها في الخارج. كما ان الكنز مدعوم بشهادات تصدير موقعة من مديرية الآثار، واعتبر مالك الكنز هو اللورد نورثامبتون، بحيث اشتراه على دفعتين في سويسرا وبريطانيا، في عامي 1980 و1981 اي اثناء استمرار الحرب في لبنان، وبلغ تقويم "سوذبيز" لسعر الكنز الذي هو عبارة عن فضيات رومانية أطباق وكؤوس الخ... صنعت لاحد اباطرة الرومان او قادتهم، اربعين مليون دولار، مع العلم ان الخبراء أشاروا الى أن المؤسسة قد تحصل على سعر مئة مليون دولار! هذا وبقيت محاولة تهريب آثار لبنانية الى الخارج مستمرة على رغم عودة الامن الى البلاد، بحيث ضبطت شرطة الجيش بتاريخ 4/3/1991 سيارة شحن في صربا محملة مستودعاً كبيراً يتضمن قطعاً اثرية منقولة من الجنوب، وكان من المتوقع نقلها الى المانيا بواسطة شركة "سوكومار"، وبلغ عدد القطع 49 قطعة من حاضنات الدمع والاباريق الخ... و14 قطعة عملة برونزية يعود تاريخها الى العهدين الروماني والبيزنطي، وناووس روماني وآخر من الرخام وثالث من الرصاص!