من كان يظنّ أن كاتباً هامشيّاً كمحمّد شكري، لا يملك أي مشروع سلطوي، ولا يبحث عن شهرة أو تكريس، سيصبح الكاتب الأكثر انتشاراً في المغرب؟ فحين أمسك بالقلم هذا العصامي الذي تعلّم وحده القراءة والكتابة، فعل ذلك بتشجيع بعض الاصدقاء، كي يكتب سيرته الذاتية الصاخبة، كي يشهد. هكذا رأت النور رواية "الخبز الحافي" التي سرعان ما لاقت رواجاً في فرنسا والعالم العربي، قبل أن تمنع في المغرب. بنبض حيّ ولغة عفوية هي لغة الحياة، يروي ابن طنجة، صديق جان جينيه ووليم بوروز وتنسي وليامز، فصولاً من مسيرة حافلة بالتجارب والتسكّع على هامش العالم، انطلاقاً من نظرة مشاكسة إلى الانظمة والمعاير السائدة. ومنذ ظهور الجزء الثاني من سيرته بعنوان "زمن الأخطاء" الرباط - 1992، أو "الشطّار" في طبعة أخرى "دار الساقي"، لندن - 1992، ومحمد شكري لا يتوقّف عن النشر، واعادة اصدار أعماله القديمة، بغزارة نادراً ما نقع عليها في سوق المغرب. فخلال سنوات ثلاث، أصدر طبعة ثالثة من مجموعته القصصية "مجنون الورد"، ومن روايته "السوق الداخلي"، كما أعاد طبع كتابيه "جان جينيه في طنجة" و"تنسي وليامز في طنجة"، وأصدر مسرحيته "السعادة" وظهرت أخيراً في الرباط طبعة ثالثة من "زمن الأخطاء"... وكل هذه العناوين تحقّق أرقاماً قياسية في المبيع، مقارنة باصدارات أخرى لكتّاب بارزين. كيف يفسّر هذا الرواج مثقّفو المغرب الذين يتكلّمون على "أزمة نشر" أو "أزمة قراءة"؟ وهل هناك "ظاهرة" اسمها محمّد شكري، حتّى لا تقلّ أي طبعة من كتاب له عن خمسة آلاف نسخة، سرعان ما تنفد؟ لا يتّفق صاحب "الخبز الحافي" مع القائلين بأزمة الكتاب في المغرب، ولا يقاسمهم رأيهم في أن الكتاب الابداعي غير مربح. "بامكان هذا الكتاب أن يكون مربحاً"، يؤكد الأديب في حديث إلى الزميل الزبير بن بوشتى. "بإمكانه أن يكون مربحاً إذا انتشر على نطاق واسع. فكتب بنّيس وبوزفور والخوري وزفزاف يمكن أن تكون مربحة إذا تم تقديمها وتسويقها كما يجب، وبأسعار معقولة". أسعار كتب شكري هي الأرخص في المغرب، إذ انه يحرص على "مراعاة امكانات القارئ". وهو يلقي باللائمة على الناشر وجشعه، رافضاً طبع كتبه إلا على نفقته الخاصة، "لأن "حقوق المؤلّف مهضومة في المغرب". ولشكري حكايات لا تنتهي عن صراعه مع ناشرين استغلوه في الولاياتالمتحدة وبريطانيا واسبانيا وايطاليا و... بيروت. إلا انّه يشهد لنزاهة "دار الساقي" اللندنية التي "أصدرت "الشطّار" بشكل معقول، وتعاملت معي بنزاهة نادراً ما نجدها لدى الناشرين العرب".